د.يوسف مكي
شهد يوم أمس الاثنين انعقاد مؤتمر جنيف، بحثاً عن حل سياسي للأزمة اليمنية. وقد وجهت الدعوة لمختلف الأطراف اليمنية ذات العلاقة بالأزمة المشتعلة الآن بالبلاد، لحضور هذا المؤتمر من دون قيد أو شرط. والدعوة بالطريقة التي صيغت بها تعني أنه لايوجد على طاولة المؤتمر أي مشروع متفق عليه مسبقاً للحل. وأن كل ما هناك هو البحث عن صيغة يتم التوافق عليها، من قبل المشاركين في جنيف.
وعلى هذا الأساس، فإن من المتوقع ألا تشكل اجتماعات المؤتمرين، إن تحققت، اختراقاً حقيقياً للأزمة، فحلّ الأزمة ليس رهناً لجلوس المتفاوضين على طاولة واحدة فقط، بل هو محكوم بتغير في موازين القوى بين الأطراف المتصارعة، وبالتوافقات بين القوى الإقليمية المنهمكة في الأزمة اليمنية.
ويبدو أن جميع أطراف الأزمة اليمنية تتطلع الآن إلى حل سياسي يؤمّن لها بعض المكاسب، وينهي نزيف الدم، وحالة الاحتراب. لكن مرجعية الحل لدى كل طرف هي بالتأكيد مختلفة عن مرجعية الطرف الآخر، رغم تعبير جميع الأطراف عن اقتناعها بضرورة تجاوز بعض التعقيدات التي تعوق التوصل إلى حل الأزمة سياسياً.
تتمسك القوى المناصرة للرئيس عبد ربه منصور هادي بالمبادرة الخليجية، وبقرارات مجلس الأمن الدولي رقم 2216، القاضية بانسحاب ميليشيات "أنصار الله" من المناطق التي احتلتها، وعلى رأسها العاصمة صنعاء، وتسليم الأسلحة التي استولت عليها للحكومة المركزية، كمقدمة لحل هذه الميليشيات مستقبلاً، وإطلاق سراح المعتقلين.
بينما تطالب جماعة الحوثي، وأنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح بوقف الحرب التي تشنها دول التحالف أولاً، من غير شروط. وترفض العودة للمبادرة الخليجية، وتستبدلها بالبيان الدستوري الذي فرض على الرئيس هادي، بقوة الأمر الواقع، متعللة بأنه بصدوره يلغي المبادرة الخليجية. لكن ثمة تسريبات تقول باستعداد "أنصار الله" بالتراجع عن التمسك بالبيان الدستوري، مقابل الحفاظ على اتفاقية السلم والشراكة الوطنية التي تم التوقيع عليها بين الأطراف السياسية المختلفة عشية اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء في سبتمبر/ أيلول الماضي.
لكن الرئيس هادي يتمسك بالعودة لمخرجات «الحوار الوطني» والمبادرة الخليجية كمرجعيات رئيسية في أي حوارات قادمة، كما يرفض أي دور مستقبلي للرئيس السابق علي عبدالله صالح، وتقليص التمثيل السياسي للأطراف في مؤتمر جنيف إلى ما دون ال20 شخصاً يمثلون كل الأطراف، من أجل ضمان سرعة اتخاذ القرارات، وفقاً لرؤية الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، من غير الخوض في تفاصيل أخرى.
وفي هذا السياق تشير مصادر الأمم المتحدة إلى أن الوساطة العمانية تستند إلى قبول الحوثيين تطبيق قرار مجلس الأمن 2216، مقابل ضمانات سياسية وأمنية بعدم ملاحقة قيادات الجماعة جنائياً، والقبول بهم كمكون سياسي رئيسي في اليمن.
وفي الوقت الذي استمرت فيه أعمال التحضير لمؤتمر جنيف، تواصل القتال بشكل أعنف على كل الجبهات. ويفسر المحللون السياسيون تصاعد المواجهة العسكرية على أنه محاولة من كل الأطراف، لكسب مواقع في الميدان، لتحسين أوراقها التفاوضية في مؤتمر جنيف.
