مندب برس - الجزيرة نت
ثارت محادثات مغلقة بينجماعة الحوثي اليمنية ووفد أميركي خاص جرت في مسقط خلال الأسابيع الماضية، الكثير من التساؤلات حول العلاقة بين جماعة الحوثي المسلحة والولايات المتحدة الأميركية، وتأثيرها على المشهد في اليمن.
وصل الحوثيون مسقط بطائرة خاصة أقلتهم من صنعاء بترتيب أميركي مع دول التحالف العربي التي تفرض حظرا جويا على اليمن منذ بدء العمليات العسكرية الجوية بطلب من الحكومة الشرعية اليمنية إثر انقلاب مسلح نفذه الحوثيون مع حليفهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
ورغم أن هذه الجماعة كانت قد رفضت الدخول أو المفاوضات مع الحكومة الشرعية وباقي الأطراف السياسية برعاية خليجية قبل بدء الضربات العسكرية الجوية، فإنها وافقت على محادثات مباشرة مع الأميركيين بعد إعلان الخارجية الأميركية ذلك من خلال تكليف نائب وزير الخارجية بالسفر لمسقط، وهو أمر مستغرب من جماعة تحمل شعار “الموت لأميركا” وتصف ضربات التحالف العربي بالعدوان السعودي الأميركي، كما أنها تعتمد في تعبئتها الشعبية والقتالية لأنصارها ومقاتليها على خلق روح الكراهية والعداء لأميركا.
هذه المحادثات المثيرة للتساؤلات والمليئة بالتناقضات تلقى انتقادات واسعة من الشارع اليمني، باعتبارها دعما أميركيا غير مقبول للحوثي واعترافا بجماعة طائفية انقلبت على إرادة الشعب اليمني وحكومته الشرعية ومارست كل أنواع العنف تجاه مختلف القوى الاجتماعية والقبلية.
كما أن أطرافا يمنية ودولية ترى في المحادثات محاولة للحفاظ على الحوثي كقوة في اليمن، ولا تمانع هذه الأطراف أن يكون الحوثي طرفا سياسيا غير مسلح خلال الفترة القادمة، لكن دافع الاعتراضات على هذه المحادثات يأتي من كون الحوثيين يدخلون المباحثات وهم في حالة انقلاب مسلح أدخل اليمن في دوامة صراع يهدد أمن المنطقة والعالم، ودفع بالحكومة لمغادرة اليمن وممارسة مهامها من دولة مجاورة.
كما أن هذه المحادثات تحمل تناقضا مع القانون الدولي، إذ تأتي مع امتناع تحالف الحوثي صالح عن تنفيذ القرار الأممي 2216. ويرى الكثير أن لا جدوى من مباحثات مع جماعة يشير تاريخها إلى عدم احترامها والتزامها بأي اتفاقات سابقة، كما يعتبر البعض هذه المحادثات تجاوزا أخلاقيا وقانونيا بالنظر لسلوكيات جماعة الحوثي فيما يتعلق بحقوق الإنسان، حيث تستمر في قصف المدنيين وتقوم بتفجير منازل خصومها السياسيين وتحتجز الصحفيين والسياسيين المعارضين في مواقع عسكرية مستهدفة، أدت مؤخرا لمقتل صحفيين يعملان لقناتي يمن شباب وسهيل اليمنيتين.
يبدو مفهوما سبب قبول الحوثيين لهذه المباحثات مع عدوها الأكبر، لإنقاذ نفسها من هزيمة إن لم تكن وشيكة فإنها مؤكدة بسبب افتقارها للشرعية والرفض الشعبي والإقليمي لها، والذي تحول إلى مقاومة شعبية مسلحة وغطاء جوي عسكري تنفذه عشر دول عربية بقيادة السعودية.
ولكن ما ليس واضحا تماما لماذا اتجهت أميركا لمباحثات مع جماعة تصنفها إرهابية؟ هل يمارس الأميركيون في هذه المباحثات ضغوطا على الحوثيين لتطبيق القرار الأممي 2216، أم يسعون لإنقاذ جماعة الحوثي عبر إدخالهم في حوار مع الحكومة الشرعية “المنفية” يكفل بقاءهم قوة أساسية في مستقبل اليمن؟
وفي حال كان الهدف منها إنقاذ الحوثي، فكيف سيبرر الأميركيون لأنفسهم التعاون مع جماعة ترفع شعار الموت لأميركا وتمارس التعبئة العدائية العامة تجاه كل ما يتعلق بأميركا، كما أنها حركة تمثل ذراعا عسكريا لإيران، الدولة التي تمثل تهديدا لحلفاء أميركا من دول الخليج من ناحية، ولأميركا نفسها التي لم تغلق الملف النووي الإيراني حتى اللحظة، حتى مع انفتاح سياسة أوباما على إيران والتي لا تزال محل اعتراض لدى كثير من صناع القرار الأميركي.
يرى البعض أن لأميركا دافعين للمحافظة على الحوثي. الأول: محاربة تنظيم القاعدة، فالحوثيون يقدمون أنفسهم للأميركيين باعتبارهم قادرين على القيام بمهمة محاربة القاعدة في اليمن بدلا من حليفهم الرئيس السابق صالح الذي قال إنه لا يعرف شيئا عن محادثات مسقط ولم يُدع لها، مما يعني في نظر البعض توجها أميركيا لاستبداله بحلفائه الحوثيين. ولكن إلى أي مدى يمكن اعتبار الحوثي طرفا يمكن الاعتماد عليه لمحاربة القاعدة.
