عارف أبوحاتم
كنت خائفا يومها؛ لذا تحدثت بصوت منخفض وقلب مرتجف وقلت يجب الحفاظ على تماسك المؤتمر الشعبي العام، لأن انفراط عقده لا يعني غير توسيع قاعدة المليشيات الحوثية، التي تغلغلت فيه واستقطبت كثير من أعضائه وقياداته، خاصة من أبناء القبائل وأبناء الأسر الهاشمية، أما اليوم وقد تحول المؤتمر إلى جماعة مليشاوية فليذهب غير مأسوف عليه، فبقاؤه كارثة أكبر من كارثة حله.
وقبل حل هذا الحزب الكبير يجب أن يتداعي قادته العقلاء والشرفاء ويشكلون حزبا جديدا وفق أسس وطنية، ويستفيدون من خارطة الحزب الاجتماعية وخبرته السياسية، حتى لا تُترك جماهيره وقواعده عرضة للاستقطابات من ناحية وتضمر التجربة الديمقراطية اليمنية من ناحية أخرى.
وحين نتحدث عن احتمالية الاستقطابات المحتملة من حل المؤتمر وعدم تشكل حزب جديد فإن قواعده ستذهب إلى جماعة الحوثيين التي كانت الأقرب إلى وجدان زعيمهم التاريخي علي صالح، ولن تذهب باتجاه أحزاب وطنية مثل؛ الإصلاح والناصري والرشاد وغيرها نتيجة خلافات تراكمية زاد من حدتها تأييد هذه الأحزاب لعمل قوات التحالف العربي في اليمن، لذا من المهم جدا أن يتزامن حل المؤتمر الشعبي مع تجريم الجماعة الحوثية واعتبارها منظمة إرهابية محظورة.
افتتح المؤتمر الشعبي حياته السياسية بذهنية "رجل إطفاء"، عليه أن يحتوى النار المتصاعدة من كل اتجاه: الجبهة واليسار، البعثيين والناصريين والإخوان، والمشائخ المسيسين و"المبترعين" بعد المال وفارق الصرف، واختتم عمره بإشعال حرائق في كل اتجاه، حتى داخل جسده هو، وكأن المؤتمر لم يطفئ حرائق مطلع الثمانينيات بل ادخرها لنفسه.
تمكن الرئيس صالح يومها من احتواء الجميع في "مؤتمر" جامع ودعاء إليه جميع أطياف "الشعب"، وجعله "عاما" لا حكر فيه ولا وصاية لأحد، مستنيرا ومسترشدا بحكماء وعقلاء البلاد وقتها: الإرياني، الأصبحي، العنسي، الحدي، العماد، وتم استيعاب كل الفرقاء، وخرج المؤتمر الذي تأسس في 24 آب/ أغسطس 1982 برؤية وطنية فريدة اسماها "الميثاق الوطني"، وكان نبراسا بحق، ولو عمل صالح وأركان نظامه بنصف ما فيها لكانت اليمن من الدول المتقدمة اقتصاديا وسياسيا وثقافيا.
مرة قلت لقيادي مؤتمري: "لو عمل المؤتمر بثلث ما في "الميثاق الوطني" لما ترك لبقية الأحزاب من أنصار"... رد بتحسر: "عملنا لأنفسنا ولم نعمل للمؤتمر!".
المؤتمر، الحزب السياسي الذي التهم ثلثي مقاعد البرلمان، والتهم خزينة الدولة، والمساعدات والمنح والقروض، والمؤسسة العسكرية في حروب قادته العبثية، اليوم يخسر ثلثي مكانته وقيمته الشعبية والأخلاقية، بسبب التصرفات الانتقامية لزعيمه المحاط بجيل "النزق السياسي" داخل المؤتمر، بعد أن أبدى قدرا من التماسك مع حلفائه السياسيين، خلال فترة عامي 2011 0 2012م.
مرات عديدة ناديت عقلاء المؤتمر أن يتداركونه، ويلتقطون هذا الجسد قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، فالتاريخ يمضي في ممرات ضيقة، لا تمكنه من الالتفات إلى الوراء، والركب ليس فيهم من عنده استعداد لانتظار "حصان" المؤتمر المتعثر بالخيبات، والمثقل بثارات صالح، ولن يستطيع المؤتمر حمل تلك الثارات إلى مستقبله.
الجماعة الحوثية مطمئنة إلى أن اللاعب الخارجي يؤيد بقاءها ولا يمكن أن يسمح بتجريمها لذا تحاول أن تملأ فراغات المؤتمر وتستقطب رجاله، ما يعني أننا سنخسر حزب ونكسب مليشيا، وسنضع اللغم بدل الصندوق، والقذيفة مكان الحوار، وسنفجر مقرات المختلفين معنا بدلا من الذهاب معهم إلى ميدان التنافس السياسي.
في اليمن كل يوم يحدث شرخ في جدار المؤتمر، لتدخل منه جماعة السلاح والمال وتشترى من تشاء من رجاله الضعفاء، والمنتفعين، أما أصحاب المبادئ والقيم فهم مثل زعيمهم الليبرالي الدكتور عبد الكريم الإرياني رجل لا يساوم في المبادئ... ولو أن قيادة المؤتمر وحدت كلمتها وموقفها ونأت بالحزب عن التفكير الانتقامي والدفع به للإسهام في تدمير البلاد والتحالف مع الحالمين بعودة اليمن إلى عهد تقبيل الأيدي والأرجل، لكان المؤتمر هو سيد الموقف والكلمة.
المؤتمر الذي حكم اليمن منفردا 30 سنة كان يفترض به أن يستفيد من خبرته السياسية العريقة، ويتماسك أمام أول تجربة له بالخروج الجزئي من أحضان السلطة، لكنه فظل البقاء أمام عتبات منزل زعيمه صالح، ينتظر التوجيهات القابلة للتنفيذ الفوري.. ولا أحد من قادة المؤتمر المحيطين بصالح طلب منه الحفاظ على مكتسبات المؤتمر والفصل بين الحزب السياسي المدني ورغبات صالح الانتقامية.
ومثلما دمر صالح البلاد.. دمر نفسه وحزبه.