ما نخلص له من هذه المقدمة، هو أن المطالب المطروحة من قبل مختلف الفرقاء، تجعل من غير المتوقع أن يتوصل المجتمعون في جنيف إلى اتفاق سريع لحل الأزمة. وأقصى ما يمكن توقعه، في هذا المؤتمر هو التوصل إلى هدنة عسكرية، خلال شهر رمضان، يتنفس الشعب اليمني خلالها الصعداء، ولتتواصل المعارك لاحقاً، بعد انتهاء الهدنة.
الصعوبات التي ستواجهها الأمم المتحدة، في سعيها من أجل تحقيق تقدم في هذا الملف، لا تكمن فقط في اختلاف الأطراف اليمنية حول ما ينبغي أن تكون عليه صورة اليمن الجديد، يمن ما بعد الحرب. فقد قطع اليمنيون شوطاً كبيراً، على طريق صياغة شكل الدولة المرتقبة، وطبيعة الحكم فيها في مؤتمر الحوار الوطني الذي امتد شهوراً طويلة. إنها تكمن في ارتباط الأزمة اليمنية بما يجري في المنطقة من أزمات واستقطابات إقليمية.
وللأسف، فإن الاستقطابات الإقليمية في اليمن لم تبدأ مع أحداث ما عرف بالربيع العربي، بل سبقت ذلك منذ زمن طويل. وكانت الحرب الأهلية في اليمن التي حدثت إثر إعلان الجمهورية، هي بداية تلك المرحلة. وقد كلفت الشعب اليمني أثماناً باهظة.
لقد خاض نظام على عبدالله صالح ست حروب ضد الحوثيين، وكانت اتهاماته مباشرة لطهران، بالتدخل في الشؤون اليمنية. لكن تطور الأحداث بعد عام 2011 قلب الطاولة رأساً على عقب، وأصبح عدو الأمس حليف اليوم.
ولذلك من الصعب الحديث عن تسوية للأزمة اليمنية من غير الحديث عن تسويات وصفقات إقليمية. هل على سبيل المثال، ستقبل السعودية وبقية دول الخليج، ميليشيا مسلحة حليفة لطهران في جنوب الجزيرة العربية؟ وبالمثل، هل ستقبل طهران التخلي عن المكاسب التي جنتها في اليمن، منذ عام 2006 التي بلغت ذروتها باجتياح الحوثيين صنعاء وعدداً آخر من المدن اليمنية؟
وحتى في مجال التحالفات على جبهة "أنصار الله" وصالح، تحوم أسئلة كثيرة، منها على سبيل المثال، هل يمكن للحلف غير المقدس، بين الحوثيين وصالح، أن يصمد طويلاً مع تاريخ طويل من الكراهية، المعمدة بالدم؟ هل ستغفر طهران لصالح موقفه المساند للعراق طوال ثماني سنوات من الحرب؟ وهل سيتناسى الحوثيون الحروب الستة التي خاضها صالح ضدهم؟
وعلى الجبهة الأخرى، كيف يستقيم التحالف بين الإخوان المسلمين والناصريين، في الجبهة الموالية لصالح. وما مصير العلاقة مع الحراك الجنوبي الذي يطرح الانفصال عن المركز جهاراً نهاراً؟ وقائمة الأسئلة كثيرة في هذا السياق.
قضايا لا شك سيكون لها صدى ثقيل في هذه المفاوضات، وأي مفاوضات مقبلة، باعتبارها عوامل إعاقة للتقدم نحو الحل المقبول من كل الأطراف. ليس أمامنا سوى أن نتضرع للمولى أن يلهم الجميع الحكمة، وأن يدركوا مخاطر استمرار الحرب، فيغلّبوا لغة العقل على المصالح الفئوية، ويتجنوا لغة الإقصاء. وما ذلك على الله ببعيد.
الشارقة