عبدالعزيز المقالح
من الحقائق التي صارت راسخة في الأذهان أن حروب الكبار محكوم عليها بالفشل لا بما تنجح فيه من قتل ودمار وإنما في نتائج هذه الحروب، هكذا تقول حروب كثيرة دخلتها الدولة العظمى الولايات المتحدة ومنها على سبيل المثال لا الحصر حروب فيتنام وأفغانستان والعراق . ولنقف بحديثنا عند العراق الذي تعرض لحربين مدمرتين الأولى في عام ،1990 والثانية في عام 2003 . كانت الأولى مدمرة للجيش العراقي وللبنى التحتية بينما كانت الحرب الثانية تدميراً شاملاً للنظام وللجيش ولما كان قد تبقى من بنى تحتية ومؤسسات رسمية، لكن العبرة، عبرة أي حرب لا تكون إلاّ بالنتيجة وقد كانت النتيجة، وفق تحاليل أهم الساسة والدارسين فاشلة مئة في المئة بالنسبة للولايات المتحدة صاحبة مشروع الحرب، فقد سقط النظام وتفكك الشعب ونشأت حروب داخلية ما كان لها أن تقع، لولا الحرب وتدمير مقومات الدولة، وما تبع ذلك من فشل ذريع للولايات المتحدة في تحقيق ما كانت إدارة الحرب تصبو إليه .
والآن تخوض الولايات المتحدة حرباً ثالثة في العراق لن تكون في تقدير المراقبين السياسيين وفي تقدير أجهزة الدولة الكبرى سهلة أو خاطفة كما كان الحال في الحربين السابقتين، فالحرب الجديدة كما يقول الرئيس الأمريكي باراك أوباما نفسه ستطول وقد تأخذ أعواماً، وهنا وعند هذه الجملة التي تكررت على ألسنة كثير من قادة القوات الأمريكية نستخلص المعنى الذي لم يعد خافياً، وهو أن هذه الدولة العظمى بحاجة إلى أن تكون موجودة في الساحة العربية لأطول فترة من الزمن لا دفاعاً عن البترول الذي يمكن أن يأتي إليها محمولاً على أكف السلامة . وليس لحماية الدويلة التابعة لها في المنطقة وهي "إسرائيل" وإنما لأسباب أخرى وأهداف من بينها تفكيك ما تبقى من كيانات عربية تستطيع في يوم من الأيام أن تقف على أقدامها، وأن تقول لهذه الدولة الكبرى ولغيرها "لا" .
كيف لهذا الحشد الكوني أن يطيل حربه الثالثة في العراق ويفرض عليه أن يتحمل تبعات هذه الحرب المادية والنفسية وأن يجعل أجواءه وربما أرضه لأعوام حسب التصريحات التي تتوالى مؤكدة صعوبة المهمة وحاجتها إلى الوقت الطويل . وهذا يذكّر بالحرب على أفغانستان التي استمرت عشر سنوات وكانت تتم من البر والجو وخرجت الولايات المتحدة وقوات التحالف ولا تزال طالبان في مكانها وكأنها في الأيام الأولى من الحرب .
والسؤال هو: أين تكمن المشكلة؟ هل في أن الدولة العظمى وكل حلفائها لا يعرفون المناطق التي يحاربون فيها ولا العدو الذي يقاتلونه بأحدث ما استوعبته ثكناتهم العسكرية من أسلحة تذيب الجبال وتصهر الرمال؟ أم أن المشكلة تنشأ من تقييم الآخرين لما يرونه حرباً فاشلة بكل المقاييس بينما قادة الحرب يرون فيها مجرد تدريب على هذا النوع من القتال في الصحاري والجبال، ولا يهمهم ما يخسرونه من رجال وعتاد؟
والسؤال الآخر هو: هل الصورة عن هذه الحرب واضحة في أذهان أشقائنا في العراق وبقية الأشقاء المشاركين في هذه الحرب بالكثير أو القليل من الجهد وهل هم على استعداد لمواصلة المشاركة في حرب ستطول؟ إن هذا السؤال وما سيتبعه من أسئلة ليست من ابتداعي وإنما التقطتها من الأحاديث التي تدور في حياتنا اليومية ومن قراءاتي التي لا تتوقف عن الحروب الكثيرة التي تجتاح المنطقة ولا تجد من المفكرين العرب وقتاً لقراءتها بموضوعية وبعيداً عن الانحياز أو الخوف، فالضحايا تتكاثر وتداعيات هذه الحروب تشتد وتتسع وتأخذ أبعاداً مذهبية وطائفية وتحيط بها أطماع خارجية ورغبة طاغية في الاستغلال والتطويل والابتزاز .