للعسل اليمني شهرته التي طافت الأنحاء، وعرفت في كل دول العالم، وهو يعرف بغلاء ثمنه، إذ يصل سعر بعض الأنواع إلى 500 دولار للكيلوغرام الواحد، وهناك ما يربو عن 30 نوعا من العسل يتم إنتاجها في محافظات اليمن.
تتصدر حضرموت محافظات اليمن في إنتاج العسل، تليها شبوة، ثم أبين، والحديدة، وتعز، وعمران، وأشهر أنواع العسل اليمني هي التي يتم إنتاجها عبر تغذية النحل بشجرة السدر، وهي شجرة مذكورة في القرآن الكريم، وفي سورة "الواقعة"، وصف أصحاب اليمين بأنهم "في سدر مخضود" أي في بلا أشواك.
وفي هذا النوع الذي يسمى "عسل السدر"، يقوم النحل بجمع الرحيق من الشجرة التي تزهر في شهري يوليو/تموز وأكتوبر/تشرين الأول، ورغم جودة وشهرة هذا النوع من العسل، يتم حصاده في الشتاء فقط، وباستخدام الطرق التقليدية. ويمتاز عسل السدر بكونه سميكاً وكثيفاً، وله لون ذهبي، ورائحة تشبه رائحة شجرة السدر.
وتنمو شجرة السدر البرية في المناطق الجافة، وتكثر في صحاري اليمن، ويعتبر رحيقها أكثر ثراءً من رحيق أشجار أخرى، ويظهر هذا في جودة العسل الذي يتم إنتاجه من النحل الذي يتغذى على رحيقها.
وهناك أنواع أخرى شهيرة من العسل اليمني، منها عسل السُمر (الطلح) المستخلص من أشجار السُمر، ويقبل على استخدامه مرضى السكري، وعسل الصال (الأثل)، وعسل السلام (السلم)، والعسل الجبلي، وعسل المراعي، كما أن هناك أنواعا تسمى وفقاً لمناطق إنتاجها، فهناك "الدوعني" نسبة إلى منطقة دوعن في محافظة حضرموت، والعسل العصيمي نسبة إلى منطقة العصيمات بمحافظة عمران، والعسل السقطري نسبة إلى جزيرة سقطرى.
وللعسل اليمني استخدامات عدة، فهو يستخدم لعلاج كثير من الأمراض، إضافة إلى دخوله في تحضير العديد من الوجبات اليمنية، وأبرزها "بنت الصحن" و"الفتة".
عسل السدر اليمني هو الأشهر عالمياً (العربي الجديد)تقول خبيرة التغذية اليمنية، زينب اليافعي، لـ"العربي الجديد"، إن "ملعقة واحدة من عسل السدر اليمني تحتوي ما يقارب 65 سعرة حرارية، وما يقارب 20 غراماً من السكر، وتكاد تكون خالية تماماً من الدهون، إضافة إلى احتوائها على كميات كبيرة من الفيتامينات والمعادن، ما يجعلها مفيدة للصحة، وتعد بمثابة علاج لكثير من الأمراض، وفي مقدمتها فيروس الكبد، وقرحة المعدة، والضعف الجنسي".
ومثل بقية المنتجات اليمنية، تأثر العسل بالحرب التي تشهدها البلاد منذ ما يقرب من عشر سنوات، والتي أثرت على عمليتي الإنتاج والتصدير، ويواجه منتجو العسل صعوبات في التنقل بين المناطق بحثاً عن مراع مناسبة للنحل، كما أن إغلاق الموانئ والمطارات، وغياب شركات الشحن أثر بشكل كبير على تصديره إلى الخارج، إذ كانت دول الخليج العربي تمثل السوق الأول للعسل اليمني قبل الحرب.
كما تأثر إنتاج العسل كثيراً بالتغيرات البيئية والمناخية التي يشهدها اليمن، وفي مقدمتها السيول والفيضانات، وكذا لجوء السكان لقطع الأشجار، ومن بينها شجرة السدر.
