ثلاث سنوات من عمر مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، شهدت خلالها البلاد أزمات وتحديات عديدة، كان أبرزها في الجانب الاقتصادي والخدمي، حيث استمرت عجلة تدهور الوضع المعيشي، وتضاعفت الأعباء المالية وتفاقمت حدة الأزمات الإنسانية، بنفس الحدة التي كانت عليها قبل نقل السلطة وتشكيل المجلس.
وبعد التدهور الذي شهدته العملة منذ اندلاع الحرب واصلت تدهورها الثلاثة الأعوام الأخيرة، حيث فقدت العملة الوطنية أكثر من 50% من قيمتها، وهذا التراجع جاء كمحصلة للخسائر التي لحقت بالمالية العامة للدولة وتعطل الصادرات النفطية، بعد أن قصفت جماعة الحوثي منشآت تصدير النفط في محافظتي حضرموت شبوة، في أكتوبر من العام 2022 وأدت تلك الضربات إلى توقف عملية الإنتاج والتصدير بشكل كلي، وعلى إثر ذلك شهدت مالية الدولة ضغوطات كبيرة، مع توقف إيرادات النقد الأجنبي المتأتية من الصادرات النفطية، وتراجع الموارد العامة المحلية، مع تحويل مسار الشحن البحري إلى موانئ محافظة الحديدة التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي.
انعكست هذه الضغوطات على أداء الحكومة في الملف الخدمي، حيث شهدت الخدمات الأساسية في العاصمة المؤقتة عدن، وبقية المحافظات المحررة، تراجعاً ملحوظاً، في حين ماتزال العديد من المحافظات اليمنية والمدن، محرومة من أبسط الخدمات الحكومية، كما هو الحاصل مع خدمة الكهرباء.
انطلاقة هشة
إبان تشكيل المجلس الرئاسي في أبريل 2022، حافظت العملة الوطنية على قيمتها عند حاجز 1200 ريال، مدعومة بتعهدات سعودية إماراتية بدعم الاقتصاد اليمني بثلاثة مليارات دولار، وعلى الرغم من هذه التعهدات، إلا أن الأوضاع المعيشية لم تتحسن كما كان يؤمل المواطنون.
استقرار هش شهدته البلاد خلال هذه المرحلة، إلى منتصف العام 2023، ثم بعد ذلك ارتفع سعر الدولار بما يقارب 100 ريال، أمام العملة المحلية، واستقر على هذا النحو إلى نهاية العام ذاته، قبل أن يسجل تراجعا سريعاً مع بداية العام 2024.
أثناء تلك الفترة، كانت التحديات الهيكلية تتربص، حيث توقفت صادرات النفط، بحلول أكتوبر 2022، جراء هجمات التي شنتها جماعة الحوثي، بطائرات مسيرة على موانئ الضبة والنشيمة، في حضرموت وشبوة، وعجز القيادة الجديدة عن حماية هذه الموانئ والحفاظ على حق الدولة في الاستفادة من الموارد السيادية في البلد، ما أدى إلى توقف التصدير تمامًا، وإلحاق خسائر هائلة بالمالية العامة للدولة، حيث قدرت بنحو 2 مليار دولار سنوياً.
تسارعت الأزمة مطلع 2023 مع تحويل مسار شحن السفن، عبر ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة جماعة الحوثي، لتتضاعف الخسائر الحكومية في جانب الإيراد، حيث كشف محافظ البنك المركزي، أحمد غالب، في مقابلة تلفزيونية، مطلع 2023، أن هذا التحول حرم الحكومة من 350 مليار ريال (291 مليون دولار آنذاك) كإيرادات ضريبية على الوقود خلال تسعة أشهر من 2022 فقط، ما يعادل ثلث إيرادات الجمارك في عدن.
وبما أن ضرائب الوقود كانت تشكل 20-25% من الإيرادات المحلية، أدت هذه الخسارة إلى شل قدرة البنك المركزي على دعم الريال. في الوقت نفسه، أنفقت الحكومة حوالي 50 مليار ريال في 2022 على صفقات وقود مشبوهة للكهرباء دون تحسن ملموس للخدمة، مما أدى لتزايد الضغط على الاحتياطيات، ليصل سعر صرف الدولار إلى 1450 ريال بحلول فبراير 2023.
تدهور مستمر
مع حلول العام 2024، تراجعت العملة أمام العملات الأجنبية حيث وصل الصرف إلى أكثر من 1500 ريال للدولار الواحد، مع تراجع إيرادات الجمارك في عدن من 500 مليار ريال سنويًا إلى أقل من 200 مليار ريال بسبب استمرار الاستيراد عبر الحديدة، على الرغم من وجود دعم سعودي بقيمة 1.2 مليار دولار، تم الإعلان عنه في أغسطس 2023.
فشلت الحكومة كعادتها في استغلال هذا الدعم الضئيل، بفعالية نتيجة الانقسامات الداخلية والفساد، حيث استُخدم الجزء الأكبر لتغطية العجز بدلاً من تثبيت العملة، وفي قطاع الكهرباء، كشف تقرير اللجنة البرلمانية لعام 2023 أن صفقة بـ100 مليار ريال لشراء ديزل رديء لم تمنع انقطاعات الكهرباء لمدة 12 ساعة يوميًا، مما عزز الاعتماد على الاستيراد ورفع التضخم إلى 40%.
انهيار حاد
شهدت هذه الفترة قفزة كبيرة، حيث وصل سعر الدولار إلى 1720 ريالًا في مايو 2024، ثم إلى 2070 ريالًا بحلول نوفمبر، مع استمرار النفقات العشوائية للحكومة وتراجع الإيرادات العامة، إذ استمرت الحكومة بنفقاتها التضخمية، دون أي محاولات للترشيد والإصلاح، كما هو الحال مع قطاع الكهرباء، الذي يمثل ثقباً أسود لاستنزاف موارد الدولة الشحيحة، حيث تنفق الحكومة نحو 1.8 مليون دولار يوميًا على كهرباء عدن.
وكان تقرير اللجنة البرلمانية لعام 2023، أشار إلى أن الإنفاق اليومي قد يصل إلى 3 ملايين دولار عبر صفقات غير شفافة، مع خسارة 575 مليون دولار في 2022 من صفقة واحدة يشوبها الفساد.
التراجع عن قرارات البنك المركزي في عدن
خلال الفترة من أبريل إلى أغسطس 2024، اتخذ البنك المركزي اليمني في عدن، سلسلة قرارات تهدف إلى فرض سيطرته على القطاع المصرفي اليمني، أبرزها القرار رقم (17) لسنة 2024 في أبريل، الذي ألزم البنوك التجارية والمصارف الإسلامية وبنوك التمويل الأصغر بنقل مقراتها الرئيسية من صنعاء إلى عدن خلال 60 يومًا، مهددًا باتخاذ إجراءات قانونية بموجب قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب ضد المخالفين.
كما أصدر في يونيو تعميمًا بحظر التعامل مع كيانات الدفع الإلكتروني غير المرخصة، مستهدفًا 12 محفظة دفع في صنعاء. وبررت الحكومة اليمنية، هذه الخطوات في مايو 2024 بأنها "قرار سيادي نقدي لتعزيز حضور الدولة الشرعية"، مؤكدة أنها تهدف إلى "حماية النظام المالي ودعم الإرادة الوطنية".
في المقابل، رد الحوثيون في يونيو 2024 بتهديد صريح للسعودية، قائلين: "البنك بالبنك والمطار بالمطار والميناء بالميناء"، معتبرين القرارات "حربًا اقتصادية"، وأوقفوا التعامل مع 12 بنكًا في مناطق الحكومة، مما عمق الانقسام المصرفي.
وفي 23 يوليو 2024، أعلن المبعوث الأممي هانس غروندبرغ عن اتفاق بين الحكومة والحوثيين تضمن تراجع البنك المركزي في عدن عن قراراته الأخيرة ضد البنوك، مع إلغاء الإجراءات المتبادلة واستئناف رحلات الخطوط اليمنية من صنعاء، بهدف تهدئة التصعيد الاقتصادي.
وفي أغسطس 2024، أصدر غروندبرغ بيانًا دعا فيه إلى "وقف التصعيد المصرفي فورًا"، محذرًا من "عواقب كارثية محتملة" لاستمرار وجود سلطتين نقديتين متنافستين، وحث الطرفين على الالتزام باتفاق يوليو 2024 لخفض التوتر الاقتصادي.
تفاقم الأزمة الإنسانية
مع بداية العام 2024 تضاعفت حدة التوترات في البحر الأحمر وباب المندب، بسبب الهجمات الحوثية ضد السفن التجارية، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، إضافة إلى وجود عوامل أخرى مثل تراجع حجم تمويلات المانحين الدوليين لخطة الاستجابة الإنسانية في اليمن.
تشير إحصائيات دولية، إلى أن هذه الأوضاع خلفت أكثر من 17 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي، وانتشار سوء التغذية على نطاق واسع، وازدياد عدد الأمراض التي يمكن الوقاية منها.
وقد استمرّت الأوضاع الاقتصادية في التدهور، مع استمرار انكماش إجمالي الناتج المحلي وإيرادات الدخل الحقيقية في العام 2024 بسبب الانخفاض الكبير في قيمة الريال اليمني، وتوقُّف صادرات النفط ومحدودية التمويل الخارجي، وارتفاع نسبة التضخم.
وطبقا لصندوق النقد الدولي، فإن مركز المالية العامة ومركز الأصول الخارجية ما يزال يعاني من ضغط شديد، مع انخفاض الاحتياطيات إلى مستويات حرجة، واستمرار مبلغ المتأخرات في الارتفاع.
يأتي هذا على الرغم من الإعلان المتكرر للحكومة عن وجود خطط للإصلاح وهيكلة المؤسسات، وترشيد الإنفاق، وتفعيل الحوكمة، حيث أعلنت الحكومة التزامها بالمحافظة على استقرار الاقتصاد الكلي والمضي قدمًا في الإصلاحات الهيكلية، مع التركيز على تعزيز انضباط المالية العامة وتوحيد العملة واستئناف الصادرات النفطية.
وقد أبدت السلطات التزامها بالمحافظة على استقرار الاقتصاد الكلي، والمضي قُدُمًا في الإصلاحات الهيكلية في ظلِّ هذه البيئة التي تكتنفها التَّحديات. كذلك تم إحراز تقدُّم في احتواء الإنفاق العام للتعويض جزئيًّا عن نقص الإيرادات في العام 2024، وذلك بالرَّغم من مواصلة الجهود التي تُبذل على صعيد الإدارة الضريبية والإدارة الجمركية. وقد أدَّت هذه الجهود أيضًا إلى الحدِّ من التمويل النقدي للموازنة، ومن الضغوط التضخُّمية.