حسين الوادعي
فرح اهالينا في عدن والجنوب واليمن عموما باسترداد عدن وعودتهم الى منازلهم. وهي فرحة مفهومة ومستحقة بعد 4 اشهر من حرب اهلية عبثية. لكن على الجميع تحت اضواء النصر توخي الحذر والاستعداد للمستقبل.
1- السيناريو الليبي:
في الايام الماضية تجولت 3 رايات في عدن. راية الجمهورية اليمنية وراية اليمن الجنوبي السابق وراية القاعدة السوداء. وتحت كل راية فصائل تختلف اكثر مما تتفق وتتوجس اكثر مما تثق. نعم لقد توحدت المقاومة في عملية خاطفة لاسترداد عدن، لكن الرايات المختلفة تحمل اجندات مختلفة وقد تتحول الى نزاع فصائل مسلحه. وما السيناريو الليبي عنا ببعيد.
واذا ما عادت الحكومة الرسمية الى عدن فان اولى مهامها الى جانب الخدمات تكوين برنامج سياسي يلم شتات الجماعات المسلحة ويحافظ على توحدها حتى حسم الصراع. فليس من مصلحة احد ان يتحول الصف الواحد الذي قاوم الاحتلال الداخلي الى صفوف متعارضة تخلط المشهد من جديد وتقود اكثر نحو سيناريو التفتت والاحتراب.
..............................................
2- الانتقال لما بعد هادي:
حكم هادي سنتين من صنعاء قام خلالها باللعب عل كل المتناقضات الممكنة حتى تم تبديد فرصة الانتقال من الحوار الوطني الى الانتخابات، وسقطت صنعاء والدولة في يد الميليشيا. وحتى عندما هرب الى عدن استمر في نفس اللعب بالقوى السياسية في الجنوب وحصر القرار والثقة والتعيينات في الدائرة المقربة فقط.
اذا عاد هادي (في حالة عدم تصعيد بحاح الى منصب الرئيس حسب توقعات البعض) فان ممارسة هادي لهواية اللعب بالنيران و خلط اوراق المقاومة على الارض خاصة تلك التي لا تدين بالولاء ستقود الى وضع اخطر بكثير من معاناة الشهور الماضية. بل ربما يؤدي الي عبث جديد لهادي الى سقوط عدن في يد القاعدة كما سقطت صنعاء في يد الحوثيين.
الساحة في الجنوب تحتاج قائدا حكيما يستطيع الاحتفاظ بوحدة الفاصائل المسلحة والتيارات السياسية والخروج الى برنامج سياسي يرى فيه الجميع الحد الادنى من طموحاتهم.
..............................................
3- قريبا من الحرب بعيدا عن السياسة:
التقدم الكبير للحكومة الرسمية والمقاومة في عدن يقود اكثر نحو الاستمرار في سيناريو الحرب وتاجيل سيناريو السياسة والتفاوض الى اجل غير محدد. اغراء الانتصار السريع يجعل العودة الى المفاوضات تعطيلا لـ"النصر" كما يرى المتحمسون. لهذا لا اتوقع عقد اي مفاوضات سياسية قبل حدوث تحول جديد في ميزان المعركة.
لا شك ان ضغوط الاتفاق النووي الايراني تجعل السعودية اكثر انجرافا لنص عسكري بارز في اليمن مهما كان الثمن الانساني والاقتصادي الذي سيتحمله اليمنيون وحدهم لعقود تاليه. واذا صحت الاخبار عن قوى جديدة تم تدريبها في السعودية ستنضم لجبهات القتال في تعز ومارب فهذا يعني ان الحرب تستمر وتتوسع بينما تواصل السياسة ابتعادها.
من الجانب الاخر لم يبد الحوثيون رغبة صادقة في تفاوض يقود الى حل توافقي. يحاول تحالف الحوثي-صالح فرض الامر الواقع (السيطرة على الارض) كاساس لاي تفاوض. وهو اساس يسحب من يد القوى الاخرى اي امكانية للعودة او الشراكة. ولان تحالف الحوثي –صالح لا يتحمل الخسارة على اكثر من جبهة حاليا فانه سيكثف عملياته الحربية في مارب وتعز وسيستمر في الهجوم على عدن في صراع يقود الى صراع اخر بلا افق للسلام.
..............................................
4- راية الموت السوداء:
كنت قد ذكرت ان الحوثيين حركة سلفية جهادية لا تختلف في تكوينها الفكري عن القاعدة او جماعة الجهاد. ويحتل الموت مكانة رئيسية في عقيدة هذه الجماعات بحيث يصبح الموت الغاية القصوى ويصبح تقديم المزيد من القتلى من مقاتلي الجماعة مصدرا للافتخار والمنافسة. واذا كانت عدن قد تخلصت من راية الموت الخضراء فان راية الموت السوداء تتسلل بصمت لتنال نصيبها.
اصبح وجود القاعدة خطرا جدا في الجنوب خاصة بعد تفكك الدولة والاجهزة الامنية. وقد استغلت الحرب ضد عدن لتنتشر وتحشد وتعقد تحالفات مع الاوساط التي كانت ترفضها سابقا. حرب الحوثيين ضد عدن وسعت من الحاضنة الاجتماعية للقاعدة وها هي تنتظر لحطة الصفر وعي تمتلك الاموال والسلاح الثقيل والمقاتلين.
الاخطر ليس ان تهاجم القاعدة عدن وانما ان تنشر فكرها بين الشباب وتؤسس قاعدة شعبية واسعة مستغلة الفراغ والفوضى والحشد الطائفي المقابل (وربما الدعم الخارجي ايضا). ويعي اخواننا في الجنوب جيدا ان التحرير لا يعني استبدال راية موت براية موت اخرى اكثر قبحا.
..............................................
5- الانعزالية الجنوبية:
رفع شعار "ما يحدث في الشمال لا يعنينا" كان يعبر عن قصر نظر سياسي واستراتيجي من الفصائل الجنوبية. وقد قادت هذه الانعزالية الى سياسات كارثية وصلت الى التهليل لسقوط العاصمة صنعاء في يد الميليشيا في سبتمبر 2014. وسواء استمر اليمن كدولة واحدة او انقسم الى دولتين فانه لا جنوب ديمقراطي مدني بغير شمال مستقر وديمقراطي ومنتج. المعركة واحدة حتى لو فضلنا العمل تحت عناوين واعلام مستقلة.
تحويل قضيى الجنوب من قضية مطلبية الى قضية هوية انعزالية يبدد كل فرص الخروج الامن الى افاق الدولة والسلام في الشمال وفي الجنوب معا.
هذه هي تحديات الوضع في الجنوب. اما الشمال فالوضع اكثر تعقيدا..وسيكون ساحة المعركة الاطول والاعنف في الشهور القادمة..
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك