خالد عبدالهادي
كيف بوسع رجل تدمير دبابة بيدين عاريتين وصدر أعزل!
هذا ما تنطوي عليه بدعة مدهشة من "رجل دبابة" آخر قادم من جبل صبر هذه المرة.
بينما كانت دبابات الجيش الصيني تسحق المتظاهرين في ميدان السماء خلال تظاهرات عام 1989 المطالبة بإصلاحات وحريات أوسع, تصدى متظاهر مجهول الهوية لرتل من الدبابات بجسده ومنعها من المرور في مشهد أذهل العالم وأسال حبر الصحافة العالمية التي أطلقت عليه "رجل الدبابة" ليتحول إلى أيقونة خالدة للتضحية ومواجهة القوة باللاعنف.
ومازال العالم يجهل حتى الآن مصير ذلك المتظاهر الذي لم يتطلب خلوده سوى ومضة خاطفة من عدسة جيف ويندر المصور في وكالة اسوشيتد برس.
أما رجل الدبابة اليمني فبطولته تضاهي بطولة متظاهر ميدان السماء غير أنها وقعت في ريف قصي عن العالم, لا تلتمع فيه أضواء كاميرات المصورين المحترفين.
لم تكن طباع مدرس اللغة العربية التي لطًفها نسيم جبل صبر تشي بأنه سيصنع مشهداً رهيباً حين يقف وحيداً في مواجهة وحش حديدي زنته 40 طناً وسرية من مسلحين غرباء اقتحموا منطقته وشرعوا في إخضاع سكانها.
بدأت صلة جمال سلطان الذي كان في أواخر عقده الرابع بالدبابة حين تمكن الحوثيون من إيصال دبابة من طراز تي-62 الروسية إلى قرية ذي عنقب في مديرية مشرعة وحدنان المطلة على مدينة تعز تمهيداً لقصف مواقع المقاومة الشعبية المتناثرة تحت مرمى الدبابة.
ونظم الأهالي تظاهرة سلمية يوم العاشر من يوليو الماضي انتهت إلى حيث تربض الدبابة لإقناع الحوثيين بعدم شن عمليات قصف من مناطقهم, واشتعل حماس جمال على وقع الرفض الشعبي فتدبًر صفيحة بنزين ثم اعتلى الدبابة وأخذ يرش البنزين في جسمها مع ارتباك المسلحين الذين انشغلوا بمحاولة استرضاء المحتجين الغاضبين.
أشعل جمال النار في الدبابة فامتدت إلى حاوية القذائف التي انفجرت، مدمرةً الدبابة مما فجر غضب المسلحين الحوثيين فأطلقوا النار عليه ليردوه في الحال.
ولئن كانت روح جمال قد استراحت في الأبدية, لكن عزيمته التي فلًت حديد الدبابة ما تزال تهدي مزيداً من الرجال إلى جبهة المقاومة في صبر.
جبهة جديدة لم تمضِ على اشتعالها ثلاثة أسابيع حتى يكاد الوجود الطارئ والمتلصص للجماعة العنيفة ينطمس أمام الأهالي الذين يتهجى غالبيتهم أبجدية فنون القتال, لكنهم يدحرون قوات تلقت تدريبات مكثفة وتحوز عتاداً لا سبيل إلى مقارنته ببنادق المقاومين الخفيفة.
ولو سئل أهالي مشرعة وحدنان عن سر هذه المفارقات لربما ردوا بأن بطولة جمال سلطان سرت في نفوسهم فحسب.