كشف عضو مجلس النواب اليمني، علي المعمري، اليوم الإثنين، عن ما وصفها بـ"قضية فساد تورطت فيها شخصيات حكومية"، تكاد الدولة أن تخسر فيها أكثر من 16 مليون دولار، كتعويضات تدفع للشركة المنفذة لمشروع كلية الطب في جامعة تعز والمتعثر استكمال إنشائه منذ سنوات.
وقال البرلماني المعمري على حسابه في منصة "إكس": "في قضية فساد واضحة ولدينا وثائقها، توشك الدولة أن تخسر ما يزيد عن 16 مليون دولار في جريمة فساد تورطت فيها شخصيات حكومية".
وأضاف أن "شركة الرحاب التي فشلت في إنجاز مشروع كلية الطب بجامعة تعز في وقته المحدد قبل الحرب، بدلاً من دفعها غرامة تصل إلى 4 ملايين دولار ستحصل على 16 مليون دولار كتعويضات"، مشيراً إلى أن "المسؤول عن ذلك شخصيات حكومية (سابقين وحاليين) أخضعوا القضية لإجراءات تحكيمية خارج اليمن لعبت فيها المحسوبية دوراً كبيراً".
واعتبر المعمري "وقائع التحكيم فضيحة كبيرة حيث اعتمدت على خبير أردني لا يعرف اليمن ولم يزر موقع المشروع"، كما نشر عدداً من الوثائق المتعلقة بالقضية نورد ملخصها تالياً.
وتعود القصة الى مشروع إنشاء كلية الطب في جامعة تعز، بمنطقة حبيل سلمان، بتمويل من الصندوق السعودي للتنمية، والذي تولت تنفيذه شركة الرحاب، بموجب اتفاقية وقعت في العام 2011، وفيما شرعت الشركة في تنفيذ المشروع الا أنها توقفت لاحقاً في العام 2014، بسبب ما تصفه الظروف القاهرة.
وتشمل الوثائق التي نشرها المعمري، تقرير خبرة ابتدائي بالدعوى التحكيمية الخاصة بتصفية مشروع كلية الطب والعلوم الصحية بين جامعة تعز وشركة الرحاب للهندسة والتوكيلات والمقاولات العامة المحدودة، مقدم من المهندس عدنان القرشي، ومكون من 71 صفحة.
وخلص التقرير إلى أن "الجامعة تستحق تعويض غرامات تأخير لصالحها بنسبة 13% من المدة الزمنية وتساوي (مئة وثلاثون يوما حتى تاريخ وقوع القوة القاهرة وبنسبة 10% من قيمة المشروع مع مصادرة الضمان النهائي وفقا للمادة (266) من اللائحة التنفيذية لقانون المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية رقم (23) لسنة 2007 م مبلغ وقدره (2,196,165.47) دولار امريكي مع مصادرة الضمان بواقع 10% من قيمة المشروع مبلغ وقدره (2,196,165.47 دولار امريكي)".
وبشأن "مطالبة الجامعة بإلزام الشركة بدفع فارق سعر قيمة الأعمال التي لم تقم بتنفيذها بواقع 20% من قيمة تلك الأعمال وقدره 1,930,379 دولار امريكي"، قال التقرير "بعد الاطلاع على الطلب وعلى قانون المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية ولائحته التنفيذية ووفقا للمادة 273 من اللائحة التنفيذية فانه يكتفى بتطبيق غرامة التأخير ومصادرة الضمان".
وحول الأضرار التي لحقت بالأعمال بسبب تأخير التنفيذ، قال التقرير إن "هذه الأضرار التي تطالب بها جامعة تعز ناتجة عن القوة القاهرة وبالتالي فلا تتحمل الشركة قيمتها"، مؤكدا أن الجامعة "تستحق استرداد المبالغ المصروفة قيمة أتربة مرحّلة الى خارج الموقع من شركة الرحاب مبلغ وقدره ( 113,183.84 دولار امريكي ( مئة وثلاثة عشر الف ومئة وثلاثة وثمانون الف دولار وأربعة وثمانون بنسا ... كما يلزم تحمل الشركة فارق قيم نقل تلك الأتربة الى خارج الموقع بسعر اليوم مبلغ بواقع دولار واحد للمتر المكعب وحيث ان اجمالي كميات الأتربة ( 98,420.733 ) وبالتالي فان الزيادة المستحقة كفارق نقل لتلك الأتربة هي ( 98,420.73) دولار امريكي".
