
شنت جماعة الحوثيين حملات اختطاف واسعة في مناطق سيطرتها خلال العام الحالي. وزادت وتيرة حملات الاختطاف بالتزامن مع إحياء ذكرى ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962، وكذلك عقب الانكشاف الأمني للجماعة، والذي سبّب استهداف إسرائيل لقياديين مدنيين وعسكريين داخلها عبر ضربات دقيقة نهاية أغسطس/آب الماضي، ما سبّب مصرع عشرات من القيادات العليا للجماعة، على رأسهم رئيس حكومة الحوثيين غير المعترف بها دولياً أحمد الرهوي، مع عدد من الوزراء، وكذا رئيس هيئة الأركان العامة الفريق الركن محمد الغماري.
وتحول موظفو المنظمات الدولية والإغاثية والصحافيون والأكاديميون والتربويون والقيادات السياسية والاجتماعية، إلى أهداف لحملة اختطاف واسعة في جميع المحافظات الواقعة تحت سيطرة الجماعة، مع تركزها أساساً في صنعاء ومحافظتي ذمار وإب جنوبي صنعاء، حيث تجاوز عدد المختطفين خلال الأشهر الماضية المئات، فيما تم تقديم العشرات منهم للمحاكمة بتهمة "تشكيل خلايا تجسس تابعة للعدو الصهيوأميركي والسعودي"، على حد قول الحوثيين.
الأكاديمي والمفكر اليمني أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء حمود العودي لم يسلم من حملة الاختطاف الحوثية، على الرغم من تجاوزه سنّ الثمانين عاماً، وانشغاله طوال السنوات الماضية بتشكيل مبادرة لإيقاف الحرب في البلاد ودعم جهود السلام، والإفراج عن المختطفين لدى الأطراف المختلفة، وفتح الطرق بين المدن. وأقدم مسلحون حوثيون في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي على اختطاف العودي وأمين عام التحالف المدني للسلم والمصالحة عبد الرحمن العلفي، والناشط أنور خالد شعب. وبحسب مقربين من العودي فقد جاءت عملية الاختطاف بسبب مقال كتبه على صفحته في "فيسبوك" قال فيه إن "تعز اليوم برغم الجراح، ما تزال المدينة الوحيدة التي تتنفس السياسة من دون قمع، وتستضيف التعدد من دون خوف، وتفتح صدرها لكل فكرة ما دامت لا تحمل رصاصة في حقيبتها. هي آخر ما تبقى من روح الجمهورية، وآخر مساحة يمارس فيها الإنسان حقه في أن يكون إنساناً".
سجون الحوثيين تعج بأصحاب الرأي
وانضم العودي إلى قائمة طويلة من أصحاب الرأي والكلمة الذين تعج بهم سجون الحوثيين، مثل الصحافي محمد المياحي، والصحافي والكاتب الساخر أوراس الإرياني، والصحافي ماجد زايد، بالإضافة للصحافيين والإعلاميين المختطفين لدى الجماعة منذ فترات سابقة، وهم وحيد الصوفي، نبيل السداوي، وليد غالب، عبد العزيز النوم، عبد الجبار زياد، حسن زياد، عبد المجيد الزيلعي، وعاصم محمد. كما شملت حملة الاختطاف الأخيرة عدداً من القيادات الحزبية، أبرزها غازي الأحول الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام (جناح صنعاء الموالي للحوثيين)، و12 قيادياً من الحزب، والشيخ محمد بن محمد عبد ربه الشغدري، عضو المجلس المحلي بمديرية عنس بمحافظة ذمار ورئيس الدائرة الإعلامية للتجمع اليمني للإصلاح في المحافظة سابقاً، ومحمد أحمد الهجري وكيل محافظة ذمار لشؤون الوحدات الإدارية سابقاً وشقيق البرلماني عبد الرزاق الهجري الأمين العام لحزب التجمع اليمني للإصلاح، والشيخ القبلي حارث بن عبد العزيز الحشار الذي تم اختطافه في محافظة عمران شمال صنعاء بسبب وضع شعار ثورة 26 سبتمبر كحالة في تطبيق "واتسآب". واختطف الحوثيون عدداً من أئمة المساجد، أبرزهم الشيخ محمد حسين الديلمي، خطيب مسجد وأمين قرية أعماس الظلع بمديرية الحدا في محافظة ذمار، وذلك على خلفية رفضه تدريس "الملازم" (الكراسات) الطائفية الحوثية، أو المشاركة في الأنشطة الفكرية التي تفرضها الجماعة على المدارس والمساجد في المنطقة، بالإضافة إلى عشرات التربويين في تعز وإب وذمار.
