عمار الحماطي
لست أملك إلا قلم رصاص وورقة بيضاء ، مع تحفظي على كلمة رصاص لأنني أريده قلم حياة ، فالحياة عزيزة الآن كثيرون يأبون إلا أن يقطفوها كزهرة استعجلوا وأدها ، خاصة تلك الورود الصغيرة لأنها جميلة تخطفها الأيدي ولاتتركها تعيش ..
أشعر بالوجع وأنا أرى أطفال باتوا زهرات تنزع عنها أوراقها وألوانها ورحيقها ،
في تعز كل شيء يحدث فجأة طيلة الوقت ، تركض تبحث عن شيء مفقود ، دوماً تشعر أنك ملاحق وأن العيون تترصدك ، هناك في الحالمة التي كانت مزيج الحياة للجميع باتت الآن مقبرة للجميع الكل فيها محاصر حتى الموت ، مرضاهم يرقدون في مستشفيات بلا دواء بإنتظار الأجل ، منازل بلا كهرباء ، لاطعام ، لاغذاء ، لاماء ، ليس هذا فحسب بل يرافق ذلك آلة قتل تعمل ليل نهار في حصد أرواح من لم يقتله الحصار ..
تعز تموت ببطء ، الأوضاع تشير إلى كارثة إنسانية بدأت تتحقق .
تعز وجع القلب ، وقلب الوجع ، ما اكتفت وارتوت من الألم والحزن بل أصبحت تعز والعذاب توأمان .
حصار غاشم يقابله صمود اسطوري والتفاف شعبي رهيب حول المقاومة ،
الرصاص مصوب على أبواب البيوت ، وعلى أبواب القلوب ، يقابله فولاذ مقاومة رجالها انتصبوا قامات من عزيمة موفورة الكرامة وفي قسمهم : الفجر لن يتأخر ، والعتمة لن تنتصر هي تنتحر في أرضنا وستموت زوالا ..
يتكالب الغزاة والخونة من الجهات الأربع ليصادروا أية بارقة أمل كانت في اتجاه المدينة المحاصرة ، حاقدون ، طغاة ، جلادون ، اغتالوا الإنسانية ، قطعوا شرايين الحياة ، رهنوا أنفسهم لموت أعمى ، حين لم يستطيعوا إخضاع تعز بالرصاصة والمدفع يحاولون قتلها بشربة الماء ورغيف العيش ، لم يعد لأبناء تعز سوى الحلم هذا إن بقي هناك قدرة لهم حتى على أن يسرقوا بضع لحظات من جحيمهم وتعبهم ليناموا ، ممنوع عليهم الأمل وليس مسموحا لهم أية محاولة لصناعته والتشبث به ، ممنوعون من الحياة ومن كل شيء له علاقة بحياة البشر ، فقط عليهم أن يعيشوا العذاب وكأن العذاب صنع خصيصاً لهم ..
وهنا أتساءل لماذا الجميع أصبح يهوى صناعة عذاباتنا وآلامنا وأوجاعنا في تعز ؟ ترى هل يعلم العالم وهادي والتحالف والمنظمات الحقوقية والإنسانية مايحدث في تعز ؟؟
أعياني الحديث تعبنا من صراخنا وعويلنا ، حتى أننا غدونا نتعامى عن ألمنا اليومي ، كلكم ذبحتم تعز ، كلكم نلتم من قلبها وأغلقتم أبوابكم وآذانكم في وجهها ، ورأيتم أنها نقطة السواد في حياتكم الجميلة ، وأنها باتت عبئا على رفاهيتكم ، كلكم ساهمتم في كسر خاطرها ، ولكنها الان تذكركم أنها أكبر من أن تذكركم بخطاياكم نحوها ..
لا مساحات للحياة ، لا مكان للرجوع ، تعز كلها تودع بعضها البعض كل ليلة ، من لم يمت بقذيفة هاون أو رصاصة قناص فالموت في طريقه إليه عن طريق الحصار
راهنوا على ذبحهم فجاؤوا إليهم غدراً يذبحونهم على حين غفلة متجاهلين قوة شكيمتهم التي ما كلت منها سواعد أبطال المقاومة عن امتشاق أسلحتهم دفاعاً عن الحالمة ، ولا فترت منهم عاطفة رفعوها عشقاً سرمدياً للوطن..
ياقوم .. تعز قد تصبر ، قد تتألم ، قد تتوجع لكنها لن تركع ، صدقوني كما أنها لم تنكسر بالماضي لن تخضع بالحاضر والمستقبل ، تعز المحاصرة ، المتعبة ، الصابرة ، بركان مشتعل غضباً ، ومقاومة لا تعرف الإنحناء ، فهي لم تعرف الهزائم حتماً ستنتصر ، وكل الغزاة والخونة والمحاربين لها سينهزموا وينكسروا على أبواب قلاعها ..
تعز وحدها تعيش الحكاية رغم الحصار والقتل وتبقى نابضة في قلب من رحلوا ومن ظلوا على قيد الحياة ..