عبدالواسع الفاتكي
وقفت دول الخليج ، وبالذات السعودية ، مع الثورة السورية ، ضد نظام بشار الأسد ، لكنها لم تسلك السبل ، الكفيلة بانتصار الثورة ، بعيدا عن مراعاة حسابات الأمريكان ، أوالروس ، أوالاتحاد الأوروبي ، وحرصت على أن تتماهى ، مع الموقف الأمريكي ، الاستهلاكي المعلن المندد بمجازر مليشيات بشار الأسد، والمؤيد لتطلعات الشعب السوري ، مضيفة له، تقديم الدعم السياسي والعسكري لقوى الثورة السورية ، بما لا يغضب واشنطن ، من خلال حرمان فصائل الثورة المقاتلة ، من الأسلحة المتطورة ، والتي لو امتلكتها ، عجلت بانهيار نظام بشار الأسد ، وقللت من جرائم العصابات الأسدية ، مما هيأ بيئة الحرب لفترة طويلة ، دون أن تصل الثورة السورية لمبتغاها ، ناهيك عن تقسيم دعم فصائل الثورة، على عدة دول ؛ ليتشتت الجهد المقاوم السياسي، والعسكري ؛ وليمنح نظام بشار ، فرصا تبقيه على قيد الحياة ، وحين أوشك أن يترنح ، جاءت داعش، كحصان طروادة ، استخدمه الروس ؛ ليدفعوا بقواتهم العسكرية في سورية ؛ للدفاع عن نظام بشار، وحماية مصالح روسيا، وأمريكا، وإسرائيل، والهلال الشيعي، الممتد من إيران حتى الساحل السوري ، مما ينذر، بأن سورية مقبلة، على تفاعلات خطيرة، ستكن على حساب الشعب السوري ، والأمن القومي العربي.
تدرك واشنطن جيدا، أن النفوذ الإيراني في سورية، مرهون ببقاء نظام بشار الأسد ، ويشكل خطرا كبيرا على الخليج العربي، وتعلم أن دوله ، لاسيما السعودية، متمسكة بضرورة رحيل بشار، بحل سياسي ، أو عسكري ، وهذا يناقض تماما الموقف الأمريكي، إذا ما أغفلنا تصريحات أوباما، وبعض مسؤولي البيت الأبيض ، المخدرة لدول الخليج ، الذي أفصح عنه، وزير الخارجية الأمريكية جون كيري ، في اجتماع الدوحة الأخير ، الذي جمعه بوزير الخارجية الروسية ، سيرغي لافروف، ووزير الخارجية السعودية عادل الجبير ، بتأييده اقتراح ، يقضي بنقل السلطة من بشار الأسد، بسلاسة وبغطاء أمريكي روسي ؛ أي أن يبقى بشار لفترة انتقالية ، يتم خلالها تعديل الدستور، والإعداد لانتخابات رئاسية، وبرلمانية ، لكنه وجد تصلبا في الموقف السعودي، حيال إسناد أي دور لبشار في الفترة الانتقالية، ما جعل واشنطن ، توعز لموسكو، بالتدخل العسكري في سورية ، خصوصا بعد أن قامت السعودية ، بعد التقارب الأمريكي الإيراني، والتوقيع مع إيران على اتفاق( 5+1) بشأن برنامجها النووي ، إيصال رسالة للأمريكان ، بأن بمقدورها إيجاد أصدقاء آخرين ، يمكنها الاعتماد عليهم، فتمت دعوة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند؛ لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي ، في مايو من هذا العام ، وتوقيع اتفاقيات عسكرية مع فرنسا ، واتجهت الرياض ، لتعميق علاقاتها في شتى المجالات مع موسكو ، التي زارها وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان، ووقع معها، على عدد من الصفقات العسكرية ، ومن هنا رأى الأمريكان ، أن السماح لدخول الروس العسكري في سورية ، يكسبهم مكاسب عدة ، أبرزها قطع الطريق، أمام أي تقارب روسي سعودي، من نافذة التباين السياسي بينهما في الملف السوري ، بإحالة واشنطن النقاش السعودي ، حول مصير بشار لروسيا ، مما سيجعل السعودية ، أمام خيارين : إما أن تتراجع عن موقفها ، وتقبل ببقاء بشار في فترة انتقالية ، باعتباره شريكا في محاربة داعش، وهذا سيؤثر على وضع السعودية ، إقليميا ، ويظهرها ، بمظهر العجز، والضعف ، وإما أن تصمم الرياض ، على تنحية بشار ، وهذا سيؤدي لاصطدامها المباشر مع روسيا .