فالاعتماد الأميركي على الحوثي لمحاربة القاعدة سيكون تكرارا لنموذجين فاشلين سبق للأميركيين التعامل معهما. الأول هو حليفهم السابق في اليمن لمحاربة القاعدة الرئيس السابق علي صالح الذي تبين أنه كان متفاهما وداعما لتنظيم القاعدة في اليمن، وفقا لكثير من المعلومات والدلائل كان آخرها ما ورد في فيلم استقصائي بثته قناة الجزيرة وروى شهادات لأعضاء سابقين في القاعدة تؤكد تلقيهم دعما ماليا ولوجيستيا من صالح لتنفيذ عمليات للقاعدة، منها الهجوم على السفارة الأميركية. وقد أظهرت الاستقصاءات أن صالح كان يستخدم القاعدة لطلب الدعم الأميركي ولمحاربة خصومه.
هذا السلوك تكرر مبكرا مع الحوثيين، حيث وجهت الطائرات المسيَّرة (الدرونز) ضربات جوية لمواقع قدمها الحوثي للأميركيين على أنها مواقع للقاعدة، في حين تؤكد القبائل أنها مواقع لها لمواجهة تمدد انقلاب الحوثي.
ومع الإشارة إلى التحالف الحالي بين صالح والحوثي، فإن هذا السلوك يعطي مؤشرا لتبني الحوثي طريقة حليفه صالح بدعم القاعدة لاستثمارها، ولكن سيبقى التساؤل الأخطر حول احتمالية معرفة الأميركيين بذلك وتواطؤهم مع ذلك، ويدعم هذه الاحتمالية تصفية القيادي الأول للقاعدة في اليمن ناصر الوحيشي الذي لم تتم تصفيته من قبل الأميركيين إلا بعد أن كشف فيلم مخبر القاعدة علاقات وثيقة بين نظام صالح وقيادات القاعدة.
الثاني أن اعتماد الأميركيين على قوى شيعية عراقية لمحاربة القاعدة أدى إلى نشوء تنظيمات أقوى كتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأي تقدم تحقق في محاربة داعش كان بتحالف مع القوى السنية المعتدلة، رغم أن للشيعة تواجدا أقوى وحضورا أكبر في الشارع العراقي. وكون الحوثيون أقلية شيعية في اليمن فإن الاعتماد عليها في مواجهة تنظيم متطرف ينتمي إلى طائفة الأغلبية قد يؤدي إلى نتائج عكسية.
في المقابل شكل التدخل العسكري لدول التحالف العربي لمواجهة انقلاب الحوثي وصالح مخرجا آمنا قطع الطريق على انتشار القاعدة بالاستفادة من الغضب الشعبي الكبير، وسدا لفراغ كبير أمام جماعات العنف التي كانت ستنشأ تلقائيا لمواجهة عنف الحوثي وصالح، وهذا مكسب ينبغي الحفاظ عليه للإبقاء على شكل الدولة البسيط وعدم تحللها كما حصل في دول كالصومال.
الشعب اليمني أثبت أيضا أنه لا يقبل فكر تنظيم القاعدة، إذ برغم كل ما مر به فإن نشاط القاعدة في اليمن لا يزال محصورا بعمليات محدودة مستفيدا من الوضع الاقتصادي المنهار، وبالتالي فيمكن محاربة جماعات العنف بتحقيق الأمن الاقتصادي للشعب اليمني، وهو موضوع يعول على تحقيقه خليجيا وبالتالي يجب عدم استفزاز هذه الدول بتهديد أمنها.
إن تلك المباحثات تأتي في سياق التفاهمات الأميركية الإيرانية، ولا يخفي اليمنيون تخوفهم من أن محادثات مسقط ستراعي المصالح الأميركية والإيرانية وستضر بمصالح الشعب اليمني، فالشعب اليمني ترتبط مصالحه بشكل مباشر ورئيسي مع دول الخليج العربي وخاصة السعودية (أكثر من مليوني يمني مغترب فيها) ويعول الشارع اليمني على الخليج في مساندة الاقتصاد اليمني وتحقيق الأمن الغذائي وإعادة الإعمار، ويرى أن ذلك لن يتحقق إذا أدت مباحثات عُمان لخطوات تخدم إيران ولا تعيد الشرعية لليمن وتبقي التهديد الحوثي لأمن اليمن و دول الخليج العربي قائما.
يمكن لمحادثات مسقط أن تساهم في الحل إذا أدى الضغط على الحوثي إلى الالتزام بتنفيذ القرار الأممي 2216، كما يمكن أن يكون كارثيا إذا عجزت أميركا عن تحقيق ذلك، واتجهت للضغط على الحكومة الشرعية للقبول بحوار لا يكون تحت سقف القرار الأممي.
وهنا يجدر التحذير من أن أي حوار يعود باليمنيين إلى ما قبل القرار 2216 سيمثل انتكاسة للشارع اليمني، وقد يؤدي لمزيد من الاضطرابات الناتجة عن الرفض الشعبي الكبير للحوثيين كجماعة مسلحة، وقد يتطور الوضع إلى رفض الشارع اليمني لأي اتفاقات تقوم بها الحكومة والأطراف السياسية بعيدا عن مخرجات مؤتمر الحوار الوطني والقرار 2216، وهو ما أكدت عليه المقاومة الشعبية المسلحة سابقا.