عبدالحكيم هلال
ما إن أنفض مؤتمر الرياض بشأن اليمن، حتى سارعت الأمم المتحدة -اليوم التالي مباشرة- في تحديد موعد لعودة المشاورات اليمنية تحت رعايتها في جنيف نهاية شهر مايو/أيار الجاري.
وقبل صدور بيان المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، في الـ20 من مايو/أيار، والذي حدد فيه موعد المشاورات في الـ28 من الشهر في جنيف، كان وزير الخارجية اليمني قد سبقه بساعات، بتصريحات عبر وكالة "رويترز" أكد فيها أن حكومته قد لا تشارك في تلك المشاورات.
وبعد ساعات قليلة فقط على بيان الأمانة العامة للأمم المتحدة، سربت معلومات تفيد أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الموجود في الرياض، عقد لقاء خاصا مع مستشاريه انتهى إلى اتفاق، شمل كافة القوى التي حضرت مؤتمر الرياض، أقر رفض المشاركة في مشاورات جنيف قبل أن ينفذ الانقلابيون في صنعاء (تحالف الحوثيين والرئيس اليمني المخلوع صالح) مضامين قرار مجلس الأمن الأخير رقم (2216).
وحيث أن بيان الأمم المتحدة المذكور كان أكد أن تحديد موعد ومكان مشاورات جنيف جاء إثر مشاورات مكثفة مع مختلف الأطراف اليمنية أجراها مبعوث بان كي مون الخاص إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، المعين حديثا في هذه المهمة، فإن ما لحق ذلك من مواقف معارضة ورافضة للمشاركة، ستعتبر إما تأكيدا على عدم وجود اتفاق نهائي مسبق مع المبعوث الأممي، وإما أنها مستجدة على إثر مقررات مؤتمر الرياض.
وأيا يكن الأمر، فإن كلا الأمرين يقودنا إلى البحث في ما إذا كانت الحالة اليمنية قد شارفت على بلوغ الحل؟ أم تتجه أكثر نحو مزيد من الغرق والتعقيد؟ آخذين في الاعتبار مسارين بحاملين مختلفين، الأول: مسار مقررات مؤتمر الرياض، تحت رعاية وإشراف التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية، والمسار الآخر: مشاورات جنيف المنتظرة تحت رعاية الأمم المتحدة.
مقررات الرياض
نجح الخليجيون بقيادة السعودية في إنجاز أمرين اثنين وفق مسارين (عسكري وسياسي):
- الأول "المسار العسكري": تشكيل تحالف عربي عشري لشن حرب ضد تحالف الانقلابين المكون من مليشيا الحوثي وقوات الجيش الموالية للرئيس المخلوع علي صالح.
- الثاني "المسار السياسي": تجميع كافة القوى اليمنية الأخرى، ذات المصالح المشتركة، الرافضة للانقلاب والمؤيدة للشرعية، فضلا عن تفكيك قوة الرئيس المخلوع عبر سحب قيادات موالية ومقربة منه، إلى جانب تجميع قوى الحراك الجنوبي في الداخل والخارج، والتي كانت متعارضة الأهداف والتوجهات بشأن مصير الجنوب اليمني، وإحضارها جميعا، ولأول مرة منذ ما بعد حرب صيف 1994، تحت سقف واحد في الرياض لثلاثة أيام تحت شعار "إنقاذ اليمن".
وعمليا، يمكن الاتفاق -إلى حد ما- على أن المسار العسكري حقق الكثير من أهدافه بإضعاف القدرات العسكرية لتحالف الحوثي صالح، وتشتيت قدراتهم العملياتية مع عزل القيادات الميدانية عن بعضها وإضعاف عملية التواصل فيما بينها، في الوقت الذي ساعدت فيه تلك العمليات على خلق بيئة مناسبة شجعت على تشكيل مقاومة شعبية ميدانية في محافظات الجنوب والوسط اليمني.
الأمر الذي عمل بدوره على تعضيد المسار السياسي اللاحق، عبر تشجيع بعض الفاعلين المترددين للانضواء في العملية السياسية (المشاركة في مؤتمر الرياض).
وها هو مؤتمر الرياض قد عقد خلال الفترة (17 - 19 مايو/أيار الجاري)، وخلص إلى إعلان صيغة (وثيقة) توافقية مشتركة تحت اسم "إعلان الرياض".
وعلى الرغم من كافة الانتقادات التي رافقت عملية الإعداد والتجهيز لهذا المؤتمر، بدءا بمعايير اختيار بعض المشاركين، ومرورا بآلية عمله، وانتهاء بطريقة صياغة مقرراته الختامية، فإن مضامين "إعلان الرياض" -وفق كثيرين- لم توافق فقط معظم تطلعات اليمنيين (من غير تحالف الانقلابيين)، بل إنها توخت سقفا عاليا من المعالجات والإجراءات، حتى مع وجود بعض الاعتراضات على بعض النصوص، إلى جانب مجموعة تشكيكات بإمكانية التنفيذ على الأرض، وربما صعوبتها أيضا، والمدى الزمني لتحقيق ذلك.
