مبكراً وكعادتها كل عام، دشّنت مليشيا الحوثي حملة واسعة في مناطق سيطرتها لإجبار أصحاب المحلات التجارية والمؤسسات على دفع الجبايات وتعليق الزينة والشعارات الخضراء بمناسبة "المولد النبوي"، وسط استياء واسع في الأوساط التجارية والشعبية.
وتوافق المناسبة مطلع سبتمبر المقبل، الموافق 12 ربيع الأول بالتقويم الهجري، وتحتفل بها الميليشيا بشكل مبالغ منذ أكثر من عقد، ودأبت على استغلالها لفرض إتاوات وجمع أموال طائلة بالقوة من مختلف القطاعات لصالح سلطتها وقياداتها.
وأكدت مصادر محلية لـ"المصدر أونلاين" أن لجاناً تابعة للمليشيا باشرت، منذ أيام، النزول إلى الأسواق والمدن لإلزام أصحاب المحلات والمؤسسات الأهلية بتعليق الزينة ودفع الجبايات، مهددة المخالفين بالغرامات والسجن، خصوصاً بعد ضعف الاستجابة لتعاميم وزعتها سابقا.
وبحسب المصادر، فقد فرضت المليشيا هذا العام مواصفات محددة لأشكال الزينة وأحجام الأقمشة الخضراء والأنوار، في سياق تحويل المناسبة إلى فعالية سياسية وفرصة لفرض مزيد من السيطرة على الفضاء العام في تلك المناطق.
وأوضحت المصادر أن لجان الجبايات والزينة لم تقتصر على المدن، بل وصلت إلى القرى والمناطق النائية، شاملة ملاك المحلات والمضخات وحتى أصحاب المشاريع الصغيرة والمزارعين.
وتلزم الميليشيا المؤسسات الكبيرة وكبار التجار بدفع مئات آلاف الريالات وأحيانا الملايين، إضافة إلى تكاليف الزينة لشهر كامل، بينما يفرض على المشاريع المتوسطة والصغيرة مبالغ تتراوح بين عشرات ومئات الآلاف، مع تهديد الرافضين بالسجن أو الغرامات.
ولا يتوقف الأمر عند القطاع التجاري، إذ توزع المليشيا ظروفاً لجمع التبرعات على المنازل، والطلاب، والعاملين في مختلف القطاعات، وغالباً ما تُرفق بأسماء المستهدفين لرصد المتخلفين عن الدفع عبر مشرفين وعقال أحياء متعاونين معها.
سليم ناصر، صاحب بقالة صغيرة جنوب إب، يقول لـ"المصدر أونلاين" إنه احتفظ بقطعة قماش خضراء من العام الماضي لكنها رُفضت من قبل المندوبين الحوثيين بحجة "الاستهزاء بالمولد"، وبـ "المسيرة القرآنية"، وأُجبر على شراء أخرى بمواصفاتهم المستحدثة مقابل 10 آلاف ريال، وعرضها في واجهة المحل رغم أن موعد المولد ما يزال بعد ثلاثة أسابيع، كما دفع 20 ألف ريال على دفعتين دون أي سند، بينما لا يتجاوز دخله اليومي 15 ألف ريال، ومحله يقع خارج المدينة.
وأثمرت هذه الجبايات ثراء لدى طبقة القيادات الحوثية الدنيا، يقول "خالد"، وهو مواطن من صنعاء فضّل عدم ذكر اسمه كاملاً، مشيرا إلى أن المشرفين وعناصر المليشيا يعيشون خلال هذه المناسبة أفضل أيامهم المادية، حيث يقضون أوقاتهم في استراحات صنعاء الفاخرة حتى ساعات متأخرة من الليل.
ويضيف نقلا عن عاملين في إحدى هذه الاستراحات، إن الحركة في هذه الفترة، وفي ما يسمى بذكرى "21 سبتمبر"، تكون غير عادية نتيجة الإقبال الكثيف من عناصر المليشيا وقياداتها الذين يمضون ساعات طويلة في مضغ القات والتخطيط ورصد المستهدفين.
ويضيف خالد، وهو أربعيني وأب لخمسة أطفال يعمل بالأجر اليومي، أن أحد هؤلاء الذين يعرفهم عن قرب، لم يعد يُدخل إلى بيته إلا وجبات جاهزة "سفري"، وعند سؤاله عن غيابه يقول: "نستعد لترتيبات المولد النبوي".
وأما "عادل"، الذي يعمل في استراحة بأحد الفنادق قرب ميدان السبعين، فيشير إلى أن ضغط العمل لديهم يكون غير مسبوق، فعناصر المليشيا يستمرون في الجلسات حتى الفجر، رغم أن الإغلاق المفترض يكون منتصف الليل.
وفي ذمار، يقول "أحمد" — مواطن ستيني رفض ذكر اسمه — إن أحد معارفه، وهو عاقل حارة بلا مصدر دخل ثابت و"يحصل على مبالغ من هنا وهنا، من ظهر المواطنين مقابل خدمات عادية"، يعيش مع أولاده المتزوجين في أحد منازله دون أي عمل، لكنه بعد كل موسم للمولد النبوي وذكرى "21 سبتمبر" يفاجئهم بترميم منزله وإضافة طابق جديدة وتأجير شقتين في هذا الدور الذي يرفعه، مستفيداً من الأموال التي يجمعها خلال هذه الفترات، مشيراً إلى أن هذا العاقل لم يكن يملك أي شيء قبل الانقلاب الحوثي.
تأتي هذه الحملة الحوثية في وقت يعاني فيه التجار والمواطنون من ركود حاد وتدهور غير مسبوق في الأوضاع المعيشية والاقتصادية جراء الحرب المستمرة منذ 11 عاماً، فيما حولت الميليشيا المناسبة إلى أداة منهجية لنهب الأموال وتعزيز نفوذها، على حساب قوت الناس ومعيشتهم. *المصدر أونلاين