عارف أبو حاتم
تحركت أذرع صالح والحوثي في كل اتجاه في فترة المشاورات اليمنية في جنيف، وإلى الأمام منهما كانت أميركا تؤدي وظيفة المايسترو في الحفلة، وتضغط على الطرف الممثل للسلطة الشرعية بالتنازل والجلوس مع الجماعة الحوثية باعتبارها مكونا سياسيا وليس سلطة بمواجهة انقلابيين.
ويعني هذا الأمر الانقلاب على القرار الأممي 2216، ويعني أيضا تقويض شرعية الرئيس هادي إذا ما تم الاعتراف بقوة الحوثي المسيطرة على الأرض، وبالتالي لا حق إلا لمنطق القوة، حتى وإن كان بقوة السلاح.
النجاة من الضغوط
التعبير أعلاه سمعته من أحد أعضاء الوفد اليمني بجنيف، قاله لي أثناء عودتهم إلى الرياض، وهو تعبير يشير إلى كم ونوع الضغوط الدولية التي مارستها سفارات ومنظمات غربية على الوفد اليمني الممثل للشرعية، للتنازل للحوثيين والجلوس معهم على طاولة حوار واحدة، بصيغة المكونات السياسية التي تساوي بين الجلاد والضحية، ولا تضع اعتبارا لقيمة الدولة اليمنية، ولا تلزم الطرف المتمرد بشيء.
في حين عكس تماسك وفد الشرعية التزامه بما جاء في دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إذ ورد في نص دعوته للرئيس هادي "إن هذه المشاورات الأولية تهدف أولا وقبل كل شيء إلى وضع نهاية للصراع وتخفيف المعاناة الإنسانية، وأي اتفاق عنها سيكون وفقا لمسار الانتقال السياسي المحدد في مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما فيها القرار 2216".
وهذا يعني أن الطرف الضاغط باتجاه التنازل لمليشيا الحوثي يريد الانقلاب على القرارات الأممية وإفراغ القرار 2216 من مضمونه، ومن ناحية أخرى يريد تثبيت واقع شرعي معترف به للحوثيين.
فالإدارة الأميركية تتعامل مع الحوثيين كشركاء في المستقبل، ومن وجهة نظرها سيكونون هم الأداة الأنسب لنشر الفوضى في كل الخليج، والقضاء على الحركات الإسلامية المتطرفة والمعتدلة.. وفشل جنيف لا يعني إغلاق باب الحلول للأزمة اليمنية، إذ ما زال في الوقت متسع لجولات أخرى، لعل من بينها ضغط أميركا باتجاه جنيف2 يكون حوارا للمكونات السياسية، الذي فشلت في الترتيب له في الجولة الأولى من المشاورات.
الترتيب للفشل
وفد الجماعة الحوثية وصالح شمل 22 عضوا أرادوا التفاوض كمكونات سياسية، وزادوا في تضليلهم أن عقدوا مؤتمرا صحفيا بمقر نادي الصحافة السويسري، وجاء في بطاقات الدعوة اسم القيادي الحوثي علي العماد متحدثا باسم الحراك الجنوبي!.
الترتيب للفشل كان مبيتا منذ تأخرهم يوما كاملا في جيبوتي وتغيبهم عن جلسة الافتتاح التي حضرها الأمين العام بان كي مون، وشدد فيها على التحاور تحت سقف المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والقرارات الأممية بما فيها القرار 2216.
إن فشل المشاورات هنا لا يعني غير شيء واحد، وهو أن على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الإسراع في التطبيق الفوري للقرار 2216 الذي صدر تحت الفصل السابع، لأننا أمام مليشيا لا تضع اعتبارا لقيمة أو مرجعية، فقد وصفت المبادرة الخليجية بـ"المؤامرة" والقرارات الأممية بـ"غير الملزمة".
وحتى أثناء جلوسهم مع المبعوث الأممي لترويضهم على فكرة القبول بالتحاور سبعة مقابل سبعة، كان أفرادهم يفجرون منزل عضو وفد الشرعية عبد العزيز جباري وشقيقه جمال، في ذمار وسط اليمن.
وتزامنا مع مشاورات جنيف ظهر قاسم الريمي الأمير الجديد لقاعدة جزيرة العرب يقول إنهم يقاتلون الحوثيين الشيعة في 11 محافظة، وبعده بيومين خرج زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي يقول "نحن نقاتل القاعدة في 11محافظة"، وبعد الخطابين المتطابقين شهدت مساجد صنعاء سلسلة تفجيرات حصدت عشرات الأرواح من اليمنيين، تبناها تنظيم داعش في أول ظهور له في اليمن، وهو بالتأكيد يتبع نفس ماركة المنتج الصناعي للحوثي والقاعدة، حيث لا "داعش" في اليمن، وإنما الموجود هو القاعدة بفروعه المتعددة.
