2025/09/12
35 عاماً من التضحيات.. التجمع اليمني للإصلاح في مواجهة الانقلاب وإسناد الدولة

خمسة وثلاثون عامًا مضت منذ أن شقّ التجمع اليمني للإصلاح طريقه في الحياة السياسية، حاملاً هموم الناس وقضايا الوطن، متقاطعًا مع أهم التحولات التاريخية التي عرفتها البلاد منذ تحقيق الوحدة اليمنية.

خمسة وثلاثون عامًا مثّلت ولا تزال تمثّل رحلة سياسية ووطنية حافلة بالتحديات والمواقف، عاشها التجمع اليمني للإصلاح منذ تأسيسه عام 1990 مع بزوغ فجر الوحدة اليمنية وحتى اليوم وهو حاضر بقوة في معركة الدفاع عن الجمهورية واستعادة الدولة.

منذ انطلاقه، حمل الحزب على عاتقه قضايا الناس، وتفاعل مع هموم الشارع اليمني في السياسة والاقتصاد والتعليم، وشكّل مع مرور السنوات واحدًا من أكثر القوى السياسية تأثيرًا وحضورًا على الساحة الوطنية.

جاء تأسيس الحزب في بيئة سياسية جديدة، حيث ظهرت الحاجة إلى تنظيم القوى السياسية بما يتوافق مع التعددية التي فرضتها الوحدة اليمنية، وتوفير منصة للعمل المدني المنظم ضمن إطار الجمهورية اليمنية.

ارتكز التجمع في بداياته على هوية إسلامية معتدلة، مع الالتزام بالعمل السياسي المدني والمشاركة في العملية الديمقراطية، وقد حرص الحزب على التوازن بين القيم الدينية والالتزامات الوطنية، وهو ما ميّزه عن الحركات الأخرى التي اتخذت مسارًا أيديولوجيًا ضيقًا.

 

الإصلاح والوحدة.. جذور البداية

شهدت اليمن بعد إعلان الوحدة اليمنية في الـ22 من مايو 1990م صعود أول تجربة للتعددية الحزبية والسياسية، ولعب الإصلاح دورًا محوريًا في هذه التجربة من خلال تطوير البنية الحزبية وتنظيم العمل السياسي وفق قواعد دستورية، والمشاركة البرلمانية والانتخابية منذ أول انتخابات شهدتها دولة الوحدة في الـ27 من أبريل 1993، مما ساهم في صياغة ثقافة سياسية جديدة في المجتمع اليمني.

لم يقتصر نشاط الإصلاح على السياسة فقط؛ بل امتد ليشمل العمل الاجتماعي والمبادرات التنموية، خصوصًا في قطاعات التعليم والشباب والتدريب المهني، وقد ساهم هذا التوجه في تعزيز الصورة الوطنية للحزب كفاعل اجتماعي مسؤول، إلى جانب دوره السياسي الفاعل.

لقد ولد الإصلاح في لحظة فارقة بتاريخ اليمن، بعد إعلان الوحدة، ليكون شريكًا في التجربة الديمقراطية الناشئة، مشاركًا في الانتخابات النيابية، ومؤثرًا في الحياة البرلمانية، ومدافعًا عن مشروع الدولة الحديثة. ورغم ما رافق ذلك من عقبات ومنعطفات، ظل الحزب يرى في الوحدة خيارًا وطنيًا، وفي الجمهورية مظلة جامعة لكل اليمنيين.

 

الإصلاح والعمل الوطني

بعد تأسيسه، دخل التجمع اليمني للإصلاح في العملية البرلمانية والسياسية بفاعلية، مستفيداً من التجربة الديمقراطية الوليدة بعد الوحدة، وكان للحزب حضور في الانتخابات النيابية المبكرة، حيث ساهمت قوته التنظيمية في تعزيز التعددية السياسية ورفع سقف النقاش العام، وتطوير أساليب العمل الحزبي الديمقراطي، بما في ذلك الحملات الانتخابية، ومراقبة الأداء الحكومي، وتقديم رؤى إصلاحية حول السياسات الاقتصادية والاجتماعية، مع التركيز على الحد من الفقر وتحسين الخدمات الأساسية.

كما لعب الإصلاح دورًا بارزًا في القطاع التعليمي والتربوي، من خلال دعم برامج تدريب الكوادر الشبابية، وتنظيم الجمعيات الطلابية، والمساهمة في تطوير المناهج التعليمية بما يتماشى مع قيم المواطنة والهوية الوطنية. هذا النشاط العلمي والاجتماعي عزز مكانة الحزب كفاعل وطني وليس مجرد قوة سياسية تقليدية.

وفي خضم الأزمات السياسية التي مرّ بها الوطن، والتوترات الاقتصادية، كان للحزب موقف واضح في دعم الوحدة اليمنية والتأكيد على حماية النظام الجمهوري، والمشاركة في صياغة التشريعات الأساسية التي تعزز حقوق المواطنين وتضمن التوازن بين السلطات، والتحذير من تفاقم الفقر والبطالة والعمل على رفع الوعي المجتمعي حول أهمية التنمية الاقتصادية.

وعلى المستوى الإقليمي، بدأ الإصلاح في إقامة علاقات إستراتيجية مع القوى العربية والدولية، لدعم مشروع الدولة اليمنية، والمساهمة في الجهود التنموية والاقتصادية، ما أتاح له موقعًا مرموقًا كطرف سياسي قادر على التأثير في صياغة السياسات الوطنية والدفاع عن مصالح اليمن على المستوى الإقليمي.

ويؤكد مراقبون أن الإصلاح نجح في تثبيت قواعد العمل الحزبي المدني داخل المجتمع اليمني، وساهم في بناء ثقافة سياسية متعددة قادرة على استيعاب التعددية الفكرية والحزبية، وأصبح جزءًا من النسق الوطني الرسمي والمجتمعي، مما مكنه لاحقًا من مواجهة التحديات الأكبر بعد الانقلاب الحوثي على الدولة في سبتمبر 2014.

 

الإصلاح في مواجهة الانقلاب الحوثي

مع انقلاب الحوثيين على الدولة في سبتمبر 2014، دخلت اليمن مرحلة حرب شاملة تركزت على استعادة الشرعية وحماية المؤسسات الوطنية، وشكلت هذه المرحلة اختبارًا حقيقيًا للقوى السياسية الوطنية، خاصة تلك التي التزمت بالدفاع عن الدولة والجمهورية، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتوسع نطاق الانتهاكات الحوثية.

لقد أعلن التجمع اليمني للإصلاح دعمه الكامل للشرعية الدستورية ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، وانخرط في الجهود الرامية إلى التنسيق مع التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات لاستعادة الدولة، وتعزيز الجبهة الداخلية عبر تحفيز المشاركة المجتمعية في المقاومة المدنية والسياسية ضد الانقلاب الحوثي، ودعم المبادرات الوطنية والدولية للسلام، مع التأكيد على ضرورة إعادة الدولة إلى مؤسساتها الدستورية.

كما برز الإصلاح خلال هذه المرحلة كفاعل محوري في المجالين السياسي والإعلامي من خلال المشاركة في التكتلات الوطنية المعارضة للانقلاب، والمساهمة في صياغة مواقف موحدة للأحزاب لمناصرة الشرعية، وإعلاميًا عمل على فضح انتهاكات الحوثيين في المناطق الخاضعة لهم، وتعزيز وعي المجتمع المحلي والدولي بمخاطر الانقلاب على الدولة.

بالتوازي مع ذلك، امتد نشاط الإصلاح إلى العمل الإنساني والاجتماعي، حيث ساهم في تقديم الدعم للمجتمعات المتضررة من الحرب، وتنسيق الجهود مع منظمات المجتمع المدني لتخفيف آثار النزاع على المدنيين، والدفع بمبادرات التعليم والتدريب للشباب لضمان استمرارية التنمية المجتمعية حتى في ظل الحرب.

وإزاء ذلك كله، واجه الحزب خلال هذه الفترة حملة استهداف شاملة من قِبل الحوثيين شملت الاختطافات، الاغتيالات، ومصادرة ممتلكاته ومقراته، واختطاف أعضائه وقاداته وفي مقدمتهم الأستاذ محمد قحطان عضو الهيئة العليا للإصلاح المختطف منذ أكثر من عشر سنوات. ورغم هذه المخاطر، استمر الإصلاح في ممارسة دوره الوطني، المساند للشرعية لاستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب.

 

نموذج فريد للعمل السياسي

يؤكد مراقبون أن الإصلاح وخلال ثلاثة عقود ونصف العقد مثّل نموذجًا فريدًا في المشهد السياسي اليمني، حيث جمع بين الالتزام بالهوية الوطنية والدفاع عن الدولة الجمهورية، وبين الانخراط في العمل السياسي المدني والمجتمع المدني على حد سواء، إضافة إلى قدرته على التكيف مع التحولات السياسية والاجتماعية، دون التفريط في المبادئ الوطنية الأساسية التي تأسس من أجلها.

لقد أثبت الإصلاح أنه قوة وطنية فاعلة في مواجهة التحديات الكبرى التي واجهت اليمن منذ تأسيس الحزب وحتى اليوم، حيث ساهم في ترسيخ التعددية السياسية، وحماية المؤسسات الوطنية، والمشاركة في صياغة مواقف مشتركة ضمن التكتلات الوطنية والتحالف العربي لدعم الشرعية وإحلال السلام.

وحسب مراقبين، فإن تجربة الإصلاح تمثل مرجعًا مهمًا لدور الأحزاب السياسية في اليمن في تعزيز الدولة ومؤسساتها، وحماية الهوية الوطنية، وتحقيق التوازن بين السياسة والعمل المجتمعي. واليوم، وفي الذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيسه، يقف الحزب أمام منعطف جديد، مؤكدًا أن خيار الدفاع عن الجمهورية، والوقوف مع الشرعية، والعمل من أجل السلام، سيبقى جوهر أهدافه، وامتدادًا لمسيرته الوطنية التي انطلقت مع فجر الوحدة اليمنية، وما زالت مستمرة حتى اليوم.

 

*الإصلاح نت

تم طباعة هذه الخبر من موقع مندب برس https://mandabpress.info - رابط الخبر: https://mandabpress.info/news70119.html