هائل سلام
إحدى التكتيكات الطغيانية، التقليدية، تتمثل،أساسا، بدفع من يسعى الطغاة لقهرهم وإخضاعهم، الى التماهي بهم ( التماهي بالمعتدي). فمن يذلك - أو يحاول أن يذلك - يجبرك على أن تشبهه، رابطا مصيرك بمصيره، ومحققا إنتقامه منك حين سقوطه.
فلكي يضمن الطغيان لنفسه - على أي صورة كان - تفوقا، نسبيا، يعمد الى دفع من يسعى لقهرهم وإخضاعهم الى زاوية رد الفعل، ليبقى هو في دائرة الفعل محتفظا لنفسه كفاعل بهامش أوسع للمبادأة والمناورة والحركة عموما.
وذلك إعتبارا بأن رد الفعل، عادة مايكون أكثر إنفعالا وتشنجا من الفعل ذاته، مايظهره، بالتالي - أي الطغيان - بوصفه، إن لم يكن الطرف الجيد، فعلى الأقل، الطرف الأقل سوءا.
لهذا فإن إطلاق وصف الدواعش، لايبدو عفويا، بل هو تكتيك مخطط، مدروس، وممنهح. يتغيا - أولا - إستدعاء، إستثارة، وتحفيز " النقيض الأيديولوجي" السيئ، أو - بمعنى ما - الشبيه الأكثر سوءا.
وذلك من خلال أفعال وممارسات طغيانية ممنهجة، مثيرة، محفزة، بل ومنتجة، للنقيض السيئ، أو الشبيه الأكثر سوءا، بغية - ثانيا - إبعاد أو تحييد السواد الأعظم من الخصوم، بقيمهم وأنماط تفكيرهم، التي تمثل تفوقا أخلاقيا كاسحا، وذلك من خلال دفع السواد الأعظم هذا الى دائرة الحرج، بإحراجه بأفعال وممارسات النقيض الإيديولوجي السيئ، أو الشبيه الأكثر سوءا.
الطغيان إذلال. والإذلال يفسد، في مايفسد، القدرة على التفكير المنظم، لدى من يسعى الطغيان لقهرهم وإخضاعهم، إذ غالبا مايلجأ هولاء الى التغلب على شعورهم بالقهر، الى قهر قهرهم، من خلال " التماهي بالمعتدي " نفسه كأوالية نفسية معقدة، قوامها الإستبرار " الشرعنة والتبرير"، بمواجهة المعتدي بأسلوبه، ولكن على نحو أكثر عنفا وتطرفا ، إعتمادا على تبرئة الذات وتأثيم الآخر " المعتدي" وتحميله مسئولية المأزق العلائقي/ الصراعي، وكل الغرم، بوصفه كل الشر.
مشكلة هذه العملية - التماهي بالمعتدي - تكمن في كونها عملية " تهجينية" إذ لا تجعلك " هو " ولا تبقيك " أنت "، بل تصيرك، هجينا مشوها بين، أو من، الإثنين.
بعبارة أخرى، التماهي بالمعتدي، عملية تمثل، في العمق، نوع من إستلاب عقائدي، يحول المتماهي بالمعتدي الى " مسخ " هارب من ذاته، يحل مأزقه الوجودي من خلال التنكر له، معتمدا أسلوب المعتدي، ومضيفا إليه.
مايخلق، أو يساهم في خلق أو تكريس، إيديولوجيا مضادة للتغيير الإجتماعي الجذري، بدلا من التصدي الشجاع، ولكن النبيل، لجذر المشكلة، من خلال قلب معادلة القوة والظلم، والإنتصار الخلاق لقيم ومعايير الحياة.
التحدي الأكبر أمام القوى الشعبية المقاومة لمليشيات صالح/الحوثي الطغيانية المتغولة، لا يتمثل بمحرد الإنتصار عليها، كيفما كان، فحسب (إذ هذا هو الجزء السهل من المهمة، لعوامل وإعتبارات عديدة )، بل هو، الى ذلك، يتمثل بالإنتصار لقيم ومعايير الحياة نفسها، أي بالإنتصار عليها، ولكن دون الوقوع في شراك وأفخاخ التماهي بها على أي نحو، خاصة إذا ما أتسع الصراع وأمتد أمده .
الإنتصار على " العدو" ، بأسلوبه نفسه، إنتصار له هو، وهزيمة لك أنت .
المقاومة كالثورة، فرغم كل الآلام والجراح، لا يجب أن تكون " ضد" (شخص، أشخاص، جماعة، حزب، حركة، فئة، طائفة، منطقة، أو جهة...)، بل " من أجل" ( قيم، مثل، مبادئ سامية، وغايات نبيلة...).
الإنتصار العظيم، حقا، هو إنتصار على الذات ، أي على التماهي والإستلاب. وقد صدق نيتشة بقوله، المنوه به دائما: " وأنت تقاتل الوحوش، حاذر أن تصير وحشا ".
*من صفحة الكاتب في الفيسبوك