أراد منفذو سلسلة التفجيرات أن يقولوا للرأي العام الغربي لا مناص من دعم الحوثيين في مواجهة الإرهاب، فهي تقدم نفسها بأنها القائم بدور المقاول الوحيد والحصري للغرب في القضاء على الإرهاب في اليمن، بل وتصفية جميع الحركات والأحزاب الدينية المعتدلة، كحزبي الإصلاح الإخواني والرشاد السلفي، غير أن من يقفون وراء الستار لم ينتبهوا لشيء مهم، وهو أن وجود الحوثيين زاد في قوة "القاعدة" ولم يضعفها، ودفع الناس دفعا للتعاطف معها، والوقوف إلى جانبها.
بل واستقطب إليها عددا من الشبان المتدينين والكارهين لجرائم الحوثي وأفعاله، ولو زال السبب لزالت النتيجة.
أما الأسبوع الذي سبق مشاورات جنيف فقد كان حافلا بالمآسي، إذ حاولت مليشيا صالح والحوثيين تثبيت واقع السيطرة على الأرض، ونشبت مخالب قسوتها في محافظات تعز وعدن والضالع ومأرب، وقصفت بعنف، دون مراعاة لحرمة شيء، حتى تفاوض من منطق قوة وغلبة، باعتبارها سيدة الأرض.
وأيا كانت نتائج مشاورات جنيف فلا أحد خاسر سياسيا وقيميا وأخلاقيا مثل الحراك الجنوبي والحزب الاشتراكي اليمني، اللذين ظلا يقدمان نفسهما كرافعتين سياسيتين للقضية الجنوبية، ثم انكشف أن قادتهما ضمن وفد الحوثيين في جنيف.
اليمن بعد ويكليكس
لا يمكنني مطلقا الفصل بين فشل مشاورات جنيف وتسريب وثائق المخابرات والسفارات السعودية وما يعتمل في اليمن، بل أجدني مندفعا إلى حيث تستتر نظرية المؤامرة، وتنتظر فرصتها للانقضاض على القوة السعودية المسيطرة على مجريات الأحداث في اليمن.
فدول التحالف وفي المقدمة منها السعودية لن تهادن في أمن واستقرار الخليج، والبحث عن خيارات أكثر براغماتية، وتوجه ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع محمد بن سلمان إلى روسيا كان لكبح جموح الضغط الأميركي المنصرف كلية -في الخفاء- لصالح إيران.
وثائق المخابرات والسفارات السعودية التي نشرتها ويكيليكس كانت تأديبا أميركيا للإدارة السعودية الجديدة التي بدت حريصة على أمنها القومي، ومتمردة على طاعة أميركا، التي أوصلت الحوثيين وذراع إيران العسكرية إلى جنوب المملكة.
الدبلوماسية السعودية التي تحركت شرقا هذه المرة واستطاعت ترويض الدب الروسي، وألجمته بـ6 اتفاقيات منها 16 مفاعلا نوويا سلميا سيكون للروس نصيب الأسد منها أغضبت الإدارة الأميركية البارعة في التجسس والتنصت، وأخرجت نزرا يسيرا من وثائق تعتقد أنها ستضغط من خلالها على السعودية.
مصالح الدول لا تبنى على التهديدات، وأيا كانت الوثائق المسربة فلا يمكن أن تكون بموازاة التضحية بالأمن القومي للمملكة.. الوثائق عملت شيئا واحدا فقط هو تعرية الموقف الأميركي من أمن الخليج، والإفصاح عن مدى تقاربه مع مصالح إيران والحوثيين.
ولعل التجديد في الخيارات والتحالفات السعودية هو ما سيجعل الروس يقفون داعمين لتطبيق القرار 2216 لإنهاء الأزمة اليمنية، خاصة بعد أن اتضح عرقلة وفد صالح والحوثيين في جنيف، وهذا التجديد نفسه في السياسة الخارجية للسعودية هو ما سيجعل واشنطن تبحث في خيارات ومواقف ترضي حليفتها الرياض أو على الأقل ترمم الفجوات التي بدأت تظهر في العلاقات الثنائية بينهما.
فأميركا لن تضحي بمملكة القوة الاقتصادية في الشرق وعاصمة النفط العالمية، ورأس العالم الإسلامي، في سبيل البقاء على الحوثيين، وفي الوقت نفسه ستسعى للبحث عن صيغة تحفظ للحوثيين شيئا من القوة والحضور في المشهد السياسي اليمني، وما بين المشهدين ستعيش الإدارة الأميركية حالة ارتباك مستفزة من يقظة الموقف السعودي.