حسن مدن
يبدو مغامرة الحوثيين في اليمن حالة نموذجية للمغامرات السياسية التي يحمل القائمون بها أو الداعمون لها شعوراً من الغرور، فلا يجري حساب التعقيدات وتوازنات القوى والتضاريس الجيو سياسية المحيطة، وتتملكهم حال من النشوة، التي لا يمكن لها أن تطول، لأن الواقع أقوى من الأوهام التي تستحوذ على من يورطون أنفسهم وبلدانهم في مثل هذه المغامرات.
في الطيف المجتمعي - السياسي لليمن فإن الحوثيين قوة صغيرة، وإلى حدود كبيرة فإنها قوة فتية، بالقياس للتيارات السياسية في اليمن، وقوة مثل هذه كان من المتعين عليها أن تتصرف في حدود حجمها، وألا تتجاوز طموحاتها هذا الحجم، وهو ما لم يفعلوه، فقادوا اليمن إلى كارثة سياسية وإنسانية كبرى، خاصة عندما زيَّن لهم الأمر الرئيس الذي خلعه الشعب اليمني، واستدرجهم إلى متاهات يمكن الدخول إليها، لكن لا يمكن منها الخروج.
كان علي عبد الله صالح محكوماً برغبة الانتقام والتشفي من غالبية اليمنيين الذين ثاروا على حكمه الفاسد، ومن دول الجوار الخليجي التي ساهمت في صوغ حل سياسي يؤمن لليمن الانتقال السلس من الإرث الثقيل للمرحلة السابقة نحو مرحلة جديدة تفتح للبلاد آفاق الاستقرار والتنمية. وقد وجد في طموح الحوثيين المحمول على مشاريع توسيع النفوذ لقوة إقليمية معروفة ضالته ليغرق اليمن في الدماء والخراب، مجسداً السلوك المعروف للطغاة والمستبدين في كل مكان وزمان: أنا أو الخراب.
كان للمغامرة المجنونة لتحالف الحوثيين وعلي عبد الله صالح أن تجعل من اليمن، بكل ما يمثله من ثقل وعمق، رهينة في مشروع إقليمي يتوسل الأدوات المذهبية لتسويق نفسه، لو لم يُجابَه بالموقف الخليجي والعربي الحازم الراد على هذا العبث بوقائع التاريخ والجغرافيا. وها هي دولة الإمارات وشقيقاتها من البحرين والسعودية وغيرهما من دول المنطقة تقدم التضحيات من دماء أبنائها وبناتها البررة الذين لبوا نداء الواجب صوناً للمنطقة من المخاطر الكبرى التي تهددها.
وليس أمام دول مجلس التعاون الخليجي إزاء هذه المخاطر إلا أن تؤكد وحدة وتماسك الجبهات الداخلية فيها، لإفشال المخطط الرامي للتسعير الطائفي والمذهبي، والعبث بوحدة النسيج المجتمعي المتشكل عبر التاريخ، والدفاع عن الهوية العربية لبلدان وشعوب المنطقة، التي توحد أبناءها بصرف النظر عن تحدراتهم المذهبية، كونها عاصماً لهذه الأوطان ممن يتربص بها، فأمن هذه المنطقة جزء من الأمن العربي، وعمق هذا الأمن هو العمق العربي.
*صحيفة الجزيرة القطرية
