في خطوة محورية نحو تحسين البنية التحتية الرقمية في اليمن وتوسيع نطاق الوصول إلى الإنترنت، أعلن إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة "سبيس إكس"، عن بدء تقديم خدمة الإنترنت الفضائي "ستارلينك" في اليمن، وذلك بعد توقيع اتفاقية تاريخية مع الحكومة الشرعية.
هذه الاتفاقية تأتي في وقت يواجه فيه اليمن تحديات كبيرة في قطاع الاتصالات بسبب الصراع المستمر منذ سنوات.
توفر "ستارلينك" بديلاً عالي السرعة يهدف إلى سد الفجوة الرقمية في المناطق النائية والمحرومة من التغطية التقليدية. مع بداية تنفيذ هذه الخدمة، تُطرح العديد من الأسئلة حول آلية عمل الخدمة، كيفية الاشتراك بها، وأثرها على مستقبل الاتصالات في البلاد.
ونحاول هنا الإجابة على أسئلة الجمهور بناءً على ما ورد في الاتفاقية الموقعة بين الحكومة اليمنية و"ستارلينك" وآراء خبراء مختصين في هذا المجال والموقع الرسمي للشركة.
ما هي خدمة ستارلينك؟
"ستارلينك" هي خدمة إنترنت فضائي تقدمها شركة "سبيس إكس"، وتهدف إلى توفير إنترنت عالي السرعة ومنخفض التأخير عبر شبكة من الأقمار الصناعية التي تدور في مدار أرضي منخفض. تم تصميم هذه الخدمة لتغطية المناطق النائية التي تفتقر للبنية التحتية التقليدية للإنترنت، ما يسمح للمستخدمين في تلك المناطق بالوصول إلى الإنترنت بسرعات تتراوح بين 50 و150 ميجابت في الثانية.
كيف تعمل خدمة ستارلينك؟
تعتمد خدمة "ستارلينك" على شبكة من الأقمار الصناعية التي تنقل إشارات الإنترنت إلى محطات استقبال أرضية يمتلكها المستخدمون. تتكون هذه المحطات من طبق استقبال يتم توصيله بجهاز توجيه (راوتر) لتوزيع الإنترنت. بعد تركيب المعدات في مكان مفتوح لاستقبال إشارات الأقمار الصناعية، يتم إعداد الحساب باستخدام تطبيق "ستارلينك" المتوفر على الانترنت، ومن ثم البدء باستخدام الإنترنت.
كيف تعمل الشركة في اليمن؟ وما العوائد المالية التي ستحققها الحكومة؟
في يناير 2024، وقعت "ستارلينك" اتفاقية مع الحكومة اليمنية الشرعية، المعترف بها دولياً، تمنح الشركة ترخيصاً لتقديم خدمات الإنترنت الفضائي في المناطق المحررة. تنص الاتفاقية على دفع "ستارلينك" رسوم ترخيص سنوية بقيمة 5000 دولار أمريكي لمدة خمس سنوات، بالإضافة إلى رسوم إضافية قدرها 20 دولاراً عن كل جهاز يباع، ومساهمة شهرية بقيمة 3 دولارات عن كل جهاز مستخدم.
فلو افترضنا أن عدد المشتركين وصل 100,000 مشترك خلال الـــ 12 شهر الأولى، فإن الحكومة ستحصل على 2,000.000 دولار رسوم على مبيعات المعدات، بالإضافة إلى 3600,000 دولار مساهمة شهرية على كل مستخدم (شهريا 300.000 دولار)، وسيكون العائد السنوي للحكومة خلال 12 شهر 5,605,000 دولار.
وسيتم تحويل الأموال المستحقة للحكومة، سواء كانت رسوم ترخيص أو رسوم عن الأجهزة والمستخدمين إلى الحسابات المصرفية الحكومية المخصصة لهذا الغرض. هذه الحسابات قد تكون تابعة لوزارة الاتصالات أو المؤسسة العامة للاتصالات أو الحكومة. ولم تذكر الاتفاقية الحساب المخصص لتحصيل المستحقات، إلا أنهمن الشائع في مثل هذه الاتفاقيات أن يتم توضيح الحسابات المصرفية المخصصة لتحويل الأموال في ملحقات أو اتفاقيات منفصلة تُوقع لاحقًا بين الأطراف المعنية. متى بدأت خدمة ستارلينك في اليمن؟
على الرغم من توقيع الاتفاقية في مطلع العام 2024، بدأ استخدام معدات "ستارلينك" بشكل غير رسمي منذ 2022 في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية للأفراد والشركات بمعدات مكلفة تجاوزت 2500 دولار، وكان يتم شراء الأجهزة عبر خدمات الدفع الإلكتروني العالمية وتدخل إلى البلاد بطريقة غير مشروعة. في صنعاء، سمحت السلطات الحوثية باستخدام الخدمة لبعض الجهات، مثل محلات الصرافة والبنوك والمنظمات الدولية، تحت إشراف أمني من قبل جهاز الأمن والمخابرات. ما الفرق بين استخدام ستارلينك قبل وبعد توقيع الاتفاقية؟
قبل توقيع الاتفاقية مع الحكومة، كانت خدمة "ستارلينك" تستخدم بشكل غير رسمي، مما يعني أن الحصول على المعدات كان مكلفًا وغالبًا ما يتم استيرادها بطرق غير رسمية ويسمى هذا النوع من الاشتراك بالتجوال (Roaming). كما أن الخدمة كانت معرضة للحجب أو التقييد أو العقوبات في حال اكتشاف السلطات المحلية لها.
