أمين الصلاحي
حتى نفهم لماذا أسقط الحوثيون ومن ورائهم الرئيس المخلوع صنعاء في 21سبتمبر 2014م نحن مضطرين للعودة إلى الماضي، ذلك أن انقلاب 21سبتمبر كان انقلابا ماضوياً بامتياز، وجاء محملاً بكل عاهات وآفات الماضي، ولذلك فالعودة إلى الماضي هنا ضرورية لفهم الكارثة التي حدثت..
في عام 1948م قامت في اليمن ثورة عرفت باسم الثورة الدستورية، وكانت محاولة لإصلاح النظام الإمامي من الداخل، ولذلك جاءت بواحد من رجال الدولة الإمامية هو عبدالله الوزير وبايعته إماماً دستورياً.
لكن الإمام أحمد الذي عرف بدهائه استطاع حشد وتجييش القبائل ضد الثوار بحجة أنهم قتلوا الإمام يحيى، وأنهم يريدون اختصار القرآن! وسمى الإمام أحمد تلك الحشود: ((أنصار الله)) في رسالة بعث بها إلى عبدالله الوزير وخاطبه فيها قائلاً: ((وإني زاحف إليك بأنصار الله الذين سترى نفسك تحت ضرباتهم معفراً))!!
ودخل الإمام أحمد بــ (أنصار الله) صنعاء وأباحها لهم، وتمكن من إسقاط صنعاء وإفشال الثورة الدستورية، والتنكيل برجالها وإعدامهم.
وفي 11 فبراير 2011م قامت في اليمن ثورة عرفت باسم الثورة الشبابية الشعبية، وكما كانت ثورة فبراير 1948م ثورة تصحيحية هدفها إصلاح النظام الإمامي من الداخل، وتطويره من إمامة استبدادية مطلقة إلى إمامة دستورية، وجاءت بأحد رجال الدولة الإمامية وبايعته على هذا الأساس إماماً دستورياً، فكذلك ثورة فبراير 2011م كان هدفها تطوير النظام السياسي في الجمهورية اليمنية، وتحريره من قبضة القبيلة والعسكر، ليصبح نظاماً جمهورياً بحق، ويمثل كل أبناء اليمن، ويعبر حقيقة لا ادعاءً عن تطلعاتهم في الحرية والكرامة وبناء دولة المؤسسات، وقد جاءت ثورة فبراير 2011م بأحد رجال النظام وانتخبته رئيساً توافقياً على هذا الأساس!
لقد حصلت أخطاء فادحة في النظام الجمهوري، وكان مشروع التوريث لنجل الرئيس المخلوع هو أفدح تلك الأخطاء، ولقد كان الإماميون سعداء جداً بذلك الخطأ الكبير والانحراف الخطير الذي أصاب الجمهورية في مقتل، وأصبح لسان حالهم: حلال لكم وحرام علينا! وقد استشعر المؤمنون بالنظام الجمهوري خطورة مشروع التوريث، وجاءت ثورة 2011م لتضع حداً له، ولتعيد قطار الجمهورية إلى مساره الصحيح بعد أن خرج كثيراً عن مساره، ولذلك لم يكن غيظ الإماميين من ثورة 2011م وحنقهم عليها بأقل من غيظ وحنق المخلوع علي صالح! وقد عملوا كل ما في وسعهم لاختراقها وإفسادها من الداخل.
لكن التآمر والكيد لثورة 2011م بلغ ذروته باقتحام (أنصار الله) لصنعاء وإسقاطهم لها في 21 سبتمبر 2014م أي بعد (66 عاماً) من الاقتحام والإسقاط الأول في عام 1948م!
وكما دخلوا صنعاء في 1948م ليجاهدوا الدستوريين الكفرة الذين يريدون اختصار القرآن، فقد دخلوها في 2014م ليجاهدوا الدواعش الكفرة الذين لا يؤمنون بالمسيرة القرآنية! فالشعارات كانت كاذبة ومضللة على الدوام!
وكما أباح الإمام أحمد في 1948م صنعاء لــ (أنصار الله) فاستباحوها وقصدوا منازل الثوار بالنهب والسلب والتخريب، واعتقلوا الثوار ونكلوا بهم وأسلموهم لسيف الإمام لينفذ فيهم أحكام الإعدام.
فكذلك أباح الإمام غير المتوج عبدالملك الحوثي ومن ورائه الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح صنعاء لــ (أنصار الله) في 21 سبتمبر 2014م فدخلوها واستباحوا مؤسساتها، بالنهب والسلب والاستيلاء، وقصدوا منازل ثوار 2011م بالنهب والتفجير، ثم شنوا حملة اعتقالات وتنكيل واسعة طالت كل قيادات ثورة 2011م!
وثيقة مؤتمر الحوار الوطني كانت انجازا واستحقاقا لثورة 11فبراير 2011م وقد وضعت تلك الوثيقة الأسس الضامنة لمواطنة متساوية ولدولة يحكمها النظام والقانون. لكن قوى الهيمنة والتخلف التي استشعرت خطورة ذلك على نفوذها وهيمنتها انقلبت عليها وحاولت أن تفرض إرادتها بالقوة الغاشمة في انقلاب 21سبتمبر المشؤوم.
لم يخف الحوثيون ومن خلفهم الرئيس المخلوع صالح رفضهم لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني خصوصاً تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم ، فهم يؤمنون بهيمنة وسيطرة إقليم آزال ، وأن اليمن كانت ويجب أن تبقى بقرتهم الحلوب ، ولذلك بدأوا بعد أن توهموا نجاح انقلاب 21سبتمبر بشن حروب الاخضاع والهيمنة على كل المحافظات التي حاولت الخروج عن الطاعة!
وهكذا لم يكن انقلاب 21 سبتمبر سوى محاولة من قوى الظلام والهيمنة والتخلف في شمال الشمال لوأد وسحق آمال وتطلعات اليمنيين في الحياة الكريمة المتساوية وفي بناء دولة النظام والقانون.
والملفت للنظر أنه وعلى الرغم من طول المدة الفارقة بين دخول أنصار الله الأول لصنعاء في 1948م ودخولهم الثاني في عام 2014م فلم يكن ثمة فارق كبير... لا في المنطلقات الفكرية، ولا في الممارسات العملية...لقد رأينا (أنصار الله) في خروجهم الثاني يخرجون من كهوف صعدة وبقية المحافظات في شمال الشمال كالجراد المنتشر، حاملين معهم أكياس الشمة (البردقان)، وكل الأمراض المذهبية والسلالية والمناطقية، يحركهم الجهل، والتبعية العمياء لمن يسمونه (السيد)... نعم لقد رأيناهم بأثوابهم الرثة، وصرخاتهم العبثية، وسلوكياتهم البدائية، وأفعالهم الإجرامية، يحولون محافظات ومدن اليمن إلى خرائب، ويعودون بها إلى عصور الجهل والتخلف والظلامية، حتى إن البعض أخذ يتساءل: هل حقاً قامت في اليمن ذات يوم جمهورية؟!