عبدالواسع الفاتكي
بعد انقلاب 21 سبتمبر 2014م في اليمن ، دخلت دول الخليج مرحلة جديدة ، أدركت فيها أن الخطر الرئيس لم يعد جماعات الإسلام السياسي ، بل هو خطر إقليمي ، ينطلق من مشروع طائفي ، يسعى للسيطرة عليها إن لم يكن استئصالها ، فجاءت عاصفة الحزم تلتها عاصفة الأمل ؛ للدلالة على انتقال دول الخليج لمربع الهجوم ؛ لصد النفوذ الإيراني ، وتأمين المد الشعبي اللازم ؛ لمواجهة مليشيات الملالي المتطرفة ، بالإضافة لتداعيات تقاسم النفوذ بين طهران وواشنطن وموسكو.
تدرك أمريكا وروسيا وإيران أن نجاح التحالف العربي بقيادة السعودية ، في إعادة الاستقرار لليمن ، وضرب المشروع الإيراني فيه ، يمكن أن يبنى عليه ؛ للاتجاه نحو معالجة ملفات حساسة ، وثيقة الصلة بها ، وقد يكن نواة لتأسيس تكتل عربي ، يقود العرب نحو مزيد من الترابط والتلاحم ، أمام الأخطار المحدقة بهم ، وهذا ما لا تقبل به الدول الكبرى ، وتراه مهددا لامتيازاتها في المنطقة العربية ، التي جنتها منذ عقود طويلة ، ولذلك جاء الاتفاق النووي الإيراني بين طهران ومجموعة (5+1) ، كتمهيد لتكوين تحالف إيراني روسي بقبول ورضا من واشنطن ، بل بتنسيق معها على غرار إنشاء التحالف العربي ، كضربة استباقية ، تقطع الطريق ، أمام أي تدخل عربي محتمل في سوريا أو في العراق أو في ليبيا ، له تداعياته الخطيرة ، على مصالح ونفوذ روسيا وأمريكا ، اللتين تتخوفان من أن يؤدي نجاح التحالف العربي في اليمن ، إلى تغيير موازين القوى في المنطقة ، والذي سيؤدي بالضرورة لتغييرات جذرية في ملفات هامة ، ستضر حتما بمصالحهما ، وستضعهما أمام خيارات صعبة ، ناهيك عن قلق واشنطن وموسكو ، من أن يسهم تشكيل التحالف العربي ووصوله لأهدافه ، في التمهيد لاستقلال القرار العربي ، وتحريره من التبعية للهيمنة الغربية.
بالتأكيد تبحث إيران عن طرق ، تؤدي لاستعادة دورها في اليمن ، بتحويل حلفائها في أي حوار متوقع ، من خصوم حرب في الداخل والخارج ، لشركاء افتراضيين في محاربة الإرهاب ، كما صنعت في العراق وسوريا ، حين أوعزت لنظام المالكي ونظام بشار الأسد ، بالانسحاب من بعض المدن والمحافظات ، وتسليمها لداعش ، وهذه الطريقة تستثمرها طهران ، وتلجأ إليها ، حين يتعرض حلفاؤها لخسائر فادحة ، تومئ بقرب سقوطهم ، فبعد تحرير عدن لوحظ ظهور جماعات مسلحة ، ليس لها علاقة بعملية التحرير ، وتدعي انتماءها لتنظيم الدولة الإسلامية ، تتلقى إسنادا من شخصيات مرتبطة بإيران ، أو موالية لنظام المخلوع صالح ، تسعى لفرض واقع مخالف لأهداف التحالف ، ووضع كوابح أمامه ، تمنعه من قطف ثمار عملياته العسكرية ، مما يحتم على التحالف ، تسليم إدارة كل محافظة محررة لأبنائها ، الذين ساهموا في تحريرها ، وأن يسندها بجهاز أمني وطني وكفء ، قادر على ضبط الحالة الأمنية ، والحيلولة دون استثمار إيران وحلفائها وأذنابها لورقة الإرهاب ، كما تستثمر في العراق وسوريا.
إذا كان التحالف العربي بتدخله في اليمن ، يسعى لتحقيق أهداف وأغراض تتجاوز مصلحة واستقرار اليمن ، وتمر عبر صراع داخلي ، تخطى مرحلة النشوء ؛ ليدخل مرحلة الإطالة ، فإنه يذكي استمرار القتال الداخلي ، بالاستفادة من الرهانات المتناقضة في اليمن لقوى عربية وإقليمية ، لاسيما بعد تدويل الشأن اليمني ، الأمر الذي يجعل الصراع بين هذه القوى ، هو صراع بين اليمنيين ، من مستلزماته مواصلة مليشيات الانقلاب للقتل الأعمى ، المغذى بأحقاد مناطقية ومذهبية ؛ لتعزيز تقسيم اليمنيين لفئات متناحرة منفلتة من عقالها ، تمارس القتل المفتوح ، تجعل السلاح غايتها ، وإبادة خصومها أسمى أمانيها.
كي تتمكن دول الخليج ، باعتبارها الدينامو المحرك للتحالف العربي ، من تحقيق الاستقرار في اليمن ، وتوطيد وحماية السلام في هذا البلد ، وإخراجه من دائرة الحروب ومربع العنف ، الذي اتسم بالحدة والتوسع ليشمل معظم أرجاء اليمن ، فإن أمامها مرحلة جد مهمة وخطيرة وبالغة الصعوبة ، تتمثل في عدم الاقتصار على تحقيق النصر العسكري على مليشيات الانقلاب ، وفرض سلام الأمر الواقع فحسب ، فإعادة تأهيل اليمن اقتصاديا ، لا يقل أهمية عن الحل العسكري ، وتحسين معيشة المواطن اليمني ، وامتصاص البطالة ، سيوفر تأييدا شعبيا كبيرا ومستمرا للدور الخليجي في اليمن ، وسيقلل من فرص استغلال معاناة اليمنيين المعيشية وتردي الخدمات ؛ لجني مكاسب سياسية ، ومن انخراط الشباب العاطل عن العمل ، في صفوف جماعات العنف والتطرف ومشاريع التدمير ، الذي لا يمكن الحد منه ، إلا بانتعاش اقتصادي ، يخلق فرص عمل توجه الطاقات نحو البناء والتنمية ، وبإحداث نقلة نوعية في البنية التحتية كالطاقة والصحة والتعليم ، مع التأكيد على سلوك خطاب إعلامي ، يردم الهوة التي عمل الانقلابيون على توسيعها في المجتمع اليمني ، ويطفئ نار التعبئة الخاطئة ضد إخواننا في الخليج ، ويرمم نفسية أنصار الإنقلاب ؛ لينخرطوا في بناء يمن الأمن والازدهار ، ولن يتأتى ذلك ، إلا بأن يرى اليمنيون أن عاصفتي الحزم والأمل ، أعقبهما نظام سياسي عصري ، بدماء وطنية ، أخذت على عاتقها بناء يمن ، ينعم بالرخاء والاستقرار.