يعد الصحافي اليمني منير بن وبر، الذي ينتمي إلى محافظة حضرموت، واحداً من المهتمين بمهنة إنتاج العسل، وهو على معرفة بأسرار هذه المهنة. ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أن "هناك العديد من المعايير التي يتم من خلالها تقييم جودة العسل، منها اللون والرائحة والنكهة، وهي معايير يمكن ملاحظتها مباشرة أثناء الفحص، ويتميز العسل عالي الجودة بلون طبيعي ورائحة عطرية ونكهة فريدة، كما تتضمن المعايير درجة اللزوجة، إذ يتميز العسل الجيد بلزوجة عالية، وتوجد كذلك عدة معايير أخرى يمكن التعرف إليها من خلال الفحص الدقيق، بما في ذلك الفحص المخبري، مثل نسبة الرطوبة، ومعدل الحموضة، والخلو من المبيدات الحشرية، ونقاوة العسل تعني أن يكون طبيعياً من دون أية إضافات كالسكر أو الماء".
تتباين أنواع العسل اليمني بحسب المناطق (العربي الجديد)ويشير بن وبر إلى أن "جودة العسل بشكل عام تحددها جودة المراعي؛ إذ تعتمد الجودة بشكل كبير على نوعية الأزهار التي يجمع النحل منها الرحيق، فكل نوع من الأزهار يعطي العسل نكهة ولونا وخصائص غذائية فريدة. الحرب أثرت بشكل كبير على إنتاج العسل، وعلى استدامة هذه المهنة المتوارثة منذ آلاف السنين، ويعتبر ارتفاع تكاليف النقل من أكبر المشكلات، إذ يتطلب إنتاج العسل نقل النحل بين مراع مختلفة في مختلف المحافظات، لكن مع ارتفاع أسعار الوقود، أصبح هذا مكلفاً للغاية، كما أن الرعي الجائر تحدٍ آخر، إذ يؤدي تناقص المساحات الخضراء إلى تناقص الإنتاج، كما أن التغيرات المناخية تؤثر بشكل كبير على تربية النحل، وبالتالي على إنتاج العسل، إذ تؤدي الأنماط المناخية المتغيرة مثل السيول والأمطار المفاجئة إلى جرف بيوت النحل".
بدوره، يقول رئيس المركز اليمني للإعلام الأخضر، معاذ ناجي المقطري، لـ"العربي الجديد": "في السنوات الأخيرة، شهدنا تغيرات جذرية في أنماط هطول الأمطار، وارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة، ما أدى إلى اختلال التوازن البيئي، وتغير مواسم الإزهار. هذه التغيرات، إلى جانب الكوارث الطبيعية المتكررة مثل السيول والانهيارات الأرضية، تسببت في تدهور المراعي الطبيعية للنحل، وانقراض أنواع نادرة منه، مثل النحل الأحمر الذي كان يشتهر به اليمن".
يضيف المقطري: "تراجع أعداد النحل في اليمن لا يمثل تهديداً لقطاع تربية النحل فحسب، بل يهدد أيضاً الأمن الغذائي، إذ يلعب النحل دوراً حيوياً في عملية التلقيح، والتي تساهم في إنتاج الغذاء، كما أن تراجع إنتاج العسل اليمني، الذي يشتهر بجودته العالية، قد يؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة، ويهدد مصادر دخل آلاف الأسر اليمنية التي تعتمد على تربية النحل مصدرا رئيسيا للعيش".
وحسب تقرير للأمم المتحدة صدر في عام 2020، فإن نحو100 ألف أسرة يمنية تعمل في قطاع إنتاج العسل، وهم ينتجون ما يقارب 1580 طناً من العسل سنوياً، يصدر منها نحو 840 طناً، إلى جانب إقبال عدد متزايد من الشباب اليمني على هذه المهنة المربحة.