ياسين التميمي
انعقد لقاء جنيف بين الأطراف اليمنية، وانفض على فشل متوقع ومستحق، نتيجة غياب أية إمكانية لالتقاء الأطراف على خط أساس مرجعي بشأن تقرير مصير اليمن.
يعود جزء مهمٌ من سبب فشل جنيف إلى انعقاد اللقاء نفسه بدون رؤية واضحة، والدليل أن هذا الفشل قوبل بكثير من التفاؤل غير المبرر من جانب الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، على نحو يثير الشك والريبة في مغزى انعقاد اللقاء، وهذا الإصرار على إبقاء جنيف مسارا مفتوحا على مزيد من اللقاءات والمشاورات.
خلال انعقاد جنيف حدثت تطورات هامة، على الساحة اليمنية، وأرسلت إشارات ذات مغزى.. الحدث الأول هو مقتل زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، ناصر الوحيشي في ظروف ملتبسة على الرغم من الحديث عن أن مقتله وقع بعد غارةٍ لطائرة أمريكية بدون طيار.. الحدث الثاني وقوع سلسلة انفجارات استهدفت مساجد ومقرات لقيادات حوثية، في العاصمة صنعاء. أما الحدث الثالث، فكان أن قام تنظيم القاعدة في مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت بإعدام من زعم أنهما عميلان لنظام آل سعود.
اللافت في بيان النعي الصادر عن تنظيم القاعدة المفترض في جزيرة العرب، فقرة وردت غريبة عن السياق، تفيد تلك الفقرة بأن مقتل الوحيشي حدث في "ذروة انشغال التنظيم بمقاتلة الحوثيين والرئيس المخلوع في اثني عشر جبهة"، ولم يتحدث بعد ذلك عن الحوثيين والرئيس المخلوع، قدر حديثه عن عملاء أمريكا في المنطقة.
لا يوجد في قاموس الجهادية السلفية مكان لمصطلحات من قبيل "المخلوع"، كما لا يمكن تجاهل الإشارة اللافتة إلى "آل سعود" في بيان إعدام العميلين المفترضين، ولا أرى فيما جاء في بيان نعي زعيم تنظيم القاعدة، وفي بيان الإعدام، سوى رسالة مررها المخلوع صالح نفسه، ليعزز من قناعة الجميع أنه ومليشيا الحوثي يحاربون تنظيم القاعدة نيابة عن الغرب والعالم المتحضر، وأن إبقاءه لاعبا مؤثرا في المشهد اليمني ثمن مستحق جراء هذه "الحرب المقدسة" ضد الإرهاب.
كان واضحاً أن حجة المتمردين في جنيف ضعيفة للغاية، فاختاروا تحريك ورقة القاعدة، باعتبارها الوسيلة الأبلغ تأثيراً في مواقف المجتمع الدولي والمؤثرين في مجريات لقاء جنيف.
لا يحتاج المجتمع الدولي والغرب على وجه الخصوص إلى إشارات من هذا النوع للاقتناع بأن الحرب ضد القاعدة هي أولويتهم في اليمن، لكن ما يبعث على الأسى أن هذا الغرب يعرف جيداً أن تنظيم القاعدة الذي ينفق الكثير من مال دافعي الضرائب لمحاربته هو صنيعة نظام المخلوع صالح، وأن العلاقة الوثيقة بين المخلوع والقاعدة من الثبات والوضوح ما يستدعي وقفة ضد المحرض الحقيقي على العنف، والمتورط فيه بصورة مباشرة.
فإدارة العنف التي يمارسها المخلوع صالح لم تعد تقتصر على تبني تنظيم القاعدة وتقديم الدعم اللوجستي له، وتمكينه من محافظات بكاملها كما حدث عام 2011، بل إنه اليوم يوجه الوحدات العسكرية الموالية له إلى جانب مليشيا الحوثي الطائفية، في حرب مفتوحة على المحافظات اليمنية، أتت على كل شيء في هذه المحافظات، لتحقيق غاية واحدة وهي فرض الانقلاب واستعادة السلطة في اليمن.
لم يعد اليمنيون يعولون كثيراً على دور الأمم المتحدة قدر ثقتهم بالتحالف العربي الذي يمتلك الأهلية لتوجيه مسار الأحداث في البلاد، وإنهاء تغول مليشيا الحوثي وقوات المخلوع صالح المتمردة على اليمنيين.
وكأولوية ملحة يتعين على التحالف أن يسرِّع في دعم خطة لتحرير عدن وتطهيرها على نحو يسمح بعودة السلطة الشرعية، والشروع في تأسيس الجيش على أسس وطنية ومهنية، تنفيذا لمخرجات الحوار الوطني، وتسليحه، والعمل بصورة موازية على بناء جبهة وطنية واسعة تنهض بمهمة استكمال تحرير المحافظات من تواجد المليشيات وإعادة ما دمره الحرب، والشروع في مهمة الانتقال السياسي.
لا أعتقد مطلقاً أن تحقيق هذا الأمر مرهون بمشاورات كتلك التي انفضت في جنيف دون تحقيق نتيجة، لقد تحول الأمر إلى صراع إرادات وصراع وجود، ولكن الفرق أن الطرف الآخر يقاتل من أجل هيمنة أحادية فيما أنصار التغيير يقاتلون من أجل مواطنة مشتركة ويمن يتسع للجميع.