د. حسن قايد الصبيحي استاذ الاعلام بجامعة الامارات
مع أنني أعلم بثلاث جرائم أقدم صالح على ارتكابها في حق بلاده وتندرج تحت بند الجرائم الاقتصادية التي يعاقب عليها القانون، إلا أنني سوف أقتصر هذه المرة على سرد واحدة منها أقدمها دليلاً على تعمده إهدار الفرص السانحة أمام شعبه للحصول على عوائد مادية والاستفادة من الاستثمارات المتاحة واقتناص الفرص النادرة كالتي نحن بصددها.
قصتنا التي سنعرض لها هنا لو أنها وجدت سبيلها للتنفيذ لكان اليمن الآن في وضع اقتصادي متميز وأدى تبعاً لذلك إلى تجنب الكثير من الصراعات الدائرة الآن والتي سيدفع الجميع فاتورتها وعلى رأسهم صالح نفسه وربما يكون له النصيب الكبير فيها.
فقد تجمعت عدة حقائق وأرقام لإحدى الشخصيات اليمنية النافذة التي أعرفها وكان مصدرها مجموعة من رجال الأعمال الذين قدموا إليه من مدينة هونغ كونغ قبيل إعلان استقلالها من بريطانيا وعودتها للصين. فقد اعترى أفراد هذه «الكارتل» الخوف من ضياع الفرص الاستثمارية في مدينة هونغ كونغ بسبب القوانين المتشددة في النظام الاقتصادي الصيني، ووجدوا أن جزيرة سوقطرا تشكل الموقع الجديد والمناسب لتأسيس مشروع استثماري عملاق يشتمل على إنشاء مراكز سياحية عالمية كبرى من مستوى مدينة ديزني لاند، ومشاريع صناعية عملاقة أخرى تقوم على الاستفادة من الخامات المتاحة في البيئة اليمنية المحيطة، واليمن فيه الكثير من المواد الأولية التي لم تصلها يد إنسان.
لم يبق إلا الوسيط للوصول إلى الرئيس، أما الوسيط المتحمس فقد قال لي إن سعادته فاقت الوصف وإن صورة جزيرة سوقطرا وهي تعج بالحركة السياحية والنشاط الاقتصادي كانت تداعب مخيلته إضافة إلى تنشيط ميناء عدن الحزين بعد أن فقد حيويته على يد مراهقي السياسة ومحترفي العبث بمقدرات الشعوب في الحقبة الماركسية التي جثمت على صدر عدن وأرض الجنوب قرابة سبعة وثلاثين عاماً.. ثم الحقبة الظلامية الثانية في عهد صالح لثلاثين عاماً حيث كان يرفض كل محاولة لتنمية موارد بلاده الطبيعية وطاقاته الإنتاجية وخططه التنموية والحرص على أن تظل اليمن فقيرة يستخدمها أداة للتسول في كل اتجاه.
كان صاحبنا الوسيط يحلم بميناء عدن وهو يستعيد ماضيه ويسترد عافيته ويلعب دوره القديم في التجارة الدولية حين كان يمثل كما يذكر التاريخ ثالث ميناء في العالم بعد نيويورك في أمريكا ويوركشاير في بريطانيا وظل ذلك الموقع الدور الحيوي حتى تم إغلاق قناة السويس بعد نكسة 1967 وبعد أن أمم الماركسيون في عدن كل شيء حتى قوارب الصيادين الخشبية. توقفت أهمية عدن التجارية وتلاها حشد الجنوبيين ليس بغرض العمل والإنتاج وإنما للرقص والغناء في شوارع عدن والمحافظات الست التي انتزعت الأسماء التاريخية لها وتحويلها إلى مجرد أرقام 1- عدن 2- لحج 3- أبين. و6- الغيظة ولم يتبق إلا تحويلها إلى لينينغراد وستالينغراد، وللحديث عن سنوات الرقص الجماعي لأكثر من ثلاثين ألف راقص في المرة الواحدة في شوارع عدن والهتاف الجماعي المزلزل (تخفيض الرواتب واجب!) في مشهد كوميدي نادر بدا فيه الناس على عكس طبيعتهم، يطالبون بتخفيض رواتبهم! ومن أجل ماذا؟ لا شيء سوى الاستجابة لأوامر عبد الفتاح ورفاقة الذين كانت بطونهم تعلو صدورهم في حين يزداد المواطن الجنوبي نحلاً ثم هزالاً ثم جوعاً يضرب كل الأسر والبيوت الجنوبية.
المهم التقى الوفد من هونغ كونغ بصالح وذكر لي صاحبي الوسيط أن اللقاء كان ودياً وكان صالح يستعجل الحديث وكان الهونغ كونغيون يودون إبرام الصفقة على الفور، لذا وضعوا أمامه ما يلي من الإغراءات:
-استئجار جزيرة سوقطرا لمدة أربعين عاماً لإنجاز مشاريع عملاقة.
- يضع المستثمرون في الخزانة اليمنية خمسين مليار دولار يتم الاتفاق على مواعيد إيداعها.
- يتم استقطاب الأيدي العاملة من بين اليمنيين عدا الفنيين.
- يتم تدريب اليمنيين وتطوير مهاراتهم في قطاعات الإنتاج المختلفة مثل الخدمات والصناعة وسواهما طوال سنوات العقد المبرم بين الطرفين.
- لليمن نسبة لا تقل عن 20% من أرباح المشروع الصافية طوال سريان العقد المبرم بين الطرفين.
أما ما حدث بعد ذلك فإنه يشي بحجم الجرم الذي ارتكبه صالح بحق اليمن واليمنيين. فقد خسرت اليمن خمسين مليار دولار حين جاء رد صالح أولاً بالانتظار لمدة أسبوعين. ثم جاء الرد بعد مرور أربعة أشهر بالرفض الكامل للمشروع واعتبار التوقيت غير مناسب.
وتشاء الصدف أن استمعت إلى محاضرة ألقاها الأستاذ مصطفى الفقي يوم الأربعاء الماضي في أولى أمسيات معرض الكتاب الحالي في الشارقة، تحدث فيها عن سنوات عمله كمستشار للرئيس السابق حسني مبارك ذكر فيها أنه ذهب إلى الرئيس وبيده مشروع كوري جنوبي يقضي بقبول مصر مساعدة كوريا بخمسمئة مليون دولار واستصلاح نصف مليون فدان برأسمال كوري وإنشاء معهد للتدريب يستقطب الآلاف من المصريين نظير الموافقة على إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين وهي علاقات غير قائمة مع دول المنطقة، وترى أن ذلك سوف يؤدي إلى أن تحذو هذه الدول حذو مصر.
يقول الفقي إن حسني مبارك رفض الفكرة لأن كوريا الشمالية قدمت لمصر أثناء حرب رمضان الصواريخ، وجاء رد الرئيس بالرفض وخسرت مصر تلك الفرصة برغم حاجتها لمثل هذه المشاريع، وبرغم أن الصين وروسيا تحتفظان بعلاقة مع كوريا الجنوبية، والدولتان حليفتان لكوريا الشمالية.