الأرشيف

في الذكرى الأولى لتسليم صنعاء

الأرشيف
الثلاثاء ، ٢٢ سبتمبر ٢٠١٥ الساعة ٠٨:٤٤ مساءً

خليل العُمري


الحادي والعشرون من سبتمبر العام الماضي ، مثل نكبة تاريخية لليمنيين بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، حينما سلمت اعتى العواصم العربية نفسها وفتحت قوات الجيش اليمني أبوابها للمليشيا القادمة من غبار التاريخ في جائحة كان الرئيس اليمني السابق أرضيتها  الصلبة.

منذ ذلك اليوم واليمن تعيش أياماً عصيبة ، تمزقت الهوية المجتمعية وتم نسف المرجعية الحاكمة لإدارة الدولة واستنزف الإحتياطي الإقتصادي المتدهور اصلا ، زاد من ذلك تدخل دول التحالف العربي والتي رأت في جماعة الحوثيين تهديداً للمنطقة برمتها .

لا أحد من الكتاب اليمنيين والمراقبين العرب بإمكانه أن يستوعب تلك اللحظات الفارقة في التاريخ اليمني والمنطقة العربية بأكملها ، وهم يرون زعيم جماعة المتمردين الحوثيين في شمال اليمن يلتهم البلاد بدعم اقليمي ودولي ، وتعلن طهران أن العاصمة الرابعة عربياً أضحت تحت سيطرتها .

معركة قصيرة في الـ20 من سبتمر ، على الجهة الشمالية للعاصمة بين وحدات عسكرية موالية للرئيس هادي بقيادة اللواء علي محسن الأحمر، وبين الحوثيين ووحدات عسكرية موالية لصالح انتهت بإنسحاب الأحمر وقواته من الفرقة الأولى مدرع بعد رضوخ هادي الذي قد كان طلب من الأحمر الدفاع عن صنعاء .

كانت مجموعات المسلحين الحوثيين وقوات صالح المرتدية للزي التقليدي تسيطر على مقرات الدولة بكل سهولة ، وصل المسلحون إلى كرسي القائد الأعلى للجيش اليمني ووزارة الدفاع والبنك المركزي والداخلية والنفط ونصبوا نقاط تفتيش في الشوارع الإستراتيجية .

كان مشهد مخزي واليمنيون يشاهدون الألوية العسكرية الضاربة المحيطة بصنعاء تفتح أبوابها أمام المليشيا ، قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والوية الحرس الرئاسية كلها تنحني لعربات المسلحين  بأوامر عليا يقال ان وزير الدفاع السابق محمد ناصر احمد كان وراءها.

فيما يرى آخرون ان الرئيس هادي كان يسعى لإرضاء قادة الحوثيين حتى ولو صار ظل السلطة الحاكمة الجديدة ، بالعودة قليلاً الى الوراء نجد الرئيس هادي قد رفض دعم اللواء حميد القشيبي في يوليو من العام الماضي لمواجهة الحوثيين في عمران .

 كانت خطوة مؤازرة قوات الجيش في عمران ، كفيلة بإيقاف الجائحة على بعد أكثر من 60 كم شمال صنعاء ، لكن الرجل الذي سيحاصره الحوثيون في مقر اقامته فيما بعد لجأ الى اسلوب المهادنة مع اجتياح المتمردين لعمران وقتل قائد الجيش هناك بأكثر من 100 رصاصة .

تحت قعقعة البنادق اجبرت المكونات السياسية ومن بينها الرئاسة على توقيع اتفاق السلم والشراكة الذي صاغه المبعوث الأممي جمال بنعمر ، وما يزال اليمنيون يتذكرون مدير مكتب زعيم الحوثيين اثناء التوقيع بدار الرئاسة وهو يرفع اصبعه أثناء التوقيع ، في مشهد تحول فيه الرجل الأول في البلاد الى سكرتير لزعيم الجماعة القادمة من غبار الكهوف  ومثل مبعوث الأمم المتحدة شاهد زور عظيم .

نسف الحاكمون الجدد العقد الإجتماعي لإدارة الدولة والإتفاق الذي خرج به اليمنيون من مؤتمر الحوار الوطني والذي استمر لمدة عام  ، وشارك فيه الحوثيون وحزب صالح في موفمبيك برعاية أممية ، اعتقل أمين عام الحوار الدكتور احمد بن مبارك من قبل الحوثيين وزجوا به في السجن بتهمة تمرير مشاريع غربية .

بدأت مؤسسات الدولة من رئاسة الوزراء الى المكاتب الحكومية الأدنى تحت قبضة القادمين من صعدة ، وتبقت رئاسة الجمهورية التي عينت احد قياديهم البارزة ويدعى صالح الصماد مستشاراً فيها بقرار جمهوري ، أراوده مستشاراً بدرجة رئيس جمهورية ، وهو ما حدث أثناء تمرير قرارات وتعيينات كبيرة في الجيش والأمن والمحافظات وتجنيد الآلاف من المليشيا .

