الرئيسية > اخبار وتقارير > 3 سيناريوهات لنتائج القصف الأميركي على الحوثيين

3 سيناريوهات لنتائج القصف الأميركي على الحوثيين

icon

في 15 مارس/ آذار الماضي بدأت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قصفه على الحوثيين في اليمن، عبر شنّ غارات جوية تستهدف المحافظات الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثيين. وجاء العدوان الأميركي على اليمن عقب أربعة أيام من إعلان الجماعة استئناف عملياتها العسكرية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، بعد انقضاء مهلة منحها زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي للوسطاء في ملف وقف إطلاق النار في غزة، لإقناع تل أبيب بإنهاء الحصار الإسرائيلي للقطاع.

قرار الإدارة الأميركية بشن غارات جوية تستهدف الحوثيين، التي أطلق عليها وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث اسم "الفارس الخشن" جاء ترجمة للموقف الذي اتخذه ترامب بعد يومين من تسلمه السلطة في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي، والذي صُنِّفَت بموجبه جماعة الحوثيين "منظمة إرهابية عالمية". وقد حددت إدارة ترامب أهداف العدوان الأميركي على اليمن باثنين، هما "استعادة حرية الملاحة، وترسيخ الردع الأميركي"، فيما أكد هيغسيث أنه "لا شأن لنا بالصراع الأهلي في اليمن".

ومع تواصل العدوان الأميركي على اليمن يبرز التساؤل عن مدى نجاحه في تحقيق أهدافه المعلنة، وهل تسعى الإدارة الأميركية لتأمين طريق الحماية الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب فقط، أم يتعدى ذلك إلى القضاء على جماعة الحوثيين باعتبارها من الجماعات الموالية لإيران في المنطقة، بما تمثله من خطر على المصالح الأميركية وعلى مصالح حلفائها في المنطقة وعلى رأسهم إسرائيل؟

تركيز على البنية العسكرية للحوثيين وقياداتهم

بالنظر إلى الضربات الأميركية الحالية من حيث نوعها وحجمها والأهداف والمواقع التي تستهدفها، فإنها تفوق الهجمات التي شنتها الإدارة الأميركية السابقة برئاسة جو بايدن، والتي بدأتها ضمن التحالف الدولي مطلع العام الماضي. وتركز الهجمات الحالية على جانبين رئيسيين يتمثلان باستهداف البنية العسكرية للجماعة، وقياداتها. وتركزت معظم الغارات الأميركية حتى الآن بشكل رئيس على ثلاث محافظات تكتسب أهمية كبرى، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، للحوثيين، وهي صنعاء، وصعدة شمالي البلاد التي تعد المعقل الرئيس للجماعة، والحديدة الساحلية غربي البلاد التي تعد الشريان الاقتصادي للحوثيين. كذلك شمل العدوان الأميركي على اليمن محافظات أخرى مثل عمران وذمار وحجة وتعز وإب ومأرب والجوف والبيضاء، ما يعني أن الضربات شملت تقريباً كل الجغرافيا الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.

عدنان الجبرني: الضربات الأميركية غير فعالة كثيراً مع جماعة كالحوثيين

وعلى عكس الضربات التي نفذتها الإدارة الأميركية السابقة، فإن الهجمات الحالية ركزت على استهداف المعسكرات، والمطارات، ومخازن الأسلحة، ومواقع القيادة والسيطرة، ومنظومات الاتصالات، وورش تصنيع السلاح، والقيادات العسكرية للحوثيين. واعترفت الجماعة بمقتل عشرات العناصر، عبر إعلان تشييعهم في وكالة سبأ بنسختها التي تديرها الجماعة، فيما تحدثت تقارير إعلامية عن مقتل قيادات عسكرية رفيعة في الجماعة، بينها قائد القوات البحرية منصور السعادي (أبو سجاد) الذي تردد أنه قتل مع عدد من مرافقيه في إحدى الغارات على محافظة الحديدة، من دون أي تأكيد أو نفي من الحوثيين. ونشر ترامب، أول من أمس الجمعة، مقطع فيديو على منصته تروث سوشيال وحسابه على منصة إكس، يوثق غارة أميركية في اليمن تستهدف تجمعاً لمقاتلين من جماعة الحوثيين، من دون تحديد مكان الاستهداف وزمانه. وتُظهر صور باللونين الأبيض والأسود التُقِطت من الجو عشرات الأشخاص متجمعين في شكل شبه دائري قبل أن يُقصفوا. ويلي ذلك تصاعد دخان كثيف، ثم لقطات للموقع الذي تعرّض للقصف، حيث لم يتبقّ سوى بضع سيارات. وكتب ترامب في أسفل مقطع الفيديو: "هؤلاء الحوثيون تجمعوا للحصول على تعليمات بشأن هجوم". وأضاف: "عفواً، لن تكون هناك هجمات من جانب هؤلاء الحوثيين. لن يُغرِقوا سفننا مرة أخرى".

 

تأثير القصف الأميركي على اليمن

تعتمد معرفة تأثير القصف الأميركي على اليمن على عدة عوامل، أبرزها تركيبة جماعة الحوثيين وهيكليتها التنظيمية في الجوانب السياسية والعسكرية، وطبيعة ونوع ومصادر تسليحها، وقدرتها على المناورة، والتكتيكات العسكرية التي تستخدمها الجماعة، والطبيعة الجغرافية لأرض المعركة. وتمتلك الجماعة هيكلاً تنظيمياً معقداً، بوجود قيادة ظل تدير الجماعة سياسياً وعسكرياً، مع وجود قيادة أخرى في الواجهة. ومن أوراق القوة للجماعة تواري القيادة الفعلية لها عن الإعلام، حيث "المكتب الجهادي" الذي يعد العصب المركزي الرئيسي الذي يتحكم بها في مثل هذه الظروف تحديداً، وهو مكون من بضعة أشخاص بقيادة زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي. وهناك مكتب زعيم "أنصار الله" الذي يُعَدّ أساساً المجلس العام، وهو يضم مجالس الجماعة، مثل المجلس التنفيذي التعبوي بما فيه الإعلام والدعاية، والقطاع الإداري بما فيه الجوانب الحكومية والإنسانية، فيما يتولى فريق الاتصال الذي يرأسه محمد عبد السلام وبعض أعضاء المكتب السياسي التواصل مع الخارج والمبعوث الأممي الخاص إلى اليمن والسعودية، ويرفعون تقاريرهم مباشرة لزعيم الحوثيين.

 

كذلك تستفيد الجماعة من البنية الجغرافية للبلاد في مواجهة العدوان الأميركي على اليمن. فقد استفادت من الطبيعة الجبلية في حفر خنادق وأنفاق ومخازن الأسلحة في مرتفعات عدد من المحافظات، وأبرزها صعدة شمالي البلاد. وتعتمد جماعة الحوثيين على استراتيجية وجود معسكرات ومخازن أسلحة متنقلة وغير ثابتة، بالإضافة إلى عدم وجود تجمعات كبيرة للمقاتلين الذين ينتشرون كأفراد وجماعات صغيرة، ما يزيد من صعوبة وكلفة استهدافهم. ويعتمد الحوثيون في مواجهة العدوان الأميركي على اليمن على إدارة حرب استنزاف طويلة الأمد، خصوصاً في ظل كلفة الغارات التي تستهدفهم. وتنتهج الجماعة هذه الاستراتيجية اعتماداً على المساحة الشاسعة لمناطق سيطرتها التي تعقد من عمليات استهدافها، في ظل استمرار تدفق السلاح إليها، مع استمرار نشاط منافذ التهريب التي تجري عبر دول القرن الأفريقي، بالإضافة إلى التهريب البري عبر سلطنة عمان مروراً بمحافظة المهرة شرقي البلاد. إلى ذلك، فإن الإدارة الأميركية ستواجه تعقيدات لوجستية في عملياتها العسكرية ضد الحوثيين نتيجة افتقادها للمعلومات الاستخبارية الكافية عن الجماعة وقياداتها ومعسكراتها ومخازن أسلحتها، وعدم وجود بنك أهداف محدد، بالإضافة إلى فقدان حليف فعلي على الأرض يساهم في إنجاح عملية الاستهداف. ومن شأن هذه العوامل المساعدة في قراءة السيناريوهات المتوقعة لنتائج العدوان الأميركي على اليمن الذي أعلن مسؤولون أميركيون أنه سيستمر حتى تحقيق أهدافه.

