دخلت مشاورات السلام اليمنية الجارية منذ أشهر بوساطة سعودية وعمانية في حالة من الجمود، ما أثار العديد من التساؤلات حول أسباب هذا الجمود الذي عزاه البعض إلى هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن.
وذهب مراقبون إلى بروز التأثير الأميركي على مسار مشاورات السلام اليمنية نتيجة ضغوطات أميركية على الوسطاء لتجميد المسار، بمثابة ورقة ضغط على جماعة أنصار الله (الحوثيين) لإجبارها على إيقاف هجماتها التي تستهدف السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.
لكن اللافت في الأيام الأخيرة هو حديث الحكومة المعترف بها دولياً عن الترحيب بالحل السياسي، وفقاً لخريطة الطريق برعاية الأمم المتحدة، التي كشف المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ عن خطوطها العريضة، في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
في السياق، جدد رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي خلال لقائه غروندبرغ في عدن، الخميس الماضي، دعم مجلس القيادة الرئاسي إطلاق عملية سياسية بموجب خريطة الطريق المطروحة من قبل السعودية.
مسار مشاورات السلام اليمنية يقول المحلل السياسي سعيد عقلان، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "جمود مسار مشاورات السلام اليمنية يعود إلى عوامل دولية، أبرزها الموقف الأميركي الذي يريد ممارسة ضغوطات على جماعة الحوثيين من أجل إيقاف الجماعة هجماتها في البحر الأحمر، وبالتالي هناك تجميد مشاورات السلام اليمنية وليس إيقافها".
ويشير إلى أن هذا الأمر "يعتمد أيضاً على تأثير الأميركيين على السعودية التي تقدم نفسها وسيطا، إذ يصر الحوثيون على اعتبارها طرفاً، وبالتالي فاستئناف مشاورات السلام اليمنية مسألة وقت لا أكثر، لأن خريطة الطريق باتت مرسومة وقد أمل مسؤولون سعوديون في وقت سابق بقرب التوقيع عليها".
يضيف عقلان أن "المرجعيات الثلاث (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن 2216) هي الأساس التي تقوم عليها الشرعية التي دافع عنها اليمنيون في مواجهة الانقلاب الحوثي، وهي ما توافق عليها اليمنيون، وعلى أساسها كانت سلطة الأمر الواقع في صنعاء سلطة غير شرعية، وبالتالي لا بد من التمسك بهذه المرجعيات لكونها هي من عطّلت الدستور في ظل غياب الدولة، وعليها قام المركز القانوني للدولة التي تعامل معها المجتمع الدولي بوصفها شرعية قائمة".
وفي السياق، يلفت عقلان إلى أن "المرجعيات الثلاث هي جوهر الشرعية التوافقية التي يستمد منها مجلس القيادة الرئاسي شرعيته، والمعروف أنه لا يملك شرعية انتخابية، ولكنه يملك شرعية توافقية، وبالتالي فإن تخليه عن المرجعيات الثلاث يسلب منه شرعية التعبير عن اليمنيين والتفاوض باسمهم، وإذا ما تم التخلي عن المرجعيات الثلاث فذلك أشبه ما يكون بتسليم البلاد للفراغ الدستوري، وسيعيد الشرعية إلى الرئيس (السابق عبد ربه منصور) هادي باعتباره الرئيس المنتخب، أو إلى البرلمان بما هو آخر هيئة منتخبة".
ويؤكد عقلان أن "أي تراجع عن المرجعيات الثلاث يعني أن الحل السياسي سيكون بين طرفين هما التحالف العربي بقيادة السعودية والحوثيين، وهذا سيعزز من نفوذ وسلطة الحوثيين، وسيمنحهم استحقاقات عجزوا عن تحقيقها منذ انقلابهم على الدولة في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وسيعقد الأزمة اليمنية بشكل كبير لأن الشعب لن يقبل بسلطة الحوثيين، وقد تعود الأمور إلى مربع الصفر، وأعني بذلك تشكيل مقاومة شعبية في المدن والقرى لمواجهة الحوثيين".
بدوره، يعتبر الصحافي محمد الجرادي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "خريطة الطريق التي يجري الحديث عنها، لا تزال مبهمة بالنسبة لقيادات الشرعية والأحزاب السياسية، وكذلك لكل قوى المجتمع المناهضة للحوثي، مما يثير تساؤلات جدية حول مستوى الشفافية، وحقيقة العلاقة بين الشرعية والسعودية".
ويضيف أن "هذا الغموض قد يؤدي إلى تفاقم حالة عدم الثقة بين الأطراف اليمنية الرئيسية، مما يعقد تنفيذ أي اتفاقيات مستقبلية ويضعف فرص نجاحها".
ويرى الجرادي أن "التخلي عن المرجعيات الثلاث يمثل تحولاً كبيراً في موقف الشرعية، فهذه المرجعيات كانت الأساس القانوني والدبلوماسي الذي استندت إليه الحكومة المعترف بها دولياً، والتخلي عنها قد يُفسر بأنه تراجع كبير عن مواقف سابقة، مما يضعف موقف الشرعية في المفاوضات، ويقلل من قدرتها على التفاوض من موقع قوة، علاوة على ذلك، فإن التخلي عنها يوحي بأن الحرب التي دخلت عامها العاشر كانت عبثية، وأنها لم تكن ضرورية من الأساس".
ويتابع أنه "في حال تم التخلي عن المرجعيات الثلاث، سيكون من الصعب على الحكومة الشرعية الاحتفاظ بشرعيتها السياسية والدولية، التي كانت تعتمد بشكل كبير على هذه المرجعيات في بناء موقفها".
مواقف الشرعية والأحزاب وجاءت هذه التطورات بعد إدلاء أطراف عدة في الشرعية اليمنية والأحزاب السياسية اليمنية، بتصريحات عدة في أكثر من مناسبة عن غموض خريطة الطريق وعدم معرفة الشرعية بتفاصيلها.
ونددت الأحزاب السياسية وفي بيان صادر عن فروعها بمحافظة تعز مطلع أغسطس/آب الماضي بما وصفته بالتكتم الشديد على خريطة الطريق التي يجري الحديث عنها، معتبرة ذلك التكتم "مصادرة لحق اليمنيين في تقرير مصيرهم السياسي والسيادي".
وحذرت الأحزاب من أي مفاوضات لتكريس التقسيم للمؤسسات السيادية الوطنية، مؤكدة أهمية إعادة مسار المعركة الوطنية من أجل استعادة الدولة ومؤسساتها".
وجاء ذلك في ظل استمرار الشرعية بتقديم التنازلات لجماعة الحوثيين، وآخرها التراجع عن القرارات الاقتصادية التي كانت قد أعلنت عنها في مايو/أيار الماضي.
وبات الحديث عن مرجعية خريطة الطريق بمثابة إعلان عن التنازل عن المرجعيات الثلاث التي أعلنت الشرعية تمسكها بها طوال السنوات الماضية، أساسا لأي حل سياسي لإنهاء الأزمة.
وكان غروندبرغ كشف عن توصل مختلف الأطراف إلى الالتزام بمجموعة من التدابير، ومنها وقف إطلاق نار في عموم اليمن، وبدء إجراءات لتحسين الظروف المعيشية في اليمن، والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة.
وأكد المبعوث الأممي أن خريطة الطريق برعاية الأمم المتحدة متعلقة أيضاً بالتزام مختلف الأطراف بتنفيذ وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، ودفع جميع رواتب القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز وأجزاء أخرى من اليمن، ومواصلة تخفيف القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة.