عمار زعبل
أليس للحرب قوانين يا أبي؟ نعم يا بني، للحرب قوانينها، ولكن عندما يخوضها رجال. حضرت الحرب وغابت القوانين، والرجال وأنصافهم أيضاً.. هكذا يقول أبناء تعز، المقاومون لحرب عبثية فرضتها عليهم ميليشيا طائفية ونظام سابق يتشبث بشبح القتل، ليبقيه حاكماً أبدياً وأنّى له ذلك. محمد الوليدي رجل في منتصف العمر، لم يتسن له أن يكمله في مدينته الحالمة، فرصاصة قناص كانت تتربص به على موعد وسبق ترصد لكل ما يتنفس في مدينة تعز، وكانت روح محمد شاهدة على جبن الحوثيين وقوات صالح.
كان يحب الحرية كما قالت أخته وفاء، لم يكن يدرك الحياة برمتها، "يعاني من مرض نفسي"، لم يكن يعشق سوى المشي والرسم والكتابة على الجدران والأوراق وكل شيء يجده أمامه، من دون ترتيب أو تنسيق أو إدراك. فقط يكتب ويرسم، بأي ذنب يقُتل، قتل في المكان الذي دائماً يتردد عليه ويحبه.
عمر عبد الغني، طفل ذو 10 سنوات تقريباً، نزح وأهله إلى إحدى القرى المطلة على تعز التي من السهولة أن تصل إليها قذائف ودبابات الحوثيين وحلفائهم الذين يتربصون بكل شاردة وواردة في مدينةٍ كانت لا تنام، حتى روح عمر الصغير الذي يعشق الحياة، فكتب له النزوح، لكنه أراد أن يذكّرنا بأنه إذا كًتب عليك النزوح فانزح إلى الموت الجميل، لا تبتعد عن الوطن، فسيقتلك الألم.
ابتعد عمر وكثيرٌ مثله عن الألم اليومي الذي تعايشه الأسر في عدن وتعز وكل مكان تصل إليه يد الموت الجهنمية التي قدر لها العبث إلى حين. مئات القتلى وآلاف الجرحى حصيلة الحرب على المدنيين، 339 قتيلاً في تعز، كما قالت منظمات حتى 22 من شهر يونيو/حزيران الحالي، وعدد الجرحى وصل إلى التاريخ نفسه 3530 جريحاً.
هي حرب قذرة يقرأها اليمنيون، وصاروا يرددونها تكراراً بأن الحوثيين وقوات صالح أرادت أن تنتقم من المدنيين العزل، أرادت أن تنتقم من النساء والأطفال والمعاقين. إنها تشن حرباً لا هوادة فيها على المدنيين والضعفاء فقط، انهزمت أمام المقاومة التي تقاتل بشرف وبرجولة.
قتلى كثيرون حصدتهم آلة الموت الحوثية، تركوا جرحى ينزفون في الشوارع والأزقة. صعدت أرواحهم وهي تلعن القتلة. محمد الوليدي تُرك، هو الآخر، من الليل حتى الصباح مضرجاً بدمه من دون رحمة، أو حتى سماح لفرق الإسعاف التدخل.
عكس ذلك يعمل المقاومون، فكما يقول متابعون إنهم يتصرفون بإنسانية كبيرة أمام من يعتقلونهم من الحوثيين أو يجدونهم جرحى، إذ يعملون على نقلهم إلى المستشفيات. وهنا الفرق، هنا الرجولة التي غابت في حربٍ، طرفها الأول معتد، أراد أن يقضي على كل شيء، فقضى على معان جميلة، كان يفخر بها اليمنيون.
،العربي الجديد،