كما تضمنت الوثائق مذكرة من رئيس جامعة تعز محمد الشعيبي، للمحافظ السابق أمين محمود عام 2018، قال فيها إن المشروع قد تعرض لقصف صاروخي ومدفعي من أطراف الصراع كما تعرض الى اقتحام مسلحين والسيطرة عليه وبسبب تلك الظروف القاهرة أصبح خارج سيطرة المقاول المنفذ / شركة الرحاب للمقاولات وخارج سيطرة الجامعة كمالك للمشروع.
وأشارت المذكرة إلى أن المنهوبات وفق التقارير والبلاغات الواردة من المقاول، شملت كافة المعدات والمواد والأدوات والتي تبلغ قيمتها مبلغ وقدره 10,791,551 دولار امريكي فقط عشرة مليون وسبعمائة ألف دولار، وهو ما سبق أن أوردته مذكرة من شركة الرحاب من ضمن الوثائق، صادرة في العام 2016.
بالإضافة الى ذلك شملت الوثائق حكماً صادراً من لجنة تحكيم مكونة من المحافظ السابق أمين محمود، رئيسا، وهاني البوعاني عضوا، وعبدالباري الخراساني عضوا، بموجب اتفاق الطرفين على توقيع مشارطة تحكيم بتاريخ 22 يناير 2023، "يكون حكمها نهائياً ملزماً للطرفين وغير قابل للطعن، تم اعتمادها من رئيس مجلس الوزراء ومن محافظ محافظة تعز".
وقال الحكم إنه نظراً لوجود كافة أعضاء اللجنة خارج اليمن، تم عقد الجلسة الأولى في عمان بالأردن، "باتفاق وموافقة الطرفين"، مشيراً إلى أن الأطراف فوضت هيئة التحكيم باختيار مكان التحكيم، واعتماد الوسائل الحديثة في عقد أي جلسات قادمة.
وورد في نص الحكم أن الهيئة عينت خبراء فنيين آخرين، منهم الأردني أمجد مقدادي، المكلف بتاريخ 23 سبمتبر 2023، على أن تدفع أتعابه من طرفي النزاع، وقالت الهيئة إنها كلفت الشركة بسدادها لعدم قدرة الجامعة على السداد ولحين صدور الحكم النهائي.
وذكرت الوثيقة ذاتها أن رئيس الدائرة القانونية في الجامعة أبدى اعتراضا على تكليف الخبير الفني، وقال إن ذلك "مسألة من مسائل الإثبات، وطالما تقدمت الجامعة بدفوع فيجب على الهيئة الفصل فيها قبل تكليف الخبير"، فيما ردت الهيئة بأن تعيين الخبير شأن راجع لها وأحد صلاحياتها الأصيلة ولها وحدها القرار في ذلك حسب حاجة الدعوى.
وبعد صدور تقرير الخبير ردت الشركة بمجموعة من التحفظات، فيما ردت الجامعة بتاريخ 2 ديسمبر الماضي وأبدت اعتراضاتها على التقرير وقالت إنه لم يكفل مبدأ المواجهة وحق الدفاع، إضافة إلى اعتبارها تعيين خبير خارجي مخالفة.
وفي 14 ديسمبر 2023، تقدم رئيس الدائرة القانونية بجامعة تعز فواز سعيد، لدى المحكمة التجارية الابتدائية في تعز بطلب عزل للجنة التحكيم، لمخالفتها "المبادئ الاساسية في التقاضي ممثلة بمبدأ المواجهة وحق الدفاع، وانحرفت بالإجراءات ابتداء من عدم تعيين كاتب يحرر محاضر الجلسات ويثبت حضور الأطراف والإجراءات والقرارات المتخذة في كل جلسة، وانتهاء بإصدار قرارات دون عقد جلسة وفي غيبة الخصوم أطراف القضية التحكيمية، ومن ذلك قرارها بتعيين خبير دولي والذي اتخذته دون عقد جلسة وفي غيبة الأطراف، ولم نعلم بتعيين الخبير ولا بالمهمة المكلف بها إطلاقا، إلا حين وصول التقرير عبر الواتساب".