لابد من الإشارة إلى أن دول الخليج ، واهمة ، إذا اعتقدت ، أن بإمكانها في الوقت الحالي ، تغيير الموقف الروسي ، المساند للدور الإيراني في المنطقة ، بعقدها صفقات تجارية ، أو عسكرية مع روسيا ، التي في ظل التقارب الأمريكي الإيراني، تجد نفسها غير مستعدة للتخلي عن طهران، وحليفها بشار الأسد؛ لتحتفط بعلاقات مع إيران، مكافئة للعلاقات الأمريكية الإيرانية ، وعلى دول الخليج ، أن تعي أن القوات الروسية ، ما كان لها ، أن تجد لها ، موطئ قدم في سورية ، التي لا يفصلها عن إسرائيل ، سوى هضبة الجولان ، وعن أوروبا سوى البحر الأبيض المتوسط، وعن آبار نفط الخليج ، العمود الفقري للصناعات الغربية ، سوى مئات الكيلو مترات، لولا تنسيق ، وتفاهم أمريكي روسي ، يهدف ؛ لتحقيق مصالح مشتركة ، أدناها حماية نظام بشار الأسد ، وبالتالي دوره الوظيفي ، في حماية إسرائيل ، ويبقى السؤال ، الذي ننتظر إجابته ، هل تستطيع دول المنطقة ، ولاسيما السعودية ، امتصاص التدخل الروسي ، وتحويله إلى ورقة ضغط على روسيا ، وأمريكا ، والأسد ؟ هذا ممكن ، ويتطلب العمل في أكثر من اتجاه ، بأن تقود السعودية حراكا دبلوماسيا، يحتوي المحور الموجود ضمن الجامعة العربية ، الداعي للتفاهم مع بشار ، والذي يمثله مصر ، والجزائر ، والحد من تأثيره ، على قرار تشكيل موقف عربي ، يجعل من التدخل الروسي ، أداة ضغط على نظام الأسد ، ومن يقف خلفه ، لا أن يظل هذا التدخل ، ورقة ضغط على الموقف العربي ، الداعي لرحيله ، ومن الأهمية على الصعيد العسكري ، أن تزود دول الخليج ، بالتعاون مع تركيا، فصائل الثورة السورية ، بالأسلحة المتطورة كالصورايخ ، ومضادات الطائرات ، والدروع ، وتدفع بتجنيد مزيد من المقاتلين ؛ لتكبيد الروس خسائر فادحة بشرية ، ومادية، تجبر الشعب الروسي ، على مطالبة حكومته ، بالانسحاب من سورية ، وأما استخدام ورقة الضحايا المدنيين ، جراء العمليات الروسية العسكرية ، في المحافل الدولية ؛ لإثارة الرأي العام ، لثني موسكو عن موقفها ، لن تجدي نفعا ، إذ ستتم مقايضتها، بورقة الضحايا المدنيين ، الذين يسقطون في اليمن ، جراء بعض الضربات الجوية للتحالف العربي ، التي تخطئ أهدافها.
إن الغرب أراد ، ويريد، فوضى خلاقة ، تفتت الجغرافية ، التي فرضها علينا ، وعندما جاء الربيع العربي ، رأه الغرب خطرا داهما ، سيمكن العرب، من استعادة الجغرافية التي توحدهم، فمد يده لإيران ؛ لنحر العرب من الداخل، فبات من الضروري ، أن تلتحم الأنظمة العربية ، داخليا بقوى الربيع العربي ، التي ناصبتها العداء ، وحرصت على وأدها ، و خارجيا بتركيا ، في ثورتيها : التحديث ، والتأصيل ؛ من أجل إعادة ترتيب أوضاع المنطقة ؛ بما يؤدي لبناء أمن قومي عربي إسلامي ، يكن فيه للعالم العربي، والإسلامي القول الفصل ، بعيدا عن السياسات الأمريكية ، ورؤيتها لملفات المنطقة ، وبما يضمن تحجيم الدور الإيراني ، الذي أضحى مهددا للوجود العربي ، في أكثر من بلد عربي .