عبدالرحمن بجاش
لا يستطيع أحد أن ينكر أننا نعيش لحظة عدم يقين فارقة, ومع كل الألم وكل التيه, وكل الأسئلة الكبيرة, إلا أننا لاعتبارات ما تعودنا على التحمل, يبدو أن ما في اليد حيلة, طالما ونخب هذه البلاد تعيش هاجسها لوحدها, أو هي حانبة بعدما أوصلتنا إلى الحنبة.
ومع كل الحنبة وحالة التيه فلا يزال الناس صامدين, متحملين, حالمين, آملين, لكن ما حدث في رداع أمس وعكسته صور تدمي القلوب فتحولنا إلى آلات لا إحساس لها إن لم نستنكرها ونُدِنْها, ونحس بالخجل إزاء الذين قتلوا هكذا بلا ذنب وخاصة الطالبات, هنا حيال ما حدث فلا يسعنا أن نستحمل أو نبرر أو نجد العذر, فما حدث لا يرضي الله ولا رسوله ولا كل ذي عقل, وانظر فكأنما سيول الدم تتواصل، فـ126 تلميذاً في الباكستان أيضاً يقتلون, ما يعني وببساطه أن العقل قد أخذ إجازة وبدون أجر, لتحل معه قيمة النقمة والحقد, ولكن تجاه أبرياء تدمي أشلاؤهم العقول والقلوب وتهتز له نفوس حتى الحيوانات والطيور وكل دابة على الأرض.
ماذا يمكن لنا أن نقول إزاء شلال الدم الذي يسفك يمنياً، وكأن الحياة أصبحت عبثاً حيث الطلب إلى كل من بيده سلاح أن يقتل ويقتل تخلصاً من حياة يُراد لها أن تتحول إلى عبء, هي المرارة نطعمها بألسنتنا وقلم يكتب "سيحاسبنا الله على أننا عشنا في هذه البلاد", عبارة حملت كل معاني الوجع الذي لا يحده حدود, فحين تكون مستعداً لأن تتحمل كل العسر, ويأتي عسر أشد منه, فيعني أنك وصلت إلى الحد الذي لا حد بعده, وما حدث في رداع سيوصلنا إلى ما بعد الألم وما بعد الوجع بمسافات.
قل هو الوجع الذي يشل أفق الحياة من أذهاننا, ويحولنا إلى مجرد أشباح لا علاقة لها بالحياة التي هي حكمة رب العالمين, وسرًه, هذا المسكين الذي قتل الطالبات اللواتي معظمهن يكن جائعات, كيف يرى المشهد الآن, كيف يفكر؟ بماذا يحدث نفسه؟ هل شرعن أو شُرعن له ما قام به وكيف؟ هل يستطيع أن يمشي في الطريق العام وأثر الدم لا يزال جافاً على الجدران؟ والخوف والهلع لا يزال بادياً على الوجوه، علً سيارة أخرى, علً حزاماً ناسفاً في الجوار يستعدان لقتل الحياة, علً رشاشاً آلياً يترصًد الإنسان في المنحنى.
لأول مرة ربما لا اجد الكلمات تطاوعني وتعبر عن مشاعري في هذه اللحظة التي تحولت الأرواح إلى مجرد أكوام من لحم على سيارة شاص, لا أدري هل أبكي رداع وأنا صاحب أناسها الكرام, أو أبكي البيضاء المغًيبة أصلاً, هل أبكي بلداً في مفترق طرق لم يحدد اتجاهه إلى اللحظة, أخشى القول في لحظة يقتل فيها الأطفال أننا جميعاً بالأصل ميتون وإن كنا لا نزال نمشي على الأرض!