حسين الوادعي
لا زلنا نكرر في دروسنا ومقالاتنا أن خراب سد مأرب كان السبب في انهيار الحضارة اليمنية القديمة. .
ومن يتخيل عظمة وقوة الحضارة اليمنية يشعر أن قمة السذاجة والتسطيح أن نعزو انهيارها بسبب خراب سد متوسط الحجم حتى بمعايير الزمن القديم.
انهيار سد مأرب كان مجرد رمز لتفكك الدولة المركزية وعدم قدرتها عل? حفظ الأمن أو الاقتصاد التجاري أو صيانة المنشات الضخمة في بلد كان مليئا بالسدود..
بعبارة أخرى انهيار السد نتيجة وليس سبب.
ورمزية انهيار سد مأرب قريبة جدا من رمزية انهيار "جدار برلين"...فانهيار الجدار عام 1989 كان رمزا لنتائج تحولات ضخمة أدت إلى انهيار المعسكر الاشتراكي.
ولا احد لديه سذاجة الظن أن انهيار الجدار كان سبب اختفاء المعسكر الاشتراكي ونهاية الحرب الباردة!
أريد أن اذكر هنا بأهم سببين لانهيار الحضارة اليمنية القديمة:
السبب الأول: تفكك وضعف الدولة المركزية وسيطرة الأقيال (الحكام القبليين المحليين) عل? مراكز نفوذهم الخاصة الخارجة عن أي سيطرة للحكومة المركزية (كانت اليمن آنذاك فيدرالية من حوالي 7 أقاليم خارجة عن السيطرة!)
السبب الثاني: تورط اليمن في الحروب الدينية بين دولتي فارس وبيزنطة، ثم في الصراع المسيحي اليهودي (مذبحة مسيحيي نجران) الأمر الذي استدع? الاحتلال الحبشي لليمن انتقاما من اضطهاد الملك اليهودي ذو نواس لمسيحيي اليمن..
هذا التورط وضع اليمن تحت هيمنة القو? الخارجية الكبرى، وكان هم "الأقيال" هو فتح الطريق لاحتلال أجنبي جديد للتخلص من الاحتلال القديم..
التخلص من الاحتلال بالاحتلال ومن الهيمنة بهيمنة أخري هو ما يدعى في التاريخ اليمني ب"العقدة اليزنية"، التي بدأت مع سيف بن ذي يزن ولا زالت مستمرة حتى الآن مع القو? السياسية المحلية المؤيدة لوصاية الدول السبع أو الوصاية البديلة لروسيا وإيران..
فالتخلص من الدخيل بالدخيل سلوك له جذوره العميقة في التاريخ اليمني
تخلصنا من هيمنة الأحباش بهيمنة الفرس ثم تخلصنا من هيمنة الفرس بهيمنة قريش بعد حروب الردة...
ثم استمرينا في الانتقال من وصاية إلي أخرى.
ويبدو أن الحرب الحالية هي نموذج آخر من التورط في الحروب الدينية (المذهبية) للقو? الإقليمية الكبرى...