3 سيناريوهات لمسار القصف

في هذا السياق، هناك ثلاثة سيناريوهات لمسار القصف الأميركي على اليمن، هي: السيناريو الأول، وهو مستبعد، وهو القضاء على الجماعة، وهذا الخيار يستدعي مواصلة الضربات مع التركيز على استهداف القيادات العليا للحوثيين، بالتوازي مع تحرك بري. ويمكن في هذه الحالة منح قوات الحكومة المعترف بها دولياً الضوء الأخضر للتحرك عسكرياً، مع تقديم دعم جوي ولوجستي ومالي من قبل الإدارة الأميركية والتحالف العربي. هذا السيناريو يبدو عسيراً لعدة عوامل، فالإدارة الأميركية أكدت أن لا علاقة بهجماتها على اليمن بالحرب الأهلية الدائرة فيها، كذلك لا تزال وحدات الجيش الوطني حتى الآن غير موحدة تحت قيادة وزارة الدفاع. ويضاف إلى ذلك أنه لا يوجد طرف مستعد لتحمل الكلفة المالية للبدء بعملية برية واسعة، التي ستكون باهظة جداً. فضلاً عن أن هذا الخيار يستدعي التنسيق والتوافق بين الإدارة الأميركية والفاعلين الإقليميين.

وفي هذا الإطار، قال المحلل العسكري العقيد عبد العليم أبو طالب، لـ"العربي الجديد"، إن "القضاء على جماعة الحوثيين ليس ضمن الأجندة الأميركية التي لها أهداف ردع من خلال الهجمات التي تشنها على الجماعة، والتي تهدف من خلالها إلى تأمين الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب، وإيقاف إطلاق الصواريخ والطيران المسيّر على الأراضي الفلسطينية المحتلة. أما قضية القضاء على الحوثيين، فقد كانت الإدارة الأميركية حجر عثرة أمام سعي القوات الحكومية لتحقيق هذا الهدف من خلال إيقاف معارك تحرير الحديدة في عام 2017 وفرض اتفاق استوكهولم في 2018". وأضاف أن "الضربات الجوية لا يمكن أن تحقق أهدافها إن لم يكن هناك تحرك بري يفرض واقعاً جديداً على الأرض، لكن جماعة الحوثيين لديها خبرة طويلة في التعامل مع الغارات الجوية، وبالتالي إن استمرار الهجمات الأميركية لن يحقق أي هدف، وسيعمل الحوثيون على استغلالها للترويج للجماعة واستغلال شعار الإسناد لغزة".

السيناريو الثاني، وهو النجاح في تحييد صواريخ الحوثيين ومسيّراتهم، وبالتالي القضاء على تهديد الجماعة للملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن، ولحلفاء أميركا وتحديداً إسرائيل. وهذا السيناريو يستدعي أن تأخذ الهجمات الأميركية وقتاً قد يمتد لعدة أشهر وربما سنوات، بالتزامن مع فرض حصار مطبق يمنع تزويد الحوثيين بالسلاح. هذا السيناريو سيكون مكلفاً مالياً للإدارة الأميركية، ويستدعي أيضاً استخدام أسلحة جديدة ونوعية، مثل القنابل الارتجاجية والخارقة للتحصينات من أجل استهداف مخازن الأسلحة داخل الجبال، حيث يجري الحديث حالياً عن استدعاء حاملة طائرات أميركية جديدة إلى منطقة العمليات في البحر الأحمر. وكان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) شون بارنيل أعلن، في بيان مطلع الشهر الحالي، أن حاملة الطائرات "كارل فينسون" ستنضم إلى حاملة الطائرات "ترومان" من أجل "مواصلة تعزيز الاستقرار الإقليمي، وردع أي عدوان، وحماية التدفق الحر للتجارة في المنطقة". بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا السيناريو يستدعي تفعيل العمل الاستخباري من أجل توسيع بنك الأهداف على الأرض وتقليل كلفة الهجمات وزيادة نجاعتها.

وقال الخبير بشؤون جماعة الحوثيين الصحافي عدنان الجبرني، لـ"العربي الجديد"، إنه "بالنسبة إلى الضربات الأميركية، فأنا لا أتوقع أنها قد حققت على مدى الأيام الماضية مكاسب كبيرة في تدمير قدرات الحوثيين، لأكثر من سبب، أولاً لأنه من الواضح أن الغارات وبنك الأهداف لا يزالان في طور أولي غير متقدم، وثانياً لأن هذه الطريقة التي تنتهجها الولايات المتحدة غير فعالة كثيراً مع جماعة كالحوثيين. وبالطريقة الحالية، لا أرى أن هناك ما يمكن القول عنه إنه سقف أدنى يمكن قياسه لنجاح أو فشل الضربات، لكنها بالتأكيد ستضعف الحوثيين إلى حد ما، إلا في حالة الانتقال إلى مستويات أعلى في الأهداف، وأيضاً فهم أدق لآلية عمل الجماعة". 

أما السيناريو الثالث، فيتمثل بعقد صفقة توقَف بموجبها الهجمات الأميركية على اليمن، ويستلزم ذلك التزام الحوثيين وقف الهجمات التي أعلنوها تحت اسم إسناد غزة، وربما يحصل ذلك من طريق اتفاق بين الإدارة الأميركية وطهران التي ستوعز إلى الحوثيين بوقف الهجمات. هذا السيناريو هو الأقرب للواقع نتيجة حرص النظام الإيراني على الحفاظ على جماعة الحوثيين حليفاً باقياً في المنطقة، وورقة تفاوضية مهمة. فبعد الضربات التي تعرض لها حزب الله في لبنان، وسقوط نظام بشار الأسد في سورية، باتت جماعة الحوثيين بمثابة خط دفاع أساسي  للنظام الإيراني، وبالتالي سيستخدم الأخير الحوثيين ورقة ضغط في مفاوضاته الخاصة بالملف النووي، وسيعمل بالمقابل على الحفاظ على الجماعة وتجنيبها أي خطر يهدد بالقضاء عليها.

عبد العليم أبو طالب: القضاء على جماعة الحوثيين ليس ضمن الأجندة الأميركية

وكان ترامب قد أعلن، مساء الخميس الماضي، أنه يفضل إجراء "مفاوضات مباشرة" مع إيران من أجل التوصل إلى اتفاق جديد حول برنامجها النووي، فيما أكدت طهران مراراً أنها تفضل مفاوضات غير مباشرة. وجاء هذا بالتزامن مع تقرير لصحيفة ذا تلغراف البريطانية، الخميس الماضي، أن إيران أمرت عسكرييها بمغادرة اليمن، متخلية عن حلفائها الحوثيين، فيما نقلت وكالة سبأ بنسختها الحوثية خبراً، الخميس الماضي، عن تلقي رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط اتصالاً من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان. كذلك فإن سيناريو عقد صفقة يُوقَف بموجبها العدوان الأميركي على اليمن هو الأنسب لجماعة الحوثيين، إذ ستتمكن من توظيفه في سياق خطابها الإعلامي باعتباره انتصاراً على أميركا وإسرائيل، وبالتالي ستستخدم هذا الخطاب في التعبئة والتحشيد إلى جبهات القتال ضد القوات الحكومية.