تقطعت السبل بمئات اليمنيين المتواجدين في جمهورية مصر العربية للعلاج قبيل عاصفة الحزم والذين أصبحوا عالقين بعيدا عن الوطن بعد أن سدت في وجوههم كل الطرق للعودة إلى الداخل اليمني كما نفذت منهم المادة التي تعينهم على ظروف الحياة.
في القاهرة علق المئات من اليمنيين لا يمتلكون أموالا تساعدهم على البقاء ولا يملكون حيلة للعودة إلى الوطن كما أفتقدوا القدرة على استقبال أي أموال من ذويهم بالداخل بعد أن تم حضر تحويل الأموال من وإلى اليمن بعد عاصفة الحزم. الكثير منهم يحتاج للدواء ومتابعة العلاج وكلهم بحاجة للسكن والأكل والشرب لكن كل هذه الإحتياجات أصبح توفيرها من الصعوبة بمكان بعد أن استنفذوا كل ما بأيديهم من أموال.
في وسط سواد المعاناة التي يعيشها هؤلاء سطع بصيص من النور بمبادرة "لليمن يد تمتد" قام بها طلبة ومقيمين يمنيين في القاهرة. "لليمن يد تمتد" هو عنوان لمبادرة إنسانية عاجلة قام بها الطلاب اليمنيين في القاهرة لمساعدة العالقين جراء الحظر الجوي على اليمن .
تأتي هذه المبادرة مباشرة بعد ان أعلنت قوات التحالف العشري إغلاق الأجواء اليمنية أمام الطيران بكل أشكالها الأمر الذي تضرر منه الكثير من اليمنيين المتواجدين بالخارج ويريدون العودة لأسرهم داخل اليمن .
وتعتبر جمهورية مصر العربية من أكثر الدول العربية والعالمية زيارة لليمنيين أغلبها زيارات علاجية أو طلاب دارسون حيث تأتي يوميا إلى القاهرة مالايقل عن ثلاث رحلات يوميا .
حاولنا في "مندب برس" إجراء لقاءات بالقائمين على الحملة الانسانية لمعرفة أهدافها والوقوف عن قرب على هذه المبادرة في ظل غياب تام لعمل السفارات المعنية بهذه الأمور.
الفكرة والدافع
تأتي فكرة المبادرة وفقاً للدكتورة سمر أمين الخرباش وهي المسؤولة عن الحملة في تصريحات خاصة لمندب برس أنها بمجرد سماعها لقرار حظر الطيران عن اليمن أحست بأن مشكلة كبيرة ستقع على اليمنيين المتواجدين في القاهرة وبخاصة أن أكثرهم متواجدون هنا بفترة مؤقتة مما يعني انتهاء المصروفات والسكن, تحدثت الدكتورة سمر وبلغة تملؤها الحسرة والأسى على مصير هؤلاء العالقين ومعاناتهم جراء هذا الوضع حيث تقول: هنا في القاهرة كثير من اليمنيين مرضى أو عاملين عمليات جراحية انتهت مصروفاتهم وسكنهم ويريدون العودة إلى بلادهم , وتضيف قائلة: سمعت عن قصص مأساوية عائلات ستكون بدون سكن أو طعام أو شراب . وصلتنا فعلا قصص مأساوية عن واحد يمني راح لمحاسب المطعم يطلب منة جنية يشتري رغيف.
ويقول محمد الشامي وهو طالب دكتوراه وأحد المشاركين في هذه المبادرة " تأتي مبادرة "لليمن يد تمتد" في ظرف بالغ الصعوبة للغاية حيث كان قرار الحظر مفاجئا للكثيرين هنا فلم يضعوا في حسبانهم موضوع كهذا في المؤنة والمصاريف والسكن. ويضيف كل من ياتي الى هنا تكون لديه مصاريف بقدر المدة التي سيجلس فيها في القاهرة فكان القرار بالنسبة لهؤلاء صدمة كبيرة وخاصة عندما حصلت مشاكل في تحويل الأموال .
وكثير من المتواجدين هنا مرضى قد باع أكثرهم كل مايملكون من أجل العلاج فتدبير مصاريف اضافية لسكن ومأكل ومشرب تكون بالنسبة لهؤلاء صعوبة بالغة ، يقول الشامي.
