عمار زعبل الزريقي?
مدن أخرى كانت مثار جدل في اليمن، فصنعاء ظلت بعيدة كل البعد عما يعتمل في الشارع اليمني، إلا إنسانها البسيط بالطبع، لا مظلوميات سياسية أو عرقية أو طائفية، بل هي صانعة الأحداث وموجدة السياسات في وطن كان يتفتت على نار هادئة.
كانت حاضنة أكثر منها طاردة، يقول سالم محسن، من محافظة أبين جنوبًا، إنه أتى إلى صنعاء قبل الوحدة، أتى وهو مطارد في مدن الجنوب، حتى من أقاربه لا لشيء إلا للاختلاف السياسي الحاصل حينها، وعُرف بقتال الرفاق، ويستطرد أنه وجد وغيره الكثير من الحقوق، وأفضلها أنهم عاشوا ولم يشعروا بالغربة أبدًا أو التمييز.
حارات كثيرة في صنعاء وبمسميات عدة، ومثلها في تعز، احتضنت اليمنيين الجنوبيين الفارين حينها من نار الفرقة والسياسة، الشجرة الملعونة في اليمن. ظلت صنعاء عاصمة موحدة لليمنيين بعد الوحدة كما كانت قبلها، لتطرأ الكثير من الاعتلالات في البنية، التي أوجدت أشياءً فرضت على الشعب اليمني، خصوصًا عند بعض أبناء المحافظات الجنوبية، مشاعر الكره لصنعاء، وكل ما يتصل بها ليصل إلى كره الشمال برمته.
فصيف 94، بعد أعوام أربعة من الوحدة، كان صيفًا حارًا، مازالت حرارته إلى اليوم تستعر في قلب الإنسان والأرض معًا، مشكلًا مظلومية كبيرة، أصابت آلاف الناس، وعملت على تشريدهم وتجريدهم حتى من أبسط الحقوق لهم.
حينها وقفت صنعاء وجهًا لوجه أمام عدن، وكأنها تحارب أعداء التاريخ كما يقول الجنوبيون، لتقف اليوم أيضًا كمحارب لا يعرف قلبه الرحمة في وجه كل اليمنيين، بعد أن اتحد زعيمها الأوحد، الذي أسس ملكه فيها خلال 33 سنة وفق سياسة الاحتواء والتفرقة والكيل بمكيالين، ليتحد أخيرًا مع طامح مثله لحكم البلد إلى ما لا نهاية، مستأثرين بالثورة والثروة هذه المرة.
فهي حرب لم تحرك صنعاء بنت شفة لإيقافها، بل أصبح الكثير من أبنائها في مظلومية جديدة، وآخرون منهم يقتلُون ويقتَلون في مدن اليمن المختلفة، بعد أن جعلت نفسها بمنأى لتتصدر صعدة المشهد إلى حين.
ليأتي التحالف العربي الذي تقوده السعودية مغيّرًا الكثير من الموازين، ومظهرًا الكثير من الحقائق، بأن صنعاء لن تظل بعيدة كثيرًا عن الدمار، وإن تحلق أبناؤها وحلفاؤهم حولها، فهي لم تستجب لدعوة تجنيب البلد بكامله عن الخراب، بل ارتضت الخراب واليباب لتعز وعدن ولحج بل وصعدة نفسها، ومستعدة، كما يقول سادتها، لتدمير مدن أخرى لها أهمية كبيرة في اقتصاد البلد كحضرموت ومأرب. يرى مراقبون أن صنعاء، تريد السلامة ولكن بحياء، فهي لا تريد الانتفاضة على الانقلابيين وطردهم بنفسها، ولا تريد أيضًا لغارات التحالف أن تستمر، أو أن تندلع حرب أهلية في أزقتها وحواريها بعد أن نجح مسبقًا فتية من مصلحيها تجنبها وآثروا سلامتها على تشويهها وقتل أبنائها. فهذه المرة، ليس بيدها شيء تفعله كما يرى متابعون، فهناك لعبة أكبر منها، بل واليمن كاملًا، اليمن الذي يجب أن يظل قريبًا لجيرانه وشركائه في اللغة والعقيدة والأرض، أم يا ترى سيظل مشدودًا لأقوام آخرين، لا يجلبون إلا الاقتتال والاختلاف والدمار، وهو ما ستكشفه الأيام القادمة، وما هي عنا ببعيدة.