عبدالملك شمسان
نشرت صحيفة "اليمن اليوم" التابعة لـ"صالح" خبرا مختلقا تقول فيه إن المقاومة في تعز أهدرت دم عدد من السياسيين والإعلاميين والناشطين، وذكرتهم بأسمائهم. ومنذ أيام أصبح مطبخ صالح يكثف مواده الإعلامية الموجهة لإثارة الفرقة والانقسامات في الجنوب.
المقاومة لا تصدر بيانات بإهدار دم أحد. المحارب المعتدي تسفك دمه، والسياسيون والصحفيون والناشطون لا شأن لها بهم ولا مشكلة لها معهم، أيا كان موقفهم، وأيا كان رأيهم. علي صالح هو من يهدر دماء خصومه السياسيين والناشطين والصحفيين، وكثيرا ما يتمكن من تنفيذ تهديداته، وبأدواته المختلفة، إذ أحاط صالح سلطته بسور مزدوج البناء: أحجاره الظاهرة الحوثيون، وأحجاره الباطنة الدواعش بمختلف الأسماء التي يحملونها. وله خلال ذلك اعتماد كبير على ضعف خصمه الذي غدا شعبا بأسره، وأبرز نقاط الضعف في هذا الخصم هو الانقسامات.
في المحافظات الجنوبية، يناضل الحراك الجنوبي من أجل قضية اسمها الجنوب، وهي لكل الجنوبيين بلا استثناء، وكل الجنوبيين حاضرون في هذا الحراك بأي شكل من الأشكال، فاشتراكيو الجنوب جزء من الحراك الجنوبي، والإصلاح في الجنوب جزء من الحراك الجنوبي، وينطبق هذا على السلفيين وعلى كل القوى هناك، بل وكثير من منتسبي المؤتمر الشعبي باستثناء أولئك الذين فضلوا الاصطفاف مع صالح وحلفائه الحوثيين على أهلهم ومناطقهم. وإضافة إلى عوامل داخلية وخارجية ألقت بتأثيرها سلبا على الحراك منذ انطلاقه فإن صالح لم يدخر جهدا في سبيل تقسيمه، والأسوأ من تقسيمه هو تصويره وتقديمه إلى نفسه وإلى المجتمع الجنوبي والرأي العام في الداخل والخارج كمكون سياسي مثيل للمكونات الحزبية والاجتماعية لا اسماً جامعا لها.
عاش الحراك التجارب الإيجابية والسلبية على امتداد عمره من أواخر 2006م، وأقسى تجاربه هي السنوات التي راح بعضه منتسبيه يمنحون فيها الحوثي ثقتهم ويعولون عليه ويغضون خلالها طرفهم عن حروبه التي ابتدأها من شمال الشمال منقلبا بها على الرئيس الجنوبي عبدربه منصور هادي، مؤملين أنه لا يريد من السلطة والسيطرة على أكثر من تركة جده الإمام في المحافظات الشمالية، وأنه سيمنحهم الجنوب كما يوهمهم، لكنه وحليفه صالح فاجأهم بالتنكر لهم والانقلاب عليهم والتوغل في مناطقهم. ورغم قسوة هذه التجربة وأنها ما تزال طرية تقطر دما إلا أن علي صالح وحليفه الحوثي يريدون من الحراكيين أن ينسوه، فإذا هم يكثفون موادهم الإعلامية الرامية هذه الأيام إلى للتحريش والوقيعة بين الجنوبيين بعد أن نجحوا في إقناع كثير منهم وتصوير الحراك لديهم بأنه مكون مثل غيره من المكونات السياسية والقبلية لا إطارا جامعا يضمها جميعا على اختلاف رؤاها وتصوراتها.
لم يعد أمام صالح والحوثيين وقت للبقاء في الجنوب، ولذا فهم يحرصون الآن على إثارة الخلافات الجنوبية الجنوبية، استعدادا للانقسامات والبلبلة التي لا تسمح باستقرار البلاد هناك بعد التحرير، مقدمين الحراك الجنوبي طرفا مقابل الأطراف الأخرى كبوابة يدخلون منها لتحقيق هذه الأهداف عبر التحريش والوقيعة بينه وبين غيره، من المكونات السياسية وغيرها من عامة الجنوبيين.
في اتجاه تعز وصنعاء
ويبدو الوضع مماثلا في محافظة تعز، أي من حيث اقتناع صالح والحوثيين بأنه لم يعد أمامهم وقت طويل للبقاء، ولابد من استدعاء ما يساعدهم على الصمود فيها لأطول وقت ممكن، وزرع الانقسامات وأسباب البلبلة استعدادا لما بعد الرحيل.
من هنا نشروا يوم الجمعة خبرا ينسبون فيه إلى المقاومة أنها أهدرت دم (64) من السياسيين والناشطين والصحفيين. وهذه هي مناسبة المقال والعبارة التي افتتحته بها.
أوردوا فيه أسماء "عبده الجندي" و"نبيل الصوفي" وعدد من المعروفين باصطفافهم مع صالح، وذلك للإيحاء بمصداقية نسبة البيان للمقاومة. وأوردوا أسماء آخرين مثل أحمد سيف حاشد وسلطان السامعي من الذين كان لهم حضور بالتحالف مع الحوثي في معارضته وثورته المزعومة حتى دخول مليشياته صنعاء، والذين تفاجؤوا -كما تفاجأ البعض من مناصريه في الحراك- بتصرفاته، وأعلنوا رفضهم لأفعاله ومعارضتهم له، وإن بأداء إعلامي بسيط مقارنة بنشاطهم معه سابقا.
يريد صالح أن يجرهم مجددا إلى ذلك المربع الذي وقفوا فيه خلال تلك الفترة، مستغلا موقفهم المعارض للإصلاح الذي يجتهد الرجل في اختزال المقاومة فيه وتقديمه كطرف وحيد معارض له ولمليشيات حلفائه الحوثيين، متجاهلا –على سبيل المثال- أن سلطان السامعي هو نفسه من أرسل إلى الحوثي مذكرة ينتقد فيها حربه على تعز، وينصحه بالانسحاب منها، ويعبر فيها عن استيائه من عدم التزامه بالتوقف عند حدود صنعاء وعدم تجاوزها.
لقد عرف أحمد سيف والسامعي حقيقة الحوثيين، ولمسوا غدرهم وخيانتهم بشكل شخصي قبل أن يظهر ذلك من خلال ممارستهم على العموم، إذ أن الحوثيين تنكروا لهم أولاً، ونكثوا بما كانوا متفقين عليه من أهداف معلنة، بل ولم يتورعوا عن استهداف أهاليهم ومناطقهم، ومن عجائب الحوثيين اليوم أن يتوقعوا عودة هؤلاء وزملائهم إلى ذات المربع.. بالطبع لا يؤملون منهم العودة إلى مربع المساندة المباشرة لهم كما كان الحال خلال تلك الفترة، فذلك لا يخفى عليهم أنه بعيد المنال، بل كل ما يريدونه منهم هو في تقديري أن يلعبوا الدور المخلخل للصفوف الذي يعزز فكرة تقسيم المجتمع في تعز ثم صنعاء إلى إصلاح مقابل آخرين، كما هو في الجنوب حراك مقابل آخرين. هذا ما يريدونه بدرجة أساسية، وإن كانت قاعتي أن هذه الأفكار الشيطانية من كيس صالح لا من كيس الحوثيين.
وبالمناسبة: كأنه قد آن الأوان أيضا لعودة بعض الصحف المكلفة برعاية هذا الاختراق!!
وإلى ذلك، أوردوا أيضا في البيان أو الخبر المكذوب اسم الزميل الصحفي ناشر صحيفة "المدينة": فكري قاسم، والواضح أنها محاولة لاستمالته وصحيفته إليهم، أو لمخاطبة الناس الذين يمقتون هذا التعامل مع الصحفيين وتأليبهم على المقاومة. وإيراد اسم فكري يستفز لدي مشاعر شخصية تجاه شخص عزيز تربطني به صداقة حميمة بدأت قبل نحو عشرين سنة. ولأنه من يختلق هذه الأخبار باسم غيره لا يستبعد منه محاولة تنفيذ مضامينها باسم غيره، فإن هذا أمر باعث على القلق يستوجب تنبيه المشمولين والمذكورين بأسمائهم، ولي رسالة خاصة إلى فكري أقول له فيها: دمت بشوشا صديقي، "وكن على حذر قد ينفع الحذر"!!
لقد تسرع صالح وحليفه في أعمالهم ونكثهم بكل من منحهم الثقة وعول عليهم، حين بدا لهم وكأنهم قد استغنوا عن كل الناس وإلى الأبد، وما أسرع ما كانت العودة، فها هم يحاولون ترقيع ما مزقته أيادي غرورهم وأنانيتهم وأحقادهم، ولكن "اتسع الخرق على الراقع"، وقطعا ليست هذه إلا حيل يمليها العجز، واجترار خطاب وأساليب قديمة انكشف وفضحت.
أساليب لم تعد صالحة للاستخدام، ولم تعد تثير قلقا أو مخاوف لدى أحد، لكنها تشير بوضوح إلى قناعة يقينية لدى صالح والحوثي بأن أمر سيطرتهم أصبح في حكم المفروغ منه، ولا جدال في ذلك إلا إذا كان بحثا في: هل وصلوا إلى النهاية، أم وصلت النهاية إليهم!؟
"لا تسرع، فالموت أسرع"، عبارة تكررت على لوحات إرشادية في طريق ذهابهم، لكنهم ظلوا يقتلعون اللوحات ويدهسونها من غير اكتراث بالعبارة، ولربما يتمنون اليوم أن يعود بهم الزمن فيحصلوا على فرصة ثانية لقراءتها والتمعن في معناها، ولكن..!!