وضع إعلان جماعة الحوثيين في اليمن عن تشكيل حكومة جديدة في صنعاء (غير معترف بها دولياً)، يوم الاثنين الماضي، مستقبل التحالف بين الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام ـ جناح صنعاء، على المحك، نتيجة اللون الواحد الذي امتازت به التشكيلة الحكومية. الإعلان عن التشكيلة الحكومية الحوثية برئاسة أحمد الرهوي، جاء في سياق ما وصفها زعيم جماعة الحوثيين عبد الملك الحوثي بالتغييرات الجذرية التي أعلن عنها قبل حوالي العام وتم بموجبها إعفاء حكومة عبد العزيز بن حبتور والإبقاء عليها حكومة تصريف أعمال، إلى حين الإعلان عن الحكومة الجديدة التي تم الكشف عنها الاثنين.
وتمّ تقليص الحقائب الوزارية في حكومة الحوثيين من 37 وزيراً في الحكومة السابقة، إلى 19 وزيراً في الحكومة الجديدة التي أطلق عليها "حكومة التغيير والبناء"، حيث تمّ دمج معظم الوزارات في إطار تقليص عدد الحقائب الوزارية، بما يتوافق مع متطلبات المرحلة من وجهة نظر جماعة الحوثيين.
اللافت في التشكيلة الجديدة هو الإبقاء على وزيري الدفاع اللواء الركن محمد ناصر العاطفي، والداخلية اللواء عبد الكريم الحوثي، وتعيين عالم دين زيدي نائباً أول لرئيس الوزراء (العلامة محمد أحمد أحمد مفتاح)، وكذا تعيين الفريق الركن جلال الرويشان نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن، وإعفاء شقيق زعيم الجماعة يحيى الحوثي الذي كان يشغل منصب وزير التربية والتعليم في الحكومة السابقة. أضف إلى ذلك أن الحكومة المعلنة خالية من تمثيل النساء، وهو الوضع المشابه للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، ما يعكس حالة التهميش التي تعاني منها المرأة اليمنية من قبل أطراف الأزمة اليمنية. كما يلاحظ في التشكيلة الحكومية الجديدة للحوثيين التهميش المتعمد لقيادات حزب المؤتمر الشعبي العام ـ جناح صنعاء، مع منح الأولوية للأسر الهاشمية، في شغل الحقائب الوزارية في الحكومة الجديدة، ما يُعلن عن مرحلة جديدة من علاقة الحوثيين بحزب المؤتمر، عنوانها القطيعة التامة.
ومطلع العام 2018 وعقب شهر واحد من قيام جماعة الحوثيين بقتل الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، في ديسمبر/كانون الأول، أصدرت الجماعة حزمة من التعيينات المدنية والعسكرية والأمنية بهدف إحكام قبضتها بما هي متحكم وحيد في مناطق سيطرتها، وعملت على إغراق أجهزة وإدارات الدولة بالمحسوبين عليها، بهدف ضمان استمرار تحكمها بأجهزة الدولة لفترات طويلة.
مقتل صالح أدى إلى فضّ التحالف بين الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام، مع فرض الحوثيين الإقامة الجبرية على عدد من قيادات المؤتمر في صنعاء، وفرضت عليهم تشكيل قيادة جديدة للحزب باتت تعرف بجناح صنعاء، أبقت من خلالها التحالف الصوري بين الطرفين. فضّ التحالف بين الحوثيين والمؤتمر الشعبي العام بما هو كيان موحد، جعل الحوثيين ينتهجون ما يعرف بسياسة "الإحلال" والقائمة على استبدال موظفي الدولة بآخرين من المحسوبين على الجماعة، مع منح الأولوية للأسر الهاشمية.
أحد قيادات المؤتمر الشعبي العام ـ جناح صنعاء، طلب عدم الكشف عن هويته، قال لـ"العربي الجديد"، إن التشكيل الحكومي الجديد لحكومة صنعاء "جاء طائفياً بامتياز من خلال تشكيل حكومة الأسر الهاشمية، ولم يراع مبدأ الشراكة التي كانت صورية مع المؤتمر الشعبي العام - جناح صنعاء، والذي تقبع قياداته تحت الإقامة الجبرية، لكن التشكيل الحكومي يقدّم حقيقة جماعة الحوثيين للشعب باعتبارها جماعة طائفية تكفر بمبدأ الشراكة في الحكم، وهذا مؤشر خطير على فشل أي اتفاق سياسي يشمل جميع القوى السياسية ويتم توقيعه مع الحوثيين لإنهاء الأزمة اليمنية، لأن هذه الجماعة تريد أن تحكم اليمنيين بمبدأ القوة بعيدا عن مبدأ الشراكة". ودعا القيادي جميع القيادات المؤتمرية في مناطق سيطرة الحوثيين إلى تجميد عملهم السياسي بهدف الحفاظ على تماسك حزب المؤتمر الشعبي العام، وكذا عدم إعطاء أي شرعية للحوثيين، لأنه لا يمكن لحزب سياسي أن يمارس العملية السياسية وقياداته تحت الإقامة الجبرية، وفق قوله.