بداية التحرك في الحملة
تقول الدكتوره سمر وهي طبيبة تحضر الدراسات العليا في إحدى كليات الطب في مصر أنها كانت تفكر ما الذي يمكن فعله في هكذا مشكلة فهل "نجمع فلوس من الطلاب و بعض من نعرفهم من الميسورين و نحاول نغطي الحاجات الأساسية للمحتاجين التي نعلم أن عددهم كبير و يحتاجون الكثير". ومن ثم بدأنا نفكر في كيفية الوصول إلى من يستطيع تقديم العون فمهما " جمع الطلاب لن تغطي التكلفة". وتضيف "كنت اكلم صديق يمني في الخارج و أخبرته ماذا يحصل و كيف تضرر الناس هنا فعرض مساعدة مالية تعتبر كبيرة لكنها أيضا لن تغطي العدد فلدينا أعداد كبيرة ممن سيحتاجون مساعدة لمقومات الحياة من مسكن و طعام و شراب". وبسبب صعوبة الوصول إلى المحتاجين للمساعدات ومن يقدم هذه المساعدات فقد كان الحل الأمثل هو الإعلان عن مبادرة تقول الخرباش "وضعنا أرقام هواتف ليسهل أن يصل الينا المحتاجين و يتواصل معنا باسم المبادرة من يريد مساعدتهم وحتى تصل الحملة لأكبر عدد ولأؤلائك الأشخاص الذين يقطنون في أماكن بعيدة".
تقول الدكتوره سمر أنه في يوم 28 مارس -بعد يومين من العاصفة- قمت بنشر منشور على حسابي على الفيسبوك باسم هاش تاج "لليمن يد تمتد" وقمت بعمل إشارة بالمنشور لكل من أعرف بأن لهم علاقة بالمرضى وكل من شعرت أنه سيقوم بالتحرك في هذه الحملة. ويقول نبيل سهيل " وهو من أهم المشاركين في هذه الحملة والداعمين لها. "المبادرة شبابيه طلابية فقط".
جهاد نصر الشوافي وهو طالب يمني في القاهرة أحد المشاركين الأساسيين في هذه الحملة أشار إلى أنه يقوم في هذه الحملة كل يوم ومعه نبيل سهيل وبحسب الشوافي فأنهم يتلقون عشرات الاتصالات منذ الصباح حتى الليل حيث يقومون بتسجيل أسماء العالقين ومناطق سكنهم وما إذا كان العالق فردا أم ضمن عائلة ومن ثم معرفة عدد أفراد العائلة المحتاجة للمساعدة كما يتم تحدد نوع المشكلة هل هي في السفر ام في السكن او الاكل والشرب. وتقول الدكتوره سمر " كانت الاتصالات لا تقف في تلفونات الشباب".
يجمع القائمين على الحملة أن كل الحالات بدون استثناء مشكلتها الرئسيه السفر بينما حوالي 95 % من الحالات مشكلتهم الثانيه ان مدة ايجارهم انتهت ولم يعودوا قادرين على السداد. أما المشكلة الثالثة فأن ماتبقى لهم من المال اصبح لايكفي حتى لاطعام انفسهم او اسرهم .
في بداية أيام الحملة تم التواصل مع العديد ممن يتسمون بالخير و المشاركة في المساعدة وبحسب الدكتوره سمر فقد وصلهم مبلغ لا بأس فيه من رجل أعمال يمني في القاهرة. تقول الخرباش أنه بعد التوصل للعالقين تم البحث عن شقق كثيرة لتسكينهم ومن ثم مدهم بمواد غذائية.
أعداد كبيرة من الطلبة اليمنيين الدارسين في مصر قاموا بجمع مساعدات وقاموا بتسليمها للقائمين على المبادرة تقول الدكتوره سمر أن "طالبتين من صديقاتي قاما بإعطائنا شقتين تملكانهما في القاهرة حتى نقوم بتسكين العالقين بعد أن عرفا عن المبادرة عن طريق النت.
ومع معرفة الكثير من العالقين أن الجهات الرسمية لن تحل مشكلتهم فقد تواصلوا بأعداد كبيرة بالحملة وطلبوا المساعدة في تسهيل سفرهم أو حل مشكلة بقائهم في القاهرة.
جهود يومية لا تتوقف
يقول جهاد الشوافي لقد قمنا بتوفير احتياجات العالقين بعد الوصول إليهم بحسب قدراتنا الماديه. فنحن نبدأ يومنا بشراء شنط غذائيه حيث تتكون الشنطة الغذائية من سكر ورز مكرونة وتونة وصلصة وشاي وجبن وحليب وزيت وصابون وملح وفاصوليا وعدس ونبدأ بد ذلك بتوزيعها حسب الحاجة.