لم يلبث الرئيس هادي طويلاً في السلطة اذ تم محاصرته في منزله بعد احتدام الخلافات مع مليشيا الحوثيين واندلاع معركة قصيرة مع الحرس الرئاسي الموالي له انتهت بالوصول الى منزله ، الأمر الذي دفعه ورئيس حكومة الكفاءات الوطنية رئيس الوزارء الحالي خالد بحاح لتقديم استقالتهما في يناير من العام 2015م .

بعد أيام أعلن الحوثيون ما سمي بإلإعلان الدستوري الذي قضى بحل البرلمان الذي سبق أن قدم منصور هادي إستقالته إليه، وتشكيل مجلس وطني انتقالي، مكون من 551 عضوا، يتولى اختيار مجلس رئاسي من 5 أعضاء، وتعيين حكومة من الكفاءات، وقد صدر الإعلان من قبل ما سميت بـ "اللجنة الثورية"، التي يرأسها محمد علي الحوثي والذي اضحى رئيسا للبلاد منذ ذلك التاريخ .

بعد هذه الإجراءات أضحت الدولة اليمنية برمتها والجيش اليمني بألويته ومعداته تحت إمرة زعيم جماعة الحوثي عبدالملك الحوثي ، يتقاسمه في القرار الرئيس السابق علي صالح الذي عاد للواجهة منتشياً بعودة السلطة التي فقدها اثر الإنتفاضة الشعبية التي شهدتها اليمن في العام 2011م .

استطاع الرئيس هادي في فبراير كسر الحصار والهروب من منزله في روايات ما تزال متضارية ، وصل عدن وأعلن استئناف عمله كرئيس للجمهورية ، أعلنت جماعة الحوثي التعبئة العامة لملاحقة من أطلقت عليه الرئيس الهارب وتنظيم القاعدة وهو شعار لطالما استخدمته لدغدغة مشار القوى الدولية تجاه سياستها الجديدة باليمن.

توجهت الألوية العسكرية وقوات الحوثيين نحو عدن ، وخلال معركة قصيرة لعبت فيها شراء الولاءات دوراً كبيراً استطاعت الوصول الى مقر الرئيس  في لمعاشيق ، والقبض على وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي الذي عاد للقتال الى صف هادي وقادة عسكريين مواليين له .

اتجه الحوثيون نحو المحافظات المجاورة لصنعاء جنوباً والبحر الأحمر غربا  والمحافظات الشرقية، ووصلوا محافظة إب وتعز ، كانت تلك المحافظات تفتح أبوابها لوفود المليشيا ما عدا مقاومات بسيطة لوحدات عسكرية ورجال قبليون ما تلبث المعركة معهم أن تنتهي مع تعزيزات عسكرية للإنقلابيين .

في الجانب الإقتصادي تحول الحوثيون وقوات صالح الى غول كبير التهم إيرادات الحكومة التي تعرضت لإستقطاعات كبيرة تحت ما يسمى بالمجهود الحربي ، ووصلت اسعار البنزين الى 30 الف ريال فيما كانوا يرفعون شعارات لإسقاط الجرعة التي تقدر ب1000ريال يمني .

اشتعلت السوق السوداء ، وظهر تجار أزمات من قادة ما تسمى باللجان الثورية وهي المسؤولة عن ادارة المؤسسات حسب تكليف الجماعة ، أدت لدخول البلاد في أزمات متلاحقة وارتفاعات كبيرة في اسعار المواد الغذائية وصلت الى 200 بالمئة ، زادت من معاناة اليمنيين وفاقمت من أوجاعهم .

في مارس من العام الجاري اعلنت السعودية قيادة تحالفاً عربيا في اليمن بعد وصول الرئيس هادي اليها هربا من ملاحقة الحوثي وصالح ، بدأت المقاتلات الجوية بتدمير القدرات الصاروخية ودك المعسكرات التي اضحت تحت سيطرتهم في مشهد مستمرحتى هذه اللحظة .

 

تأتي الذكرى الأولى للجائحة مع تقدم لقوات المقاومة الشعبية والجيش الوطني بمساندة قوات التحالف العربي ، حيث سيطرت تلك القوات على المحافظات الجنوبية واستطاعت تحرير اجزاء كبيرة من تعز وإب ، فيما تدور معارك على بعد 60 كم من صنعاء بإتجاه مأرب استعداداً لخوض معركة صنعاء .

عاد رئيس الوزراء خالد بحاح  الى عدن بعد أشهر من الإقامة بالعاصمة السعودية ، فيما أعلن رئيس ما سمي باللجنة الثورية ذكرى سيطرتهم على صنعاء اجازة رسمية يصفونها بذكرى انتصار  بثورة الحادي والعشرين من سبتمبر .

 نحن اليمنيون نرى أنها الذكرى الأولى للنكبة ، حيث أضحى معظمنا بلا وقود ولا غذاء ولا خدمات اساسية وتعطلت المنظومة التعليمية ولم ترتفع سوى معدلات الفقر والجوع والقتل والنزوح خارج البلاد المثقلة بالصراع والبؤس .

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)