كشف مصدر في الخطوط الجوية اليمنية عن تخلي التحالف العربي عن إجراءات مراقبة الرحلات الجوية وإصدار التصاريح للطائرات من وإلى مطار صنعاء الدولي، والذي كان معمولاً به منذ إعادة تشغيل المطار بشكل جزئي في العام 2022.
وأضاف المصدر لـ"المصدر أونلاين" أن ذلك جاء بعد إصرار الحوثيين على إقلاع رحلتين تابعتين للخطوط اليمنية من مطار صنعاء، يوم الثلاثاء الماضي، دون إذن مسبق من التحالف.
وكان التحالف أعاد، مساء الثلاثاء، طائرة إلى المطار بعد وقت قصير على إقلاعها، وذلك عقب ساعات من سماحه لطائرة أخرى بالعبور صباح اليوم نفسه لم تلتزم بالإجراءات، وتوجيه إنذار بأنه لن يسمح لطائرة أخرى لم تلتزم بالإجراءات الاعتيادية.
وقال المصدر إن نقاشات دارت بين الحوثيين والتحالف انتهت بالسماح بمغادرة الرحلة العائدة ليل الثلاثاء، وذلك بعد إرسال الشركة كشوفات تتضمن بيانات المسافرين على متن الرحلة وحصولهم على إذن من خلية التحالف المعنية بالأمر، وهو الإجراء المتبع لتسيير الرحلات من مطار صنعاء والمطارات اليمنية الأخرى منذ سنوات.
ووفقاً للمصدر فقد أفضت التواصلات التي أجراها الحوثيون مع مