منذ فجر 14 أكتوبر 1963 م، وحتى 30 نوفمبر 1967م, قدم خيرة شباب جنوب اليمن ورجالاته الأفذاذ، التضحيات الجسام، في مواجهة الاستعمار البريطاني المقيت، الذي استمر قرابة 129 عاماً، حتى أضحى حلم الشعب، بالخلاص من الاحتلال الإنجليزي، الذي ظلَّ يراودهم لعقودٍ طوال، حقيقة واقعة شاهدة ناجزة، بنيل الاستقلال الوطني في الثلاثين من نوفمبر 1967 م. في الذكرى الـ 61 لثورة 14 أكتوبر المجيدة، تحدث لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، كوكبة من المناضلين، أبطال تلك الملاحم الفدائية الأشاوس بمحافظة لحج، الذين وضعوا بصماتهم الوطنية المشهودة، على أقدس المعارك التي خاضوها في حرب تحرير الوطن، أثناء قيامهم بالعمليات العسكرية الكفاحية المسلَّحة، في مدينَتَي عدن ولحج، ضد الوجود البريطاني، وكسر شوكته إلى غير رجعة، واستعادت معهم مآثر ذكرياتهم التي صنعت انتصار 14 أكتوبر 1963 م، والحافلة بشتى الصور الأزليَّة للكفاح الثوري الأسطوري المسلَّح، الذي اجترحوه، فداءً لأجل تَحرُّر البلد واستقلاله، وعزَّة الإنسان وكرامته فيه: اشتباكات لحج وعدن... يقول عضو مجلس الشورى، الشيخ المناضل سيف العُزَيبِي "بعد المشاركة الفاعلة لثُوَّار جنوب اليمن، في قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 م في شمال الوطن، ودعمها بالتضحية بأرواحهم الزكيَّة، حتى تحقَّق للثورة السبتمبرية نصرها المؤزَّر، ومن ثم عودتهم إلى مناطقهم في الجنوب، ومنها منطقة رَدفَان، حدث اشتباك ما بين القبائل الموالية للثورة، وقوات الحكومة البريطانية التي استعمرت الجنوب 129 عاماً، وعلى أثره أُستُشهِد الشيخ راجح بن غالب لبوزة". واضاف العزيبي "ومن هناك، بثَّت إذاعة (صوت العرب) من القاهرة بجمهورية مصر العربية الشقيقة، وإذاعة (صنعاء)، نبأ أن الشَّيخ راجح بن غالب لبوزة، هو أول شهيد للثورة في الجنوب، التي صادفت يوم 14 أكتوبر 1963 م، واستمرت بعدها الاشتباكات المسلَّحة، وتوسَّعت لتشمل جبهات القتال الأخرى، وكنت أنا رئيساً للقيادة المحلية للجبهة القومية في مدينة لحج، وعقبها بشهور عدَّة، تم فتح جبهة مدينة عدن، وانضم إليها كل شباب عدن، وبقية مناطق الجنوب". واشار الى ان وتيرة المقاومة ضد الاستعمار اشتدت وتواصلت، وجرى دمج الجبهة القومية، مع منظمة التحرير، في 13 يناير 1966 م، وتمخَّض عنه تكوين (جبهة تحرير الجنوب المحتل)، وبقيادة واحدة مثَّلت الفصيلين, رغم مارافقه من خلاف مؤسف بين الفصيلين. ضابط اتصال بين قيادات الجبهات... ويسرد الشيخ العزيبي، التفاصيل مضيفا انه "بعد قيام (جبهة التحرير)، وعقب انسحاب الجبهة القومية في مؤتمر (حُمر) بمنطقة قَعطَبَة، في 14 أكتوبر 1966 م، احتدمت المعارك في الداخل والخارج، وتبدَّلت القيادات، وتشكَّلت فرق وقيادات لجبهات القتال، والعمل الفدائي، وأبرز المعارك كانت طاحنة في مدينة عدن، بعد أن هدأت بعض الشيء، في عددٍ من الجبهات، ولا سِيَّما عقب سحب بريطانيا قواتها من الأطراف، وفي تلك الأثناء، انتقلت أنا إلى مكتب جبهة التحرير بمدينة تعز، وتم وقتذاك تعييني عضواً، في المكتب العسكري للتنظيم الشعبي للقوى الثورية". واضاف لقد "كانت مهمَّتي، ضابط اتصال ما بين القيادات في الجبهات، وما بين العمل الفدائي في الداخل، أنقل لقيادة جبهة التحرير طلبات المقاتلين، وهم بدورهم يقومون باستلام الأسلحة والذخائر، من القيادة العربية المصرية، التي دعمت بسخاء ثورة 14 أكتوبر 1963 م، ثم يُجرَى تسليم الأسلحة والذخائر إلى القيادات". كوكبة بارزة من مناضلي أكتوبر... وتابع المناضل العزيبي، حديثه عن فترة مزاولة "القيادات الجنوبية، في تعز لنشاط العمل الوطني في الجنوب، لكونها أقرب إلى حدود جغرافيا مدينَتَي لحج وعدن، وفي شهر يوليو 1966 م، تكوَّنت قيادات وفرق التنظيم الشعبي، ووصل عددها 12 فرقة فدائية في مدينة عدن نفسها". استشهاد لبوزة ..