بعد توقيع الاتفاقية، يتم تقديم الخدمة ضمن إطار قانوني ورسمي. هذا يعني أن المستخدمين يستطيعون الاشتراك في الخدمة بسهولة وشفافية من خلال قنوات معتمدة، ويضمن ذلك استقرار الخدمة وتحسين جودتها. بالإضافة إلى ذلك، تتيح الاتفاقية للحكومة الإشراف على خدمات الإنترنت ومراقبتها بما يتماشى مع القوانين المحلية.
أين تتوفر الخدمة في اليمن؟
بحسب الموقع الرسمي لـ "ستارلينك"، تتوفر الخدمة حاليًا فقط في المناطق المحررة التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية في عدن. لم يتم تفعيل الخدمة في المناطق التي تسيطر عليها قوات الحوثي. مع ذلك، يمكن لبعض الأفراد في تلك المناطق الوصول إلى الإنترنت عبر باقات التجوال (Roaming)، وهو استخدام مؤقت للخدمة دون الحاجة لوجود بنية تحتية رسمية.
ما هي تكلفة الاشتراك الشهري في خدمة ستارلينك؟
حتى الآن، لم يتم الإعلان رسميًا عن أسعار الخدمة من قبل المؤسسة العامة للاتصالات في عدن. مع ذلك، تُظهر المعلومات المتوفرة على موقع "ستارلينك" أن تكلفة المعدات تبلغ 87,700 ريال، فيما يبدأ رسوم الاشتراك الشهري من 8,800 ريال، وهناك من قام دفع رسوم الاشتراك عن طريق وسائل الدفع الالكترونية الدولية ونجحت العملية بحسب الأسعار المحددة على موقع الشركة وبالريال اليمني في المناطق التي تحت سيطرة السلطات الشرعية. إلا أن رسوم الاشتراك لـ"ستارلينك" بناء على موقع الشركة، تختلف من حيث الباقات والاستخدام ونذكر هنا باقات الاستخدام المنزلي والجوال.
باقات الاستخدام المنزلي تعد الخيار الأساسي للأفراد والعائلات، حيث تقدم سرعة إنترنت متغيرة بحسب وقت الذروة، دون أي قيود على الاستخدام، وسعر الاشتراك في الباقة المنزلية يبلغ 50 دولارًا أمريكيًا شهريًا. الباقة المنزلية الاقتصادية، وهي مخصصة لمن يبحث عن خيار أكثر توفيرًا، توفر هذه الباقة سرعة إنترنت متغيرة كذلك بناءً على الذروة، وتتميز بعدم وجود قيود على الأولوية. سعر هذه الباقة هو 35 دولارًا أمريكيًا شهريًا، مما يجعلها خيارًا مناسبًا للأشخاص ذوي الميزانيات المحدودة.
أما باقات التجوال الشخصي السكني، وهي مثالية للعائلات، بسعر 120 دولارًا شهريًا، ويوفر سرعة عالية واستخدام غير محدود. أما الأشخاص الذين يتنقلون بشكل مستمر، مثل البدو والمخيمين، تقدم باقة تشمل 50 جيجابايت من البيانات بسعر 50 دولارًا شهريًا، وأخرى غير محدودة بسعر 165 دولارًا شهريًا.
وبناء على الموقع الالكتروني للشركة، يمكن الحصول على محطة الاستقبال اللازمة لتشغيل الخدمة بسعر 400 دولار أمريكي، تشمل الشحن والتفعيل.
كيف يمكن شراء محطات الاستقبال؟
حتى الآن، لم توضح المؤسسة العامة للاتصالات في عدن آلية شراء الأجهزة. يُنصح بعدم شراء المعدات من موقع "ستارلينك" الرسمي حتى يتم الإعلان الرسمي من المؤسسة، حيث قد يتم حصر التوريد من خلال المؤسسة بشكل حصري أو عبر الوكلاء المعتمدين من قبل السلطات الرسمية، مما يعني إمكانية مصادرة أي جهاز يتم استيراده بطرق فردية وغير آمنة.
كيف يتم سداد رسوم الاشتراك؟
يستطيع المستخدمون دفع رسوم الاشتراك الشهري مباشرة لشركة "ستارلينك" عبر وسائل الدفع الإلكتروني المتاحة، مثل البطاقات الائتمانية والحسابات الدولية كما كان يقوم به المشتركين بالخدمة قبل التدشين الرسمي. لكن، نظرا لعدم وجود وعي حول التعاملات المالية الدولية في اليمن، قد تفعل "ستارلينك" خيار الدفع النقدي عبر وكلاء محليين معتمدين. في هذه الحالة، يقوم المواطنون بزيارة أحد المراكز أو الوكلاء المحليين للدفع نقدًا مقابل اشتراكهم في الخدمة.
ما دوافع الحكومة في عدن لتفعيل هذه الخدمة؟
تسعى الحكومة في عدن لتحسين جودة الاتصالات وتوسيع نطاق التغطية الرقمية، وذلك بفصل خدمات الإنترنت عن سيطرة الحوثيين. تتحكم جماعة الحوثي بخدمات الإنترنت منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في 2014، وتفرض رقابة صارمة على حركة الاتصالات والمواقع الإلكترونية. كما تستهدف الحكومة تحسين الاتصالات العسكرية وتوفير خدمات التعليم الإلكتروني عن بُعد، بما يسمح للطلاب في المناطق النائية بالوصول إلى التعليم.
ما الجوانب التي تتطلب مراقبتها؟
توفر خدمة "ستارلينك" اتصالاً مفتوحًا بالإنترنت دون قيود من مزودي الخدمة المحليين. ومع ذلك، ستلتزم الشركة باللوائح والقوانين المحلية التي قد تتطلب حجب بعض المواقع، فبموجب الاتفاقية مع الحكومة اليمنية ممثلة بوزارة الاتصالات والمؤسسة العامة للاتصالات، يجب على "ستارلينك" الامتثال للقوانين المحلية التي تتطلب مراقبة قانونية للاتصالات الإلكترونية. ستعمل الوزارة على منح تراخيص للموزعين المعتمدين، كما سيتم التعامل مع العملاء بشكل مباشر من خلال المؤسسة العامة للاتصالات في عدن.
ما موقف السلطات في صنعاء من خدمة "ستارلينك"؟
أصدرت وزارة الاتصالات في صنعاء بيانًا تحذر فيه المواطنين من التعامل مع خدمات "ستارلينك"، واصفة إياها بأنها غير قانونية وتشكل تهديدًا للأمن القومي اليمني. ترى السلطات الحوثية أن هذه الخدمة ستقوض قدرتها على مراقبة الاتصالات وحجب المواقع غير المرغوب فيها، مما قد يفقدها السيطرة على حركة الإنترنت داخل البلاد وتحصيل الايرادات.
ما موقف الدول المجاورة من إدخال خدمة "ستارلينك"؟
حتى الآن، لم تقم أي دولة في الشرق الأوسط بتفعيل خدمة "ستارلينك" بشكل رسمي. مع ذلك، تدرس دول مثل الإمارات وقطر والأردن إمكانية إدخال الخدمة في المستقبل، لكن هذه الدول لا تزال تعمل على تكييف الخدمة مع سياساتها الداخلية وضوابطها القانونية.
عموما، تُعد اتفاقية إدخال خدمة "ستارلينك" للإنترنت الفضائي في اليمن خطوة مهمة نحو تعزيز البنية التحتية الرقمية، وتوسيع نطاق الوصول إلى الإنترنت في المناطق المحررة. من أبرز الآثار الإيجابية لهذه الاتفاقية هو حرمان جماعة الحوثي من السيطرة المطلقة على الإنترنت، والتي كانت تحقق من خلالها عوائد مالية كبيرة وتفرض رقابة صارمة على المحتوى. بفضل هذه الاتفاقية، ستتمكن الحكومة الشرعية من تعزيز اقتصاد الاتصالات الرقمي، وتقديم خدمات إنترنت عالية الجودة بأسعار تنافسية للمواطنين، مما يسهم في دعم التعليم عن بعد، وتطوير الاتصالات في المناطق الريفية والنائية.
إلى جانب ذلك، يجب أن تتماشى هذه الخدمة مع الضوابط القانونية المحلية التي تضمن الرقابة على المحتوى لحماية المجتمع من المواقع غير المرغوب فيها والتي قد تؤثر سلباً على القيم الاجتماعية والأخلاقية. التزام "ستارلينك" بالقوانين المحلية في اليمن سيضمن أن تكون الخدمة وسيلة لتطوير البنية التحتية الرقمية، دون المساس بالقيم أو القوانين التي تحمي المجتمع من التأثيرات السلبية لبعض المواقع على الإنترنت.