رشاد أبو داود
حتى العيد صار أحمر، لكأنه لا يكفينا الأحمر في الشوارع وعلى أعواد المشانق، وعلى دفاتر التلاميذ في المدارس. هؤلاء سقطت على مدرستهم قذيفة، وأؤلئك قذف بأشلائهم صاروخاً من ذاك المحشو بالموت.
ربما اليوم عيد الفطر، وربما نختلف أيضاً عليه. فما نزال نثق بالعين المجردة ونرفض عين العلم، نحن الذين نمارس نتاج من علمناهم ذات تاريخ علوم الطب والجبر والهندسة والكيمياء. رحمكم الله يا أجدادنا: الجبرتي والرازي وابن سيناء وجابر بن حيان وابن النفيس وآخرون أسسوا لهذه العلوم فيما كان العالم يتخبط في جهالة القرون الوسطى.
نحن جميعاً مرضى. استفحل السرطان الجسد والأرض والدم والروح. لم يعد يجدي فينا دواء ولا خطط ولا سياسة ولا«عنطزة» كتلك التي كان يمارسها القذافي وعلي عبدالله صالح. أصبحنا كالخل «دوده منه وفيه» فيما ديدان الأرض تنهش لحمنا وأعراضنا وبقائنا. إنهم يمحون خطوط الطول والعرض بين أقطارنا ليس ليوحدوها كما كنا نحلم، بل ليقسموها من جديد، احفاد سايكس
وبيكو، ونحن على المشرحة عاجزون حتى عن الصراخ من الألم. إنهم لا يكتفون بتمزيق النسيج العربي سياسياً ومجتمعياً وتاريخياً بل يحفرون عميقاً في تاريخنا ليهدموا بمعاول الظلام كل أثر حضاري وحتى ديني قام على الأرض العربية.
ونحن كمن يغرق في الرمل، يخفي رأسه حتى لا يرى ما يذبح من جسده، وليت ما يخفيه فكره. بل هو الخوف والخوف من الخوف بلا مبرر. هل تخيل أحد حجم قوة العرب، فيما لو كانت لهم دولة واحدة؟ فإجمالي الناتج القومي المحلي سيكون 5 تريليونات، و990 ملياراً سنوياً، مما يجعلها في المرتبة الرابعة بعد الولايات المتحدة والصين، والاتحاد الأوروبي! تغطية 8 في المائة من الصحراء الليبية بخلايا شمسية يكفي لإنتاج 20 مليون ساعة/ غيغاوات، وهو يساوي كامل احتياجات الكرة الأرضية من الكهرباء! عدد السكان سيكون 385 مليون نسمة، وهي المرتبة الثالثة بعد الصين والهند.
أما المساحة الإجمالية فستكون 3 ملايين و500 ألف كيلومتر مربع، وستكون في المرتبة الثانية بعد روسيا الاتحادية! القوة العسكرية ستكون على النحو التالي: 4 ملايين جندي، 19 ألف دبابة، 9 آلاف طائرة حربية، و4 آلاف طائرة مروحية، و51 ألف سيارة حربية! إنتاج النفط سيكون 24 مليون برميل يومياً، وهو يعادل 32 في المائة من الإنتاج العالمي! هذه خلاصة إنفوغرافيا أعدها بشير مريش، جمعها بالحروف والأرقام من تلك الرسمة للكاتب الزميل حلمي الأسمر، توضح وتجيب على سؤال : لماذا يحاربوننا ؟؟
نحن أهل العلم والمعرفة، ونحن من أضأنا العصور الوسطى لكننا نسينا قول جدنا ابن خلدون إن الهندسة تفيد صاحبها إضاءة في عقله، واستقامة في فكره؛ لأن براهينها كلها بَيِّنَة الانتظام، جليّة الترتيب، لا يكاد الغلط يدخل أقيستها؛ لترتيبها وانتظامها؛ فيبعد الفكر بممارستها عن الخطأ، وينشأ لصاحبها عقل على ذلك المهْيَع (أي: الطريق أو النسق). وقوله :كان شيوخنا - رحمهم الله- يقولون: «ممارسة علم الهندسة للفكر بمثابة الصابون للثوب الذي يغسل منه الأقذار وينفيه من الأوصار والأدران. إنها القلية السليمة التي تبنى على النظام لا على الفوضى وعلى النور لا الظلامية التي تمارسها داعش باسم الإسلام.
أما في الطب فقد نشرت مؤخراً مقالاً أوضحت فيه كيف وضع الأطباء والعلماء العرب أسساً للممارسة الطبية والهندسة المعمارية في أوروبا من خلال امتداد الحضارة الإسلامية من الهند في الشرق إلى المحيط الأطلسي في الغرب.. وجاء في المقال إن الحضارة الغربية كانت ستبدو مختلفة جداً من دون إرث من العلماء المسلمين في بغداد، القاهرة، قرطبة، ومن حيثما انتشر الإسلام. وقد وصلت عملية الترجمة ذروتها مع تأسيس «بيت الحكمة» من قبل الخليفة العباسي المأمون في بغداد في 830. وحققت العربية،أهم لغة علمية في العالم لعدة قرون، حفظ المعرفة التي لولاها لضاعت تلك العلوم إلى الأبد، وغير ذلك الكثير.
لكن قدر العرب أن يقعوا في شر الفتن وتذهب ريحهم سدى. ففي الشرق، ظهرت قوى جديدة: أولا المغول الذين دمروا بغداد في 1258، أعظم المدن العربية في تلك الأيام، وفي وقت لاحق الأتراك العثمانيون، الذين أخضعوا أجزاء كبيرة من العالم العربي إلى امبراطوريتهم الجديدة ابتداء من القرن الرابع عشر وقد أضعفتها الصراعات الداخلية والنزاعات الأهلية، كما احتلت معظم المدن الإسلامية في إسبانيا من قبل الجيوش المسيحية في القرن الرابع عشر واستسلمت آخر دولة إسلامية في إسبانيا، غرناطة، إلى الأسبان في عام 1492. ومازال العلماء يتحدثون عن تراث الحضارة الإسلامية في تلك البلاد.
هل أخذتنا عزة العرب القدامى بإثم عرب اليوم؟ ربما. وربما أيضاً أن ما أضعف العرب قديماً هو الذي يضعفهم اليوم. نعني الفتن والفرقة و ...الأعداء أنفسهم!
*نقلا عن البيان