اما المشكلة الكبيرة فتبدأ بتوفير السكن فعليك أن توفر شقق لأعداد كبيرة من العالقين لذلك فقد قمنا بتوزيعهم بشكل جماعي بحيث يتم فصل النساء عن الرجال كي نتمكن من جمع أكبر قدر من الأسر في أقل عدد من الشقق. ويضيف الشوافي "لكن هناك بعض الحالات وهي ليست قليلة لايمكن فصل أفاردها بسبب ظروف عملية جراحية مثلا لاحد افراد الأسرة لذلك نحاول استأجار شقق رخيصة لهم تتناسب مع الدعم المادي الذي نتلقاه من أهل الخير، يضيف الشوافي.
الدكتور جهاد الشوافي في أحد المتاجر لشراء الشنط الغذائية الموضحة في الصورة |
![]() |
ويقول الشامي "قدمت الدكتورة سمر أمين مسؤول الحملة والزملاء الدكتور جهاد الشوافي ونبيل سهيل جهود كبيرة في الإعداد لهذه المبادرة فتفاعل معها كثيرا من الزملاء وحققت بحمد الله نتائج طيبة الى الان حيث استطعنا توفير السكن لكثير من الاسر العالقة والمصروفات الأساسية من مأكل ومشرب ويبقى الكثير من العالقين هنا بحاجة المساعدة لم نقدر على تلبيتها لكثرة العالقين وقللي المؤنة ".
ويقول نبيل سهيل أن الحملة وبعد أربعة ايام حققت نجاحات كبيرة فقد تم مساعدة 320 فرد بمعدل 18 عائلة و102 فرد وذلك من خلال التسكين بشكل كلى والبعض بشكل جزئي عن طريق دفع نصف تكلفة الإيجار مع توفير مواد غذائية أو سله غذائيه لهم جميعا تكفى لمدة 10 أيام وتكفلنا بها لتغطية مدة شهر.
كما قال الشوافي أنه تم تغطية حوالي 31 شخص بمصاريف "كاش" تكفي لشراء الخضار لفتره 10 ايام ويكفي لسد شراء الاشياء البسيطه مثل العيش وخلافه .وأضاف الأسر كثيره جدا وقد نقوم في اليوم الواحد بإسكان 7 اسر اذا وجدنا السكن مناسب لهم . ويؤكد الشوافي بالقول "احب انوه ان هذا العمل يتم يوميا مناصفة بكل شي مع نبيل سهيل الذي لولاه لما تم هذا العمل نهائيا". ويضيف "هناك تسع اسر عالقه في اسيوط (جنوب مصر) وردتنا اتصالات منها بنفس المشاكل".
عقود إيجار الشقق
دور السفارة اليمنية في القاهرة غائب والقنصل لا يمتلك الدعم المالي
تقول المسؤولة عن الحملة سمر الخرباش أنه "تم التواصل مع السفارة لكن بصورة شخصية مع القنصل الأستاذ خلدون ياسين لأنه الوحيد الذي أبدى تعاونه منذ بداية الحملة وهو مصدر ثقة لدينا لكننا نتمنى دور أكبر للسفارة. حتى الآن دورها حصر الأسماء لمعرفة عدد العالقين و التواصل مع الجهات الرسمية. وقد تحدثنا مع القنصل من أجل التنسيق لتوفير المساعدات للعالقين لكي لا تتضارب الجهود".
حتى هذه اللحظة فإن ما تقوم به السفارة هو توجيه العالقين والذين يقدمون إلى السفارة بالتواصل مع القائمين على الحملة، يقول الشوافي ويضيف "يتم تحويلهم إلينا وكأننا الجهات الرسمية أو المسئولون عن سفرهم".
ويقول سهيل "لايوجد دور للسفارة سوى التنسيق فقط ولايوجد أي دعم مالى سوى من التجار وفاعلى الخير وتسارع من قبل الطلاب رغم ضروفهم الصعبه على جمع التبرعات واستضافت الكثير من الأسر . كما تفاجأنا بكثير من المقيمين اليمنيين هنا الذين افرغوا منازلهم هنا والذى يمتلكونها للحمله".
