جلال الدين دوران
لم تهدأ هذه المنطقة منذ حرب البلقان وسقوط الخلافة وانهيار الدولة العثمانية. تمزّقت أراضيها وامتلأت بالخلافات الفارغة. وأصبح الانطباع الخارجي عن أراضينا ملخّصا في الصراعات السياسية الجغرافية المذهبية. بإمكاني كتابة نقض لكل هذه الصفات التي طُبعت على عالمنا ولكن لا أعلم إن كان بإمكاني تغيير هذا الانطباع.
السعودية وإيران تشكّلان طرفي الصراع السياسي الجغرافي العقائدي الذي ساقتنا إليه الحضارة الغربية لتطيل عمرها. وإن كانت هذه الحرب تبدو باردة فإنها تتحوّل إلى حرب حقيقية بين الحين والآخر. فكلا الدولتين تخوضان حرب قوة مفتوحة في لبنان وسوريا والعراق.
فتستخدم إيران قواتها العسكرية المتمثلة بالتنظيمات (كحزب الله والحوثيين) وتستخدم السعودية أدواتها الدفاعية ، وكلا الدولتين لا تخوضان الحرب بشكل مباشر. والآن جبهتهم الجديدة هي اليمن.
تسمى اليمن في جميع الكتب ، من كتب الإغريق إلى كتب روما باليمن السعيد. حيث أنها غنية جدا بثقافتها وواحاتها وأراضيها الخصبة. ولها أهمية استراتيجية في التاريخ لإشرافها على خليج عدن. ولكن رغم كل هذا فإن اليمن من أفقر الدول العربية.
فاليمن مقسومة انقساما مذهبيا إلى قسمين. يسود فيها الزيديون في الشمال والسنة في الجنوب. كانت مقسومة قبل 1990 إلى مستشرقين وإسلاميين. وبعد 1990 توحّدت الدولة بقيادة علي عبد الله صالح. وفي القرن الواحد والعشرين أصبحت اليمن مقرّا نشأت فيه ولجأت إليه الكثير من الجماعات المذهبية.
واليمن دولة تتغيّب فيها سلطة الدولة وتحكمها العشائر والجيش والمذاهب. وقد تَوضّح هذا الوضع بشكل أكبر بعد 11 أيلول حين ظهر تنظيم القاعدة واتسع بسرعة كبيرة. وبين الشيعة الحوثيون الزيديون ازدادت قوة أنصار الله أو من يسمون بالشباب المؤمن.
ورغم أن القوة الأكبر بيد الحوثيين إلا أن انقلابهم المفاجئ في فترة الربيع العربي تسبّب بتوسّع القاعدة في المنطقة بشكل أكبر. أما السعودية التي تدخّلت في الأزمة اليمنية فإن هدفها هو إعاقة استيلاء إيران على الوطن العربي وشبه الجزيرة العربية تحديدا.
أما إيران فكانت تسعى إلى الاستيلاء على شبه الجزيرة العربية والتحكّم في خليج عدن. ولهذا كان انقلاب الحوثيين أو إيران الذي جاء في فترة الربيع العربي مستفيدا من الأزمة اليمنية مهما جدا في تغيير موازين المنطقة.
والمشكلة الحقيقية هنا هي أن القوى العظمى تمكّنت من السيطرة على العالم الإسلامي مستفيدة من انشغاله بصراعاته المذهبية الداخلية. والآن بإمكان أمريكا تقسيم اليمن بهدف الاستيلاء على حقول البترول فيها وفي شبه الجزيرة العربية وأفريقيا.
وبهذا ستكون قد ضمنت استمرار الفوضى في المنطقة وتمكّنت من تنظيمها كما تشاء. ومن المحتمل أن يقوم الغرب وأمريكا بتقوية الجبهة السنية كلما سيطر الشيعة وتقوية الجبهة السنية كلما سيطر الشيعة لتستمر الفوضى.