كما اختطف الحوثيون العشرات من موظفي المنظمات الدولية والإغاثية، تجاوز عددهم 60 موظفاً، أبرزهم: نسرين الشرماني، وحنان الشيباني، وأيمن الشوافي، وإبراهيم المقالح، وشعيب عبد الله، ونجيب الدريوم، وغازي الإرياني، ومحمود عبيد، ورمزي الفاردي، وهم موظفون في برنامج الأغذية العالمي، وعلاء عبده، وإبراهيم الرازحي، ووليد السياني، ومازن الحمادي، وعبد الجليل القريضي، وهم موظفون في مجمع سكن الأمم المتحدة، وممدوح الكثيري، الموظف في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
اقتحام مقار منظمات دولية
وكان الحوثيون قد اقتحموا بعشرات المسلحين، برفقة مجندات من المليشيا النسوية والتي تعرف بـ"الزينبيات"، مقار عدد من المنظمات الدولية، وقاموا باختطاف موظفين، والعبث بمحتويات المكاتب، ومصادرة عدد من الأجهزة، أبرزها أجهزة الاتصالات والحواسيب. وأبرز المكاتب التي تم اقتحامها هي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، ومكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، ومقر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، والمجمع السكني للأمم المتحدة. كما اقتحم الحوثيون مكاتب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومقر الهيئة الطبية الدولية، ومقر منظمة أوكسفام، ومنظمة أطباء بلا حدود، ومنظمة الإغاثة الإسلامية، ومنظمة العمل ضد الجوع، ومنظمة أكتد الفرنسية، ومنظمة هيومن أبيل. وفي محافظة حجة شمال غربي البلاد اقتحم الحوثيون مكاتب منظمة أوكسفام، والمجلس النرويجي للاجئين، والمجلس الدنماركي للاجئين.
وفي الثامن من الشهر الحالي أطل اللواء علي الحوثي، نجل مؤسس جماعة الحوثيين حسين بدر الدين الحوثي، من وسائل الإعلام الحوثية لإلقاء بيان باسم وزارة الداخلية في حكومة الحوثيين، أعلن فيه إلقاء القبض على شبكة تجسسية، زعمت الجماعة أنها "تتبع غرفة عمليات مشتركة بين المخابرات الأميركية والموساد الإسرائيلي والمخابرات السعودية، ومقر غرفة العمليات المشتركة في الأراضي السعودية". وبثت وسائل إعلام الجماعة ما زعمت أنها "اعترافات لأفراد الشبكة".
ووصف مراقبون إعلان الحوثيين بالمهزلة الهادفة لاصطناع إنجاز أمني وهمي على حساب دماء الضحايا الذين تم انتزاع اعترافات كاذبة منهم، في مسرحية تعكس الصراعات الداخلية بين أجنحة وتيارات تتنازع النفوذ داخل الجماعة، خاصة مع تواري وزير الداخلية عبد الكريم الحوثي، الذي تفيد بعض المعلومات أن حالته الصحية حرجة بعد إصابته في الغارة الإسرائيلية نهاية أغسطس الماضي، وتقديم علي الحوثي كبديل مرشح لخلافة زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي. وكانت المحكمة الجزائية المتخصصة بدأت، في 9 نوفمبر الحالي، أولى جلسات محاكمة المتهمين ضمن شبكة تجسسية، وعددهم 21 متهماً، بينهم امرأة، بتهمة التخابر مع دول أجنبية في حالة عداء مع الجمهورية اليمنية. وتتم إجراءات المحاكمات من دون حضور محامين للدفاع عن المتهمين، الذين تتركز التهم الموجهة إليهم مباشرة حول التخابر، ورفع إحداثيات، وتركيب كاميرات، والسفر خارج البلاد، والتجنيد.