وقال طلب العزل، إنه "إضافة إلى انتهاك مبدأ المواجهة ومصادرة حق الدفاع تبين أن الخبير المعين من الهيئة مهندس مدني دولي من الاردن الشقيق خبير في اعمال التحكيم الهندسي وعقود الفيدك (عقود دولية في المجال الهندسي)، بينما النزاع المطروح على هيئة التحكيم نزاع محلي وطني يمني بشأن عقد محلي اطرافه محلية يمنية ومحل تنفيذه في اليمن وهيئة الحكم يمنية ويخضع للقانون اليمني بقوة القانون وباتفاق الأطراف في العقد وفي مشارطة التحكيم، ولا مجال لتعيين خبير خارجي في هذا النزاع".
وأشار إلى "أن الاستعانة بخبير دولي (خارجي) لا يكون ولا يلجأ اليه الا في حال عدم وجود خبير وطني أو تعذر على الخبراء الوطنيين القيام بالمهمة أو في حال اتفق طرفا القضية على اختيار الخارجي، وبغير ذلك فلا مبرر لتعيين، خبير دولي وترك خبراء الداخل (الوطنيين) إلا ما نعتقد انه توجه من الهيئة وانحياز الى الطرف المتمسك بمزعوم الفيدك، كون الشركة تطالب بتطبيق مزعوم الفيدك على الدعوى، وأقامت دعواها مستندة عليه واستعانت في ذلك بخبراء من الأردن الشقيق أبرزهم المحامية الدكتورة رشا الرمال وكيلة الشركة في النزاع أمام هيئة التحكيم، والتي أكدت أنها استعانت في اعداد الدعوى بمهندسين خبراء في الفيدك".
وقال "إن من مصلحة الشركة أن يكون الخبير من الأردن الشقيق ومجال خبرته في مشاريع وعقود الفيدك، وتنفيذا لهذه الرغبة والمصلحة جاء قرار هيئة التحكيم بتعيين المهندس الأردني أمجد مقدادي الخبير في أعمال التحكيم الهندسي وعقود الفيدك، ودون مواجهة الجامعة بهذا القرار ولم تبلغ به إطلاقا بينما الشركة كانت على علم به وسلمت للخبير أتعابه مقدما قبل أداء المهمة مبلغ وقدرة أربعة عشر الف دولار يساوي (22) مليون ريال يمني، وهذا مبلغ ضخم ما كان لهيئة التحكيم أن تكلف الخبير بالمهمة الا بالتواصل والاتفاق مع الشركة على تعيينه وتحمل أتعابه الضخمة".
وأضاف أن "الخبير قام بنظر النزاع نيابة عن المحكمين وفصل فيه لمصلحة (الفيدك) - مجال خبرته - وأنزله على كامل الدعوى الأصلية والفرعية وأصدر حكمه في القضية تحت جلباب تقرير خبرة، فقدمت الجامعة اعتراضها على قرار تعيين الخبير وطالبت إبطاله وكل ما ترتب عليه لعدم مواجهتها بالقرار... الا أن هيئة التحكيم التفتت عن اعتراض الجامعة وألزمتها بالرد على مزعوم تقرير الخبير، في اشارة واضحة الـى توجيها الـى الحكم لمصلحة الشركة".
ورغم ذلك صدر حكم هيئة التحكيم، في الجلسة بتاريخ 11 يوليو الماضي، ونص على إلزام المدعى عليها جامعة تعز بأن تدفع للمدعية شركة الرحاب، مبلغ وقدره 16,284,481 دولار، كفوارق أسعار، ونفقات تمويل المشروع، ورفع الحكومة اليمنية لأسعار المشتقات النفطية، وإلغاء الضمان البنكي ومقابل الفوائد البنكية والمعدات واللوازم المنهوبة، وتعويضات للقوة القاهرة، ومقابل أتعاب التحكيم، وغيرها.
يذكر أن مدة المشروع كانت ثلاثين شهرا تبدأ من 10 مايو 2012، وتم تمديد فترة المشروع الى 20 فبراير 2015، وفق ما ورد في حكم التحكيم، وهي المدة التي لم تلتزم بها الشركة بحسب دفوعات الجامعة، وتسببت فيما تلا ذلك من تضاعف في تكاليف المشروع وخسائر في المعدات المنهوبة والمستهدفة، مشيرة الى أن دعوى الظروف القاهرة غير ثابتة، لأن الظروف القاهرة لم تبدأ الا في 27 مارس 2015، في الوقت الذي يفترض أن الشركة سلمت المشروع وسحبت معداتها.