لن نخوض هنا في تفاصيل "إعلان الرياض" بل سنكتفي باختتام هذا الجزء بإيجاز القول: إن هذا الإعلان حاول استيعاب ومعالجة كافة المحطات المفصلية التي مرت بها اليمن: بدءا بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومضامين قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن، مركزا بشكل خاص على القرار الأخير رقم 2216، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
ومع ملاحظة أنه استثنى ذكر اتفاق السلم والشراكة الوطنية، الموقع بشكل خاص مع جماعة الحوثي، فقد أضاف ضمن سياقاته قرار مجلس الجامعة العربية بشأن اليمن الصادر عن مؤتمر القمة المنعقد في مدينة شرم الشيخ في جمهورية مصر العربية عام 2015، وبيانات مجلس التعاون لدول الخليج العربية ذات الصلة.
وفي النهاية -وهذا أمر مهم سنتطرق إليه لاحقا- شدد على الالتزام بإعلان الرياض والقرار الدولي (2216) اعتبارهما السقف الذي لا يمكن تجاوزه في أي مفاوضات قادمة يمكن أن تتم برعاية الأمم المتحدة.
مؤتمر جنيف
منذ بدأ التحالف العربي بقيادة السعودية عملياته العسكرية باليمن، ظلت الأمم المتحدة تشدد على ضرورة العودة إلى العملية السياسية السلمية. تكرر ذلك على لسان الأمين العام بان كي مون والمبعوث الأممي السابق جمال بن عمر، وخلفه الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد.
وفي الواقع، كانت أحد أبرز الإشكاليات التي اعترضت نجاح مهمة بن عمر، بعد انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية مطلع يناير/كانون الثاني من العام الجاري، تتمثل بالمكان المناسب لعودة المفاوضات بين الحوثيين والسلطة وبقية الأطراف الأخرى، حيث رفض الحوثيون وصالح نقلها من العاصمة صنعاء، بداية، وتاليا رفض نقلها خارج اليمن، وتحديدا في دولة يعدونها طرفا في التحالف العسكري ضدهم.
وفي أبريل/نيسان، وتحت وقع الضربات الجوية المكثفة لآلته العسكرية، أبدى صالح رغبته في خوض مفاوضات جديدة تعقد في جنيف بين اليمنيين أنفسهم من جهة واليمن والسعودية من جهة أخرى.
ويعتقد أن الأمم المتحدة تمسكت بتلك التصريحات باعتبارها الخيط المتاح لعودة المفاوضات تحت رعايتها. وربما زاد من تعزيز ذلك اللقاءات التي أجراها المبعوث الأممي في صنعاء مع الحوثيين وما تبقى من حزب صالح خلال زيارته الوحيدة هذا الشهر. وحين حضر افتتاح مؤتمر الرياض يعتقد أنه ناقش تلك الفكرة مع بقية القوى السياسية الأخرى، بما في ذلك الرئاسة والحكومة اليمنية.
وعلى ضوء ذلك يعتقد أنه حدد الـ28 من الشهر الجاري، موعدا لإجراء ما أطلق عليها "مشاورات" في جنيف بقيادة اليمنيين أنفسهم.
لكن واقع الحال الآن، يقول إن مؤتمر الرياض كان قد شكل متغيرا جديدا، ربما يودي بتلك التوافقات السابقة التي بلغها المبعوث الأممي في وقت سابق. وتتجسد الإشكالية أولا: في احتواء "إعلان الرياض" على مضامين وبنود إجرائية تتعارض كليا مع توجهات منظمة دولية مثل الأمم المتحدة، وتاليا -وهذا أمر يرفع من التعقيد الحاصل-: تشديد المشاركين على اعتبار "إعلان الرياض" إلى جانب قرار مجلس الأمن (2216) هما السقف الذي يجب ألا تتجاوزه أية مفاوضات برعاية الأمم المتحدة.
وفي حين يتأسس قرار مجلس الأمن المذكور على إلزام الحوثيين بالكف عن اللجوء للعنف، وسحب قواتهم من جميع المناطق التي سيطروا عليها في وقت سابق، بما في ذلك العاصمة صنعاء، والامتناع عن أية استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة، بضمن ذلك الاستيلاء على صواريخ أرض أرض ومخازن أسلحة تقع في مناطق محاذية للحدود أو داخل أراضي دولة مجاورة، فإن الرئاسة اليمنية ومعها بقية القوى السياسية المتواجدة في الرياض، اشترطت للمشاركة في مؤتمر جنيف، ضرورة أن يبدأ الحوثيون وصالح بتنفيذ مضامين هذا القرار الدولي، وذلك وفقا للتسريبات التي نشرت بهذا الشأن ليلة صدور بيان المتحدث الرسمي للأمين العام للأمم المتحدة بتحديد موعد
مشاورات جنيف.
وقبلها بيوم، كان نائب رئيس الجمهورية رئيس الوزراء خالد بحاح أكد مثل ذلك لقناة العربية: "أن الحكومة لن تشارك في مؤتمر جنيف قبل تنفيذ القرار".
وفضلا عن ذلك، فإن بعض البنود التي احتواها "إعلان الرياض" لا يمكن أن تتواءم مع مبادئ ورغبات الأمم المتحدة لشكل الحوار المفترض قيامه تحت رعايتها.
وعلى سبيل المثال، فقد نصت إحدى نقاط الإعلان على "دعم وتنظيم المقاومة الرسمية والشعبية تحت القيادة الشرعية في كافة المناطق التي تتواجد فيها مليشيات الانقلاب والتمرد". كما نصت إحدى الآليات والإجراءات التنفيذية على: "استخدام كافة الأدوات العسكرية والسياسية لإنهاء التمرد واستعادة مؤسسات الدولة والأسلحة المنهوبة".
المهمة الأممية على المحك
بالنسبة لمنظمة دولية مثل الأمم المتحدة، تعمل على حل النزاعات وتستهدف السلام في العالم، لن يكون من المقبول إقرار مثل تلك البنود سابقة الذكر. فمؤسسة مثلها يمكنها فقط التغاضي عن ما يحدث على الأرض باعتباره يندرج في سياق التعامل مع "الأمر الواقع"، كما عرف عن سلوك جمال بن عمر حينما كان يجري المفاوضات في صنعاء، بينما كان الحوثيون يتوسعون شمالا وجنوبا بقوة السلاح. لكنها -وهذا ما درج عليه بن عمر أيضا- لا يمكنها أن تعلن قبولها بذلك نظريا.
لذلك، وكما كان بن عمر يصرح دائما ومثله بان كي مون نفسه، فقد حث هذا الأخير -ضمن ما ورد في بيان الناطق الرسمي الأخير- "جميع المشاركين على الانخراط في هذه المشاورات التي تجريها الأمم المتحدة بحسن نية ودون شروط مسبقة".
كما اعتبر -وهذا ليس بجديد أيضا- أن الحل الدائم الوحيد لمعالجة الأزمة في اليمن يأتي من خلال تسوية سياسية تفاوضية شاملة، منوها إلى أن "اليمن انزلق الآن إلى صراع يهدد بامتداد مخاطره إلى ما وراء الحدود، مخلفا تداعيات دراماتيكية على المدنيين الذين يدفعون الثمن".
لكن وفي مقابل ذلك، يؤكد التحالف العربي بقيادة السعودية على استناده في كافة تحركاته على قرار مجلس الأمن الأخير (2216)، حيث ركز على ذكره كثيرا سواء ضمن بيانه الختامي أم ضمن "إعلان الرياض"، وليس أبرزها -في هذا المقام- تذكيره بتأييد هذا القرار لعاصفة الحزم ومؤتمر الرياض.
بل أبعد من ذلك، تضمن البيان الختامي لمؤتمر الرياض تأكيد المؤتمرين "أنهم دعاة للسلام الذي لن يتحقق إلا بالانسحاب الكامل لمليشيات الحوثي وعلي عبد الله صالح من العاصمة صنعاء وكافة المدن اليمنية جنوبا وشمالا وإيقاف الحرب وكل الأعمال العدوانية ضد الشعب اليمني، وكذا عودة السلطة الشرعية لممارسة صلاحياتها الدستورية والقانونية وبسط سيطرة الدولة على كافة التراب الوطني لتنفيذ ما تبقى من مهام الفترة الانتقالية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل".
وفي نهاية المطاف، فمن كل ما سبق يمكن التأكيد هنا أن مهمة الأمم المتحدة في الوقت الراهن -بعد عاصفة الحزم، ومؤتمر الرياض- لن تكون أسهل مما كانت عليه قبل وبعد حدوث الانقلاب الأخير في اليمن وما لحقه من حروب داخلية.
وحتى تبرز متغيرات جديدة مؤثرة، فإن السعودية -التي تعتقد أنها إنما تحافظ على أمنها ومصالحها بدءا بتصحيح أخطاء الأعوام الأربعة الأخيرة في اليمن، منذ ثورة فبراير/شباط 2011- ستغدو هي الجهة الأكثر فاعلية في هذا الجزء من العالم، الملاصق لخاصرتها الجنوبية، ربما حتى إن كلفها ذلك أثمانا باهظة أكثر مما سبق.