سام عبدالله الغُـباري
يعيش اليمنيون وهماً كبيراً يسمى باللغة الدارجة "مقلب"، كل الذين يدعونهم للموت غرقاً، أو تحت الأنقاض، الباحثون عن صمود هذا الشعب البائس الفقير بإستدعاء ابناء البسطاء والكادحين للموت من أجل الفراغ والدفاع عن مصالح الرئيس السابق، ولجنة الحوثيين الثورية، كل ما سيأتي من الغضب والأنين يدفعنا إلى ابتكار أسئلة غير محرمة كصواريخ سكود الثقيلة التي تنفجر فوق رؤوس المساكين في عمران أو بني حشيش قبل أن تصل إلى وجهتها المجنونة.
اليمنيون لا يقاتلون، ينتحرون فقط، الجيش الذي بناه الفاسدون خلال 50 عاماً من حكم الجمهورية خيب أملنا في نهايته، ولم يجد غضاضة في تحالفه مع قوى الشر والإرهاب الحوثية.
أبناء وأحفاد أمراء الحرب في الخارج، والضحايا فقط الذين يتحملون جور المقامرات الحوثية في الداخل، يصابون بكل أنواع الذعر حين يحتفل الحمقى بإطلاق صاروخ أو محاصرة تعز بالظمأ والجوع، حتى علي البخيتي الذي يمثل الحلقة الأضعف في المنظومة العامة للتطرف أدرك اللعبة ونجا بجلده وأولاده من صراع الموت العابث في اليمن، يلتقط الصور في "روشة" بيروت، حيث البحر والهواء والزوارق الجميلة، ونساء لبنان الفائقات، وقد أسهم في تكوين اسطورة الحوثيين وهو يشاهدها تقتل دماج وعمران وصنعاء، إلى عدن، غير أن الهاشمية السياسية لم تمهله وقضت على أحلامه الوردية مبكراً، ودفعته لإعتزال الحوثيين ومهاجمتهم.
يتذكر اللبنانيون الحرب الأهلية كأقسى ما يمكنهم استحضاره من بؤس وقتال ودمار، وقعت فيها كل الأطراف السياسية نظراً لعدم استيعابهم لأهمية شأن الدولة ورفعتها، وهي حرب دموية وصراع معقد دام لاكثر من 15 عاما و7 أشهر في لبنان (13 أبريل 1975 - 13 أكتوبر 1990) شاركت فيها كل الطوائف والإثنيات بالإضافة إلى العنصر الفلسطيني والسوري والإسرائيلي. اعتبرت أنها حرب الآخرين على أرض لبنان. تعود جذورها للصراعات والتنازلات السياسية في فترة الانتداب الفرنسي على لبنان وسوريا، وعادت لتثور بسبب التغير السكاني (الديمغرافي) في لبنان والنزاع الديني الإسلامي - المسيحي، وكذلك التقارب مع سوريا وإسرائيل. وقد حصل توقف قصير للمعارك عام 1976 لانعقاد القمة العربية ثم عاد الصراع الأهلي ليستكمل، ويرتكز القتال في جنوب لبنان بشكل أساسي، والذي سيطرت عليه بداية منظمة التحرير الفلسطينية ثم قامت إسرائيل باحتلاله. وانتهت الأحداث بانتشار الجيش السوري بموافقة لبنانية عربية ودولية وذلك بحسب اتفاق الطائف وقد أودى كل ذلك العبث إلى مقتل ما يزيد عن 150 ألف شخص،وتشريد 40 ألف مهجر و17 ألف مفقود ومخفي قسراً.
يتذكر اللبنانيون تلك الحرب فقط كذكرى مشؤومة، لكنهم حريصون على ألا تعود، بينما اليمنيون الذين لا يأخذون عِـبرة من كل مايحدث، يكررون أدق تفاصيل الحروب بالوكالة داخل أراضيهم ثم يهربون إلى دول الحرب، للعيش في أمان متخلين عن مكرهم ومناوراتهم وألاعيبهم البغيضة التي سببت دمار بلدانهم، وتخلفها.
هرب علي البخيتي لأنه لم يكن شجاعاً إلى النهاية، كل الذين صدقوه ماتوا في حروب التمدد الحوثي البغيض، هل يمكن أن يشاهد آباء المقاتلين الإرهابيين الذين يستبسلون في إرسال أنجالهم إلى الصراع تحت رحمة طائرات الأباتشي الحارقة. أين هم أولاد عارف الزوكا وعلي عبدالله صالح ويحيى دويد وياسر العواضي، ومحمد عبدالسلام وصلاح العزي ونايف القانص ومحمد المقالح، في الإمارات أو عُـمان، وربما في لبنان حيث تحلو حرية القول والفعل والعمل!.
عزيزي اليمني: أنت وحدك أيها الظالم لنفسك ضحية صراع متأصل للسياسة فقط، لا سيادة،لا قانون، لا شرع ولا أعراف تجيز لك ما تفعله في هذا المأزق الذي ادخلت عائلتك ونواحك إليه، ألق السلاح، تبرأ من كل المحاربين، أرفض كل أوامرهم، وعُـد إلى منزلك وأهلك، لن تموت جوعاً، وليس عليك أن تموت برصاص الماضي ليموت أولادك قهراً، يتسولون العطايا على ابواب من قاتلت لأجلهم.. فلا يجدون خبزاً ولا مستقبلاً، ويكفي المرء إثماً أن يضيع من يعول!
ما أريدك أن تفهمه أن الحوثيين لم يقتلوا ابنائك فقط، لكنهم جردوك من اقتصادك وراتبك وحياتك، أعادوا إليك الحطب وبيوت الطين ومنازل الخوف والفرع، استنزفوا التنمية وحاصروا التعليم والتنوير، تحول كل شيء في اليمن إلى ثكنة حربية تختبئ بداخلها الأسلحة والعتاد الحربي لاستمرار القتال وإدارة صراع الفزع المخيف.
أخي اليمني.. مرة أخرى أقول لك، العزة والشموخ وكل تلك العبارات التي يلقيها عليك الأفاكون مجرد شعارات فقط كي تقاتل على سطوتهم وأموالهم، سيتصالح المحاربون على جثتك، وسيأتي اولادك ذات يوم إلى شاهد قبرك ليس لقراءة الفاتحة على روحك، ولكنهم سيتبولون فوق الضريح، فقد عرفوا وتيقنوا أنك قاتلت من أجل سلامة أولاد الذوات، ولم تكترث لحياتهم هم، مستقبلهم، لحاجتهم إلى أب، وبأنك شربت "مقلباً" كبيراً في الدنيا والآخرة، وبئس ما تشربون!
*ميدل ايست اونلاين