محمد البذيجي
حالة متبلدة تسكن تعز الآن ، تخطرني الحالة المدنية التي كونتها تعز كثقافة وانتماء .. في هذا البلد الكثير مما يجعلك تجيد ربط زوايا الأحداث ببعضها لمعرفة عضال تعز وما يلم بها من نوائب تقف هذه المدينة بشموخ في مواجهتها .. تعز تقاوم المشروع الذي لم تهضمه لغرابته وتعالج فداحة الخطأ أو الأخطاء التي يقع فيها بعض أبنائها.
بتاتا لم تتشكل تعز وفق أدوات سياسية أو نهج سياسي معين يخالف إرادتها ، تعز تكونت وفق هوية واحدة وهي صناعة الفكرة والوعي الوطني بما يتناسب مع إمكانيات بشرية وفكرية وثقافية مدنية ترتسم وتتشكل فيها وتؤدي في المجمل دورها الوطني الفاعل في مسيرة الحياة اليمنية ..ان تتحول تعز إلى ساحة صراع للجماعات والأشخاص والمشاريع السوداوية فهنا الكارثة التي يجب بكل جهد الوقوف ضد هذه الساحة وأدواتها مهما كانت تبريرات أصحاب هذه المشاريع إذ ان الحالة التعزية حالة خاصة جداً ولا تقبل إلا صراع الأفكار والمشاريع النبيلة التي تؤدي أخيراً هدفها وفق تواءم غير منفصل مع روح وثقافة ومدنية تعز الأرض والإنسان.
لقد عانت هذه المدينة كثيراً ، كانت تعز تحنو على الجميع فتعاقب لأنها بهذا النبل تكشف عري الحاكم من كل أخلاقيات العمل السياسي والوطني ، النظام الذي لم يقد البلد إلا إلى نتائج كارثية كهذه التي نعيشها أو التي سنعمل جميعاً لمنعها حتى لا نكون بصدد عيشها غداً لا سمح الله ، هو ذاته النظام الذي يعبث بتعز اليوم وسط جهود كبيرة من قبل أدواته لإفراغ تعز من محتواها الوطني المدني.
نتفق جميعاً ان بناء الدولة اليمنية لن يتأتى إلا بمشاريع وطنية غير مدجنة بالصراع أو النوايا السيئة المملوءة بإرادات البقاء في وضع يخدم الجهات النافذة والعابثة بأمن الوطن واستقراره، أي ما يمكن تسميته بقاء دولة القبيلة والوجاهات السلطوية التي تعرف جيداً ان أي مشروع دولة سيؤدي في تمدده إلى إنهاء حالة الوفرة التي تعيشه هذه الأطراف وأدواتها.
فالمشروع الوطني الذي يهدف إلى بناء الدولة اليمنية ، دولة المواطنة المتساوية ، لن يأتي إلا من بيئة خلاقة ومناسبة لبناء المشروع الوطني ، وأنا هنا لن أقول ان تعز هي التي تتصدر السبق لتبني أحلام اليمنيين وفق إرادتها لكن لندع الأمر لهذا الشعب هو الذي يعرف جيداً مدى انتماء تعز إلى القضية الوطنية وإمكانياتها الكبيرة التي طوعتها لكل دعوة وطنية صادقة تنادي ببناء اليمن وفق دولة مؤسسات لا دولة عوائل وسيد أحمق ودكاكين سياسية قادتنا إلى هذا المصير المؤلم.
من يعتقدون ان مدنية تعز وتاريخها المرصع بالنضال تشكل خطراً عليهم وعلى بقاء حالة اللادولة التي يستمثرونها ويعتمدون عليها في وجودهم كأسياد أو مشائخ ، هم من يعاقبونها اليوم ، هم بالتحديد من يضخون إليها ثقافة السلاح والنهب والتمرد وتشكيل المليشيات ، هم من يريدون ان يتحول أبناء تعز إلى حالة يسهل السيطرة عليها في كل مان حتى لا تبقى رغبة وجود الدولة عامرة بالبقاء.
إنها لحظة أبناء تعز، قضيتهم الأساسية أتت، لن تبنى دولة طالما أن الإطار المكوّن لها مفتت، نحن نطعن تعز في خاصرتها حين نرضخ للثقافات المستوردة البليدة ولا ندافع عن تعز وهويتها التاريخية التي لولاها ما كانت تعز بهذا السمو في داخلنا .. لتبقى حياتنا مليئة بتعز الوجه الحقيقي لليمن السعيد إن اردناه سعيداً ، لنرسخ ثقافتنا وفق إرادتها لنوحد صفنا بعيداً عن الانتماءات السياسية حتى لا نتحول إلى أدوات تنفذ أهواء وأمزجة الآخر التي يلفظها الوطن من أقصاه إلى أقصاه وليس تعز وحدها.