الاختطاف انعكاس لحالة الخوف
وكيل وزارة العدل في الحكومة المعترف بها دولياً المحامي فيصل المجيدي قال، لـ"العربي الجديد"، إن "حملات الاختطاف الحوثية انعكاس مباشر لحالة الخوف من طلبات الشعب اليمني باستحقاقات الرواتب والخدمات المحروم منها منذ عقد من الزمن". وأضاف: "كما أنها مؤشر عن حالة التصدّع الداخلي داخل الجماعة، فضلاً عن كون الأمر مرتبط أصلاً بمحاولة إظهار التماسك والقوة في الميدان، بعد أن تهشمت صورة الحوثيين بعد كل ضربة خارجية، ودمرت الصورة التي سعت الجماعة لتصديرها داخلياً وخارجياً، بأنها تقف على أرضية صلبة ولا يمكن اختراقها، وأنها هي من تقوم بالفعل والآخرين يردون عليها دون أن يتم اختراقها. بل إن بعض أتباعها حاولوا القول: نحن أقوى من إيران وحزب الله، لم يتمكن أحد من اختراقنا. ثم صدموا بضربة حكومتهم الكرتونية، والأهم سقوط قيادات عسكرية كالغماري وأمنية مهمة".
وأضاف المجيدي أن "الجماعة حين تفقد السيطرة الشعبية، وتتصاعد نقمة الناس عليها بسبب الفقر والجوع، تلجأ لسياسة القمع والاعتقال لتكميم الأفواه وبثّ الرعب في المجتمع. وما يسمونه نجاحاً أمنياً بالقبض على شبكة تجسس مسرحية متكررة تُستخدم لتبرير الاعتقالات الواسعة، ولتشتيت الرأي العام عن أزماتهم الداخلية وجرائمهم ضد المدنيين". وأشار إلى أن الجماعة "كلما واجهت أزمة سياسية، أو خلافات بين أجنحتها، اعتادت أن تخترع شبكة تجسس، أو عميلاً خارجياً لتوحد صفها الداخلي، وتعمل على تماسك حاضنتها، ومحاولة الحفاظ على المعنويات. وما نراه اليوم من تصاعد عمليات الاختطاف واعترافات متلفزة مفبركة، كلها دلائل على صراع تيارات داخلية، حيث يسعى كل جناح لإثبات الولاء والتفوق أمام زعيم الجماعة، حتى لو كان الثمن مزيداً من الدم والاختطاف، فضلاً عن الرغبة في إبراز علي حسين الحوثي باعتباره الأمني المسيطر الذي استطاع الإيقاع بشبكة عالمية، مع أنه عملياً لم يكشف لنا اسماً حقيقياً من هذه الشبكة". وتابع: "الموضوع محاولة لالتقاط الأنفاس لا أكثر، والضحية أولئك المساكين الذين تطالب نيابة الأجهزة الأمنية بإعدامهم، والقرار بذلك سيصل من مكتب عبد الملك الحوثي لإكمال المسرحية".
بدوره، قال رئيس الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين رضوان مسعود، لـ"العربي الجديد"، إن جماعة الحوثيين تواصل انتهاج سياسة الاختطاف وسيلةً لترهيب المواطنين وإسكات الأصوات المعارضة، في محاولة لفرض ثقافتها الطائفية على المجتمع، والهروب من الاستحقاقات المعيشية ومطالب صرف رواتب الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة الجماعة". ورأى أن جماعة الحوثيين "تواصل فبركة أفلام ومسرحيات إعلامية تحت مسمى الإنجازات الأمنية، في محاولة للتغطية على الاختراقات داخل أجهزتها الأمنية، وتقديم صورة زائفة عن احترافها الأمني"، مشيراً إلى أن "هذه الأساليب تُستخدم أيضاً لابتزاز المجتمع الدولي عبر اختطاف موظفي المنظمات الأممية".
وبرأيه فإن أن "الأجنحة الأمنية التابعة لجماعة الحوثيين تشهد صراعاً متزايداً على النفوذ والتسلط، حيث تسعى أسرة الحوثي لاحتكار القرار، وفرض هيمنتها على حساب بقية الأسر، في إطار صراع داخلي يعكس طبيعة الجماعة القائمة على التمييز والسعي للسلطة بأي ثمن".