يقول الدكتور الشوافي متعجبا من تقاعس السفارة عن القيام بدورها "اما ان يجدوا حلول للسفر وتوفير السكن والعيش الكريم للحالات لحين سفرها او يقفلوا ابواب السفاره". ويضيف "لاننكر ان هناك محاولات للمساعده من طرف الاستاذ الخلوق القنصل خلدون ياسين ولكن هذا الرجل النبيل لايحظى بالدعم المادي والغطاء الكامل لدعمنا كمبادره".
وضع كارثي في حال استمر الحضر الجوي
سألنا في "مندب برس" القائمين على المبادرة عما يمكنهم تقديمه في حال استمر الوضع كما هو عليه لأكثر من شهر فأبدوا قلق شديد من هذه الناحية . تقول الدكتوره الخرباش "الوضع سيكون كارثي فهنالك عالقين لا يمتلكون ما يكفيهم لأكثر من إسبوع". وتضيف بالقول " على الدولة اليمنية أن تتحمل مسؤليتها ويجب اطلاق قرار سياسي بهذا الخصوص فمبادرتنا تحاول جاهدة التخفيف من المعاناة الإنسانية للعالقين فنحن لن نقبل أن يتم طرد أبناء بلدنا من شققهم التي قاموا باستئجارها ومن ثم نجدهم في الشارع أو المساجد وقد رأينا حالات كثيرة". وقالت "يجب حل المشكلة بقرار سياسي مع دول التحالف ب ممر جوي لإعادة العالقين لحل المشكلة من جذرها هناك طائرات تنزل لإجلاء الأجانب من اليمن فكيف لا يمكن لليمني العودة ؟؟
ويقول الدكتور الشوافي "اذا طالت ستمس الطالب بعد المريض ولاننسى ان هذا الشهر هو موعد الاستحقاق الربع السنوي لمرتبات الطلاب الدارسين في مصر فكيف سيكون وضعهم اذا لم يستلموا مرتباتهم. هناك حالات من العالقين لم يستطيعوا اكمال علاجهم ولم يستطيعوا العوده وهذا مشكله كبيره . بالامس توفت اخت الاخ هاني منصور العالق هنا بالقاهرة بمستشفى النخيل ولم يسطيع الايفاء بفلوس المستشفى ولم يستطيع اخذ الجثمان لدفنه الا بعد تدخل اهل الخير".
أما الدكتور الشامي فقد أبدى قلق كبير حيث قال "لو استمر الوضع كثيرا فستكون النتائج كارثية بما لهذه الكلمة من معنى السكن والأكل والشرب والبعد ومشاكل تحويل الاموال كل هذه تعود بالسوء على العالقين وبخاصة في وجود شحة في الدعم والامكانات القليلة بحكم أنا طلاب لاتوجد لنا علاقات وتواصل برجال الأعمال والمسؤولين ".
ويضيف الشامي "نتمنى من التجار والخيرين ورجال الأعمال المساعدة بكل مايستطيعون لانقاذ هؤلاء العالقين وكل يتبرع بما يستطيع يأخذ شقق يأجرها نسكن فيها الناس أو يشتري مواد غذائية ونحن سنقوم بتوزيعها أو بما يقدر عليه من أمور الدعم وننوه أن الدعم يتم عبر التواصل بأحد أفراد الحملة المذكورين في الإعلان المرفق أو بالدكتورة سمر مسؤولة الحملة ".
دور منظمات الإغاثة العالمية
عند سؤالنا للمسؤولين عن المبادرة هل قاموا بالتواصل مع منظمات اغاثة او منظمات اللاجئين قالت الدكتورة الخرباش " العملية هنا معكوسة فالعالقين ليسوا لاجئين وانما يريدون العودة إلى الوطن" وقالت أنه "يتم حاليا فعلا التواصل مع بعض المنظمات لكن الأمر ليس بشكل رسمي" ولم توضح أكثر حول هذا التواصل أو نتائج.
وقال الشوافي "اذا استمر الوضع أكثر من ذلك سيكون تدخل هذه المنظمات واجب".
فيما قال الاستاذ سهيل "حاليا يتم التواصل مع كثير من المنظمات الدولية فى محاولة أما لإيجاد حلول لعودة العالقين أو تتكفل بدعمنا لنواصل المجهود فى حالة طالت العملية". وقال "نشكر التحرك الجاد من قبل الدكتور عبدالكريم الاريانى والأستاذ الحقوقى وزير حقوق الإنسان السابق عز الدين الاصبحى".
تذاكر سفر لشخصين من العالقين كان موعد رحلة عودتهم إلى اليمن في 29 مارس الماضي وما زالوا عالقين في القاهرة حتى هذه اللحظة