د. عبدالحميد الوافي
بالرغم من الجدل الذى صاحب بدء العمليات العسكرية التى تقوم بها قوات التحالف العربى بقيادة المملكة العربية السعودية، ضد ميليشيات «أنصار الله» الحوثية، والقوات المنشقة التابعة للرئيس اليمنى السابق على عبد الله صالح، والتى بدأت فى 26 مارس الماضي، وهو جدل انعكس على مواقف بعض الأطراف الخليجية والعربية والدولية بأشكال مختلفة، إلا أن هذه الحرب لا يمكن أن تنفصل عن الأهمية الاستراتيجية التى يمثلها اليمن سواء بالنسبة للسعودية أو بالنسبة لسلطنة عمان، بوجه خاص، ولمنطقة الخليج بوجه عام، ولا عن الصراع المتنامى مع إيران، بعد محاولات طهران الفجة مد نفوذها إلى أكثر من عاصمة عربية بواسطة ميليشيات مرتبطة بها مذهبيا، هذا فضلا عن الاعتبارات المرتبطة بالقيادة السعودية الجديدة، ورغبتها فى إظهار قدر من الحزم والقدرة على الرد والردع
وإذا كنا فى غير حاجة إلى الاشارة الى حجم الدعم الكبير الذى كانت تحصل عليه الجمهورية اليمنية، فى عهد الرئيس السابق على عبد الله صالح من مجلس التعاون الخليجى فإن قمتى مجلس التعاون اللتين عقدتا فى مسقط عامى 2001 و 2008، فتحتا المجال أمام انضمام اليمن الى بعض هيئات مجلس التعاون الخليجي، كما أن المبادرة الخليجية التى طرحت بعد أحداث عام 2011 فى اليمن هى التى سمحت بانتقال السلطة سلميا من الرئيس السابق على عبد الله صالح الى نائبه عبدربه منصور هادى عام 2012، وهو ما فتح الطريق أمام الحوار الوطنى لإعادة هيكلة الأوضاع فى اليمن بمشاركة كل القوى اليمنية، غير أن الحوثيين انقلبوا على الشرعية اليمنية واستولوا على صنعاء بالقوة المسلحة وبعد نحو ثمانية أشهر من بدء عاصفة الحزم، التى تقودها السعودية وتشارك فيها ثمانى دول عربية أخري، وما تلاها من حملة عودة الأمل لتقديم مواد الاغاثة لليمنيين، وتداخل أعمال الاثنتين، فان الحرب لا يبدو أنها تتجه إلى نوع من الحسم العسكري، وذلك لأسباب يمنية وإقليمية أيضا، وذلك رغم الحصار البحرى والجوى والبرى شبه الكامل الذى تفرضه قوات التحالف على اليمن. ولعل إدراك هذه الحقيقة من جانب الأطراف اليمنية والعربية والاقليمية يدفع نحو القبول بالجلوس على مائدة المفاوضات، ومحاولة التوصل إلى نوع من التوافق حول حل سلمى فى اليمن، مقبول من الأطراف اليمنية، وقادر على إعادة الشرعية والاستقرار الى اليمن واستيعاب القوى اليمنية دون إقصاء أو استئثار، وهو أمر ضرورى حتى يمكن البدء فى عمليات إعادة الاعمار وفى هذا الإطار فإنه يمكن الاشارة إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها ما يلي:
أولا: انه بالرغم من العلاقات الوثيقة بين الشعب اليمنى وشعوب مجلس التعاون بوجه عام، إلا أن الحوثيين وأنصار الرئيس اليمنى السابق عزفوا على وتر الحساسية اليمنية حيال دول مجلس التعاون، فى محاولة خطرة لاحداث صدع عميق فيها. ولعل ذلك هو ما أدى إلى الاعلان عن حملة «عودة الأمل» لتقديم الاغاثة للشعب اليمنى وبالطبع تحاول الحكومة اليمنية والرئيس هادي، التركيز على الاسهام الايجابى لعاصفة الحزم، واثر ذلك فى استعادة الشرعية، مع الحديث عن عمليات إعادة الاعمار الواسعة بعد وقف القتال، وصولا إلى التبشير بالانضمام الى عضوية مجلس التعاون بشكل كامل، كمحاولة لتخفيف آلام اليمنيين.
ثانيا: أن امتناع سلطنة عمان عن المشاركة فى عاصفة الحزم لا يمثل موقفا محايدا، ولا نأيا بالنفس عما يجرى فى اليمن الشقيق، ولكنه يعد اتساقا مع مبدئية الموقف العمانى المتمثل فى عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخري، وبينما اعتبر البعض، أن عمان تغرد خارج السرب، بامتناعها عن المشاركة فى عاصفة الحزم، وحدث أن تعرض منزل السفير العمانى فى صنعاء للقصف فى منتصف سبتمبر الماضى فان فهم الموقف العمانى يتطلب الاحاطة ليس فقط بالعلاقات الطيبة والمتنامية بين اليمن وسلطنة عمان منذ توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين عام 1992، ولكن أيضا بحرص السلطنة على عدم العودة الى فخ القتال فى النصف الأول من سبعينيات القرن الماضى والمصادمات العسكرية التى جرت فى ذلك الوقت وتورط فيها اليمن الجنوبي. يضاف إلى ذلك أن السلطنة التى لم تتدخل فى حرب عام 1994 بين شمال اليمن وجنوبه، استطاعت حل كثير من مشكلات تلك الحرب، بفضل علاقتها مع كل من قيادات الشمال وقيادات الجنوب اليمنى فى ذلك الوقت، ولذا اختارت أن تقوم بتقديم المساعدات للأشقاء اليمنيين، وان تقدم التسهيلات لإجلاء أبناء الدول الأخرى عبر أراضيها، ومنهم الكثير من المصريين، وان تهيئ الأجواء لإمكان التفاوض بين الطرفين المتحاربين لإيجاد سبيل لوقف القتال.
ثالثا: إن إنقاذ اليمن من الوقوع أسيرة للنفوذ الايرانى كان ثمنه كبيرا، سواء على الصعيد اليمني، أو بالنسبة للسعودية ودولة الامارات على وجه الخصوص صحيح أن قوات البلدين ستكتسب الكثير من دروس الحرب ولكن الصحيح أيضا أن دول مجلس التعاون قد وضعت النقاط على الحروف، وبشكل واضح، جماعيا وفرديا، بالنسبة لحدود ومدى ومتطلبات استخدام القوة من جانبها، سواء لنصرة إحدى دول مجلس التعاون، فى حال تعرضها لتهديدات (حالة الكويت والبحرين)، أو لوقف محاولات قوى إقليمية أخرى الامتداد بنفوذها إلى منطقة شبة الجزيرة العربية (حالة اليمن) ومن المرجح أن تزداد الحاجة إلى إعادة النظر فى قوة درع الجزيرة، والاتجاه إلى تشكيل قوة خليجية أكثر فاعلية أو تنشيط اقتراح تشكيل القوة العربية الموحدة، بمن يشارك من الدول العربية، وهو ما اقترحته مصر وينتظر التوقيع عليه عندما تتهيأ الظروف العربية لذلك، فحماية الأمن القومى العربى باتت ضرورة ملحة.
*الاهرام