د.عادل الشجاع
حتى الأمل والرجاء مات في نفوس اليمنيين؛ ونتيجة لذلك مات العمل والاجتهاد، نحن شعب نؤمن أن الزمان لا يأتي بأحسن؛ لذلك فنحن نتوقّع عام 2015م أشد عنفاً من عام 2014م. العالم احتفى بدخول العام 2015م بالفرح والبهجة وأطلق لأمنياته العنان، وتبادلوا مع بعضهم البعض الود والمحبّة، ونحن نتبادل القتل والكراهية والعنف. العالم احتفى بميلاد المسيح ـ عليه السلام ـ بالمحبّة والسلام؛ ونحن احتفينا بميلاد محمد صلى الله عليه وسلم بالقتل وإراقة الدماء..!!.
العالم استقبل العام الجديد بالتوافق، ونحن استقبلناه بالبحث عن الانفصال والنبش في ملفّات الماضي.. العالم توافق على الحياة بوصفها عنواناً للسلوك ومنهجاً للعمل والبحث عن النجاح؛ ونحن توافقنا على الموت والسعي نحو الفشل.. العالم يتوحّد ويتكتّل ونحن نملأ قلوبنا بالحقد والبغضاء وتمزيق النسيج الاجتماعي.
إن وحدة الوطن ـ يا هؤلاء ـ تسقط أمامها كل مخطّطات الفتنة، وتتهاوى عندها أوهام الواهمين باستخدام كافة الكروت القذرة كالطائفية والمذهبية وكافة الجراثيم الأخرى التي مزّقت بلداناً كالعراق والسودان والصومال وسوريا.
كنت أتمنّى أن يدعو الحوثي علماءه، ويدعو حزب الإصلاح علماءه والسلفيون كذلك، ويجتمعوا جميعاً يبتهلون أمام الشعب اليمني إلى السماء أن تكون سنة 2015م بداية حقيقية لأحلام هذا الشعب المشروعة، وأن تكون نهاية لأوجاعنا المزمنة، ويدعوا كذلك إلى حرية المذاهب وجعل الاصطفاف الوطني يعلو فوق كافة المصالح الفردية والحزبية والفئوية والمناطقية، فالوطن للجميع والدين لله، ذلك أن السفينة إذا غرقت سيغرق معها الجميع. مطلوب من كل هؤلاء أن ينتظموا تحت رايات المواطنة والعدالة ويتقاسموا المسؤولية في تحمُّل الأعباء ويبتعدون عن الرغبة في الصراع على المناصب.
هل نحلم أن يخرج علينا عبدالملك الحوثي وعبدالمجيد الزنداني إلى سعة الدولة المدنية ويعبّروا عن اليمن الجديد ويتفقوا على معايير الحكم الرشيد ويحترموا حقوق الإنسان ويدعوا إلى رفض التطرُّف والإرهاب بكل صوره وأشكاله..؟!.
إن سبيلنا إلى الخروج مما نحن فيه ليس المتاجرة بالدين، كل يعتقد أنه «الفرقة الناجية من النار» وإنما السبيل الوحيد هو الإيمان بالديمقراطية السياسية والاجتماعية؛ فذلك هو سبيلنا جميعاً للخروج من دائرة الإقصاء، والإقصاء المضاد والتخلُّص من وهم امتلاك الحقيقة، بدلاً من الرهان على القتال والعنف.
دعونا نراهن على طاقة هذا الشعب الهائلة وقدراته الخلّاقة من أجل إعادة بناء وحدة الوطن حتى يتمكّن من مواجهة الرياح والعواصف التي تستهدف تمزيق الهوية اليمنية إلى هويّات حضرمية وجندية وعدنية وسبئية وتهامية وغيرها من الهويّات التي بواسطتها يُراد ابتزاز هذا الشعب.
لست بحاجة إلى القول إن الدين يفتح أبواباً؛ لكن الحوثي والإصلاح والسلفيين يمنعون الناس من الخروج منها، ليصبح المواطن اليمني محاصراً من كل الأطراف، فالطرف الذي يعتبره مؤمناً يحاصره الطرف الآخر، وكل طرف يريد فرض هويّة محدّدة خاصة به، كل طرف يعتبر نفسه الأصل، والأصل دائماً يقوم على العنف، التعايش بين الأصل والفرع يصبح شبه مستحيل؛ ويكون العنف والحرب هما الفيصل بين هذه الأطراف؛ إما أنا وإما أنت..!!.
هل يمكن أن يعترف هؤلاء بحق المواطن ويحقّقون له ما يتطلّع إليه ويتمنّاه، فهو يتمنّى أن تتحسّن أحواله الأمنية والمعيشية؛ فلقد عانى اليمن في السنوات الماضية أزمات أمنية وسياسية كبيرة أثقلت كاهله، ومن عام إلى آخر ينتقل المواطن اليمني وهو حامل وزر آمال يتمنّى أن تتحقّق خاصة بعد العنف الذي مرّ بالبلاد.
قُتل الآلاف وشرّد مثلهم.. يتمنّى المواطن اليمني أن يكون عام 2015م عام الوحدة الوطنية والسلام وخالياً من المفخّخات والأحزمة الناسفة والفساد؛ وألا يسمع صوت المولّدات الكهربائية وضجيجها الذي أتعب الآذان..!!.
أخيراً يمكن القول إن المواطن اليمني لا ينقصه الدين؛ ولا يحتاج إلى من يتكلّم بـ«اسم الله» يحتاج إلى من يوفر له الكهرباء والماء النقي والعيش الكريم والتعليم والصحة، يحتاج إلى ثقافة التعايش وليس إلى ثقافة تناقض الفكر والعقل وتمجيد العدوانية والقتل، وتعلُّم الكذب والانتفاخ بـ«اسم الله والرسول» يريد ثقافة مع الإنسان وليس ضدّه، ثقافة تدعو إلى التعايش والقبول بالآخر وليس الإلغاء والعنف وإبادة طاقة هذا الشعب، يريد ثقافة للحاضر والمستقبل وليس للماضي والإغراق فيه.
*الجمهورية نت