انطلاقة الثورة.... ويقول وكيل محافظة لحج، الشيخ المناضل صالح سريع علي العيسائي "ان استشهاد الشيخ المناضل راجح بن غالب لبوزة، في 14 أكتوبر 1963 م في منطقة رَدفَان، "شَكَّل الانطلاقة للثورة الأكتوبرية ضد المستعمر البريطاني، واتجهت مجموعة من الثُّوَّار على رأسها الشيخ المناضل بالليل بن راجح لبوزة، إلى مدينة تعز، للتنسيق مع القيادة هناك، والحصول على الإمدادات من الأسلحة والذخائر والمؤن". واستدرك العيسائي في حديث لوكالة الانباء اليمنية (سبأ) بمناسبة العيد الـ ٦١ لثورة الـ ١٤ اكتوبر الخالدة "لأن ذلك يمثِّل الضرورة الملحَّة التي لا بد منها، لبدء عمليات الكفاح المسلَّح المنظَّم، وتأمين استمراريته، وقد عادت القيادة وهي تحمل دلائل الاستجابة الكاملة لمتطلبات الثورة من الإمدادات، و كانت أول خطوة اتخذتها القيادة الميدانية في منطقة رَدفَان، هي الالتقاء بالمشايخ والشخصيات الاجتماعية، والتوقيع على صُلْح شامل تنتهي بموجبه إلى الأبد المشاكل، والنزاعات كافة، ما بين قبائل منطقة رَدفَان، وتوجيه القوى والطاقات كلها، لمحاربة الاستعمار البريطاني". واضاف "وهو ما حدث بإنجاز الصُّلْح وحشد كل أبناء المنطقة، في خندق الثورة وفي اجتماع هو الأول من نوعه، في المنطقة حينذاك، تم إعلان أسماء القيادات للعمليات القتالية ضد الاحتلال من الأخوين : الشيخ المناضل باللَّيل بن راجح لبوزة، والشيخ سيف مقبل عبد الله، وهما اللَّذان قاما بالإعداد لأول وأكبر عملية هجوم فدائي ضد مواقع تمركز قوات العدو البريطاني المحتل للجنوب، وهو أول هجوم جرى، بعد استشهاد الشيخ راجح بن غالب لبوزة، شهدته رَدفَان". واشار المناضل العيسائي الى أن الثُّوَّار قاموا ذات ليلة من شهر ديسمبر 1964 م، بمهاجمة قوات الاحتلال المتمركزة وقتها في منطقة نقيل الرَّبوَة في حَبِيل جَبْر رَدفَان، وشبَّت معركة ضارية استخدم فيها الثُّوَّار جميع أنواع الأسلحة، التي توفَّرت لديهم، بينما استخدم الإنجليز الدبابات والطائرات الحربية والمدافع، وقد استمرت المعركة لأكثر من 8 ساعات، تكبَّد خلالها العدو خسائر فادحة لم تكن في حسبانه في الأرواح والعتاد، وسقط من جرائها المناضل قاسم صائل شهيداً، وآخرون استشهدوا معه، وجُرِحَ عدد من الثُّوَّار في تلك المعركة البطولية، و لقد كانت المعركة تلك ضد الإنجليز أكبر معركة فعلاً، عقب انطلاق شرارة الثورة وسقوط شهيدها الأول راجح بن غالب لبوزة". تكليف المجعلِي بجبهة رَدفَان وفتح أخرى... ويضيف الشيخ صالح "ان القيادة العامة للكفاح المسلح استدعت عددا من القيادات وتم عقد لقاء في منطقة قَعطَبة، جرى فيه تدارس الوضع، ومن بين القرارات التي خرج بها اللقاء، أتى قرار القيادة العامة بتكليف المناضل عبد الله محمَّد المَجعَلِي، لتولي العمل العسكري في جبهة رَدفَان، والعمل على فتح جبهات أخرى في مناطق الحَوَاشِب، والصُّبَّيحَة، والفضلي، لتصعيد الكفاح المسلح، وتخفيفاً للضغط العسكري على جبهة رَدفاَن".
*سبأ نت