بينما كان متحدث ميليشيا الحوثي يضج أسماع العالم ببيانه الذي ادّعى فيه إطلاق صاروخ نحو إسرائيل "نصرة لغزة"، كانت مدفعية الميليشيا تصوّب قذائفها نحو بيت صغير في ريف محافظة ريمة، تسكنه أسرة لا تملك سوى المصاحف، ويعلو سقفه صوت شيخ سبعيني وهب عمره للقرآن، اسمه: الشيخ صالح حنتوس.
لم يُسفر صاروخ الجماعة عن شيء في إسرائيل، لكن القذائف التي أُطلقت على منزل الشيخ أدّت إلى استشهاده وإصابة زوجته، بعدما أحكمت الميليشيا حصارها على منزله، وقصفت الخزانات ومصادر المياه، ورفضت إدخال أي مساعدة طبية أو إنسانية، وسط استمرار إطلاق النار حتى بعد توقف المواجهات.
وجاء مقتل الشيخ حنتوس (72 عاما) بعد يوم كامل من الحصار المسلح واشتباكه معهم وإلى جانبه نجل شقيقه الذي أصيب هو الآخر، وفق ما أفادت به مصادر محلية وشهود عيان. واستُهدف بقذائف مدفعية ورصاص قناصة وهو مرابط على سطح منزله في مديرية السلفية، الذي تعرض لقصف مدفعي كثيف وإطلاق نار من رشاشات متوسطة، في عملية عسكرية شارك فيها عشرات المسلحين الحوثيين.
وأكدت زوجته، في اتصال هاتفي أجري معها مساء الثلاثاء، أنها تنزف منذ أكثر من 13 ساعة، وقالت: "قتلوا زوجي وهو في السطح، وأنا مصابة، حاولت الصعود للتأكد من مصيره، فأطلقوا النار عليّ وأُصبت بشظايا مجددا."
وأضافت أن خزانات مياه الشرب في سطح المنزل تعرّضت للقصف المباشر، وأن الحوثيين رفضوا وساطة محلية لإدخال المياه أو السماح بإجراء إسعافات أولية لها ولـوالدتها المسنّة، واللتين لا تزالان تحت الحصار والقصف حتى اللحظة.
وكانت الزوجة قد أوضحت في وقت سابق أنها لم تعد تسمع أي صوت صادر من جهة زوجها منذ مساء الثلاثاء، فيما استمر إطلاق النار المكثف من قبل الحوثيين الذين منعوا أي محاولة للإنقاذ أو الاقتراب من المنزل.
وبحسب المصادر، بدأ الهجوم الحوثي فجر الثلاثاء، عندما وصلت حملة عسكرية تضم عشرات العربات (الأطقم)، حاصرت منزل الشيخ، وشرعت في قصفه بشكل متواصل، ما أدى إلى إصابته بجروح بالغة، قبل أن ينقطع الاتصال به.
كما أكدت المصادر أن الميليشيا منعت متطوعين من أهالي المنطقة حاولوا الوصول إلى الضحايا لإسعافهم، رغم المطالبات العاجلة من الأهالي ومنظمات حقوقية محلية للتدخل الفوري.
وأفاد السكان أن الحملة المسلحة جاءت من معسكرات تابعة للحوثيين في محافظة ذمار ومنطقة السخنة بمحافظة الحديدة، بهدف اعتقال الشيخ قسرًا، بعد أن أصر على مواصلة تعليم القرآن الكريم في مسجده، رغم إغلاق داره التعليمية بقرار من سلطات الجماعة قبل سنوات.
وقاوم الشيخ حنتوس عملية الاقتحام بسلاحه الشخصي، رافضا الاستسلام، وفضل المواجهة حتى النهاية. وقال ناشطون إنه "استشهد واقفا، في وجه ميليشيا مدججة بالسلاح، رجل أعزل لكن صلب الإرادة".
وفي تسجيل صوتي نشر صباح الثلاثاء، قال الشيخ: "قصفونا داخل المسجد، حاولوا اغتيالي... إن شاء الله هي الشهادة، فمن قاتل دون عرضه أو ماله فهو شهيد."
وقد أثار استشهاده ردود فعل غاضبة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث قارن ناشطون بين مشهد اقتحام الحوثيين لمنزله، وما يقوم به جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة. وفي تسجيل صوتي آخر، قالت زوجته: "أخبروا كل من خدعهم الحوثة بشعار نصرة غزة، كيف يفعل بنا عبدالملك الحوثي في منزلنا، كما يفعله نتنياهو في غزة."
ويُعد الشيخ صالح حنتوس من أبرز الشخصيات التعليمية والدعوية في محافظة ريمة، وقد كرّس أكثر من خمسين عامًا من عمره في تعليم القرآن الكريم وتربية الأجيال.