من جهته، قال عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثيين، حزام الأسد، لـ"العربي الجديد"، إن حكومة التغيير والبناء في تشكيلتها تمثل الجمهورية اليمنية على المستوى الجغرافي والاجتماعي والسياسي، فعلى الرغم من أنها حكومة تكنوقراط لها مهام وأولويات مرحلية ملحّة، ومتعلقة معظمها بالتخفيف من معاناة المواطن، وتوفير الخدمات للمجتمع، إلا أنه تمّ مراعاة البُعد السياسي والجغرافي والاجتماعي في التشكيلة، وقد نال حزب المؤتمر الشعبي العام عددا من الحقائب الوزارية، بالإضافة إلى رئاسة الحكومة، ومنصب نائب رئيس الحكومة لشؤون الدفاع والأمن.
وأضاف الأسد أن "التحالف مع المؤتمر الشعبي العام وحلفائه ومع بقية الأحزاب اليمنية مستمر ومتماسك، ولا يوجد ما يعكّر صفو هذا التلاحم والتماسك، والحكومة الجديدة هي حكومة كفاءات "تكنوقراط"، ولم يؤخذ أي بعد مناطقي أو أسري أو جهوي، والدليل أسماء ومناطق الأعضاء المتنوعة، بدءا بالرئيس والنواب مرورا ببقية الأعضاء، وما يهمنا هو الكفاءة والنزاهة، وأن تكلل جهودها بالنجاح".
"فائض قوة" وتمهيد لاجتياح أما المحلل السياسي فهمي المقطري فرأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التشكيلة الحكومية التي أعلنت عنها جماعة الحوثيين تؤسس للبناء الطبقي الذي يسعى الحوثيون إلى تأصيله في المجتمع من خلال جعل الأسر الهاشمية في قمة هرم البناء الطبقي، باعتبارها الفئة التي تحظى بالاصطفاء، وهو المنهج الذي عبروا عنه في ما يسمى بوثيقتهم الفكرية، وهذا ملاحظ من خلال استئثار الهاشميين بالوزارات السيادية والإيرادية، وتعيين رجل دين من المذهب الزيدي نائبا أول للحكومة".
وأشار المحلل السياسي إلى أن "الحوثيين أرادوا من خلال التشكيلة الحكومية إيصال رسالة مفادها أنهم أصبحوا يمتلكون القوة التي تجعلهم يتخلون عن الشراكة الصورية مع المؤتمر الشعبي العام ـ جناح صنعاء، وإن كان هناك تمثيل ضئيل لشخصيات جنوبية محسوبة على المؤتمر في وزارات هامشية، وللحوثيين غاية من خلال ذلك وهي المحافظة على شكل اليمن الموحد، والتمهيد لاجتياح المحافظات الجنوبية في قادم الأيام وفي مقدمتها محافظة أبين التي ينتمي إليها رئيس الحكومة المعلنة".
من جهته، قال الكاتب الصحافي عبد الله السامعي، لـ"العربي الجديد"، إن تشكيلة الحكومة المعلن عنها في صنعاء تظهر أن الحوثي قرّر الاستغناء عن حزب المؤتمر الشعبي العام الموالي له، والذي كان يستحوذ على النصيب الأكبر في التشكيلة السابقة، على الرغم من أنها حكومة شكلية ومنزوعة الصلاحيات، ويستخدمها الحوثي فقط شمّاعةً لمواجهة المطالب الشعبية بالخدمات والرواتب".
وأشار السامعي إلى أن تحالف المؤتمر ـ جناح صنعاء والحوثيين "أصبح قائماً بالإكراه عقب مقتل صالح نهاية 2017، ولا يمكن لقيادات المؤتمر اتخاذ أي مواقف مناهضة لسياسة الحوثي أو حتى رفض ما يتعرضون له من قمع وانتهاكات وإهانة". وأوضح أن ذلك "ظهر في عدم قدرة رئيس حكومة الانقلاب السابق عبد العزيز بن حبتور على تقديم استقالته في يوليو/تموز 2023 بسبب مصادرة صلاحياته وتعرضه لإهانات كبرى من قبل قيادات حوثية، وحتى بعد إعلان زعيم الحوثيين ما سماها التغييرات الجذرية وإقالة حكومة بن حبتور، تمّ إجبار الأخير على البقاء رئيسا للحكومة حتى العثور على بديل". وأكد السامعي أن "الحوثي لن يعالج مشكلة فشل حكوماته في القيام بواجباتها، لأن أساس هذا الفشل يأتي من أيديولوجية الحوثي نفسه والتي ترى أن من واجب الشعب خدمته حاكما، وأن سلطته تقتصر على القمع وجمع الجبايات فقط، وهذا يتعارض مع الديمقراطية ومع مبادئ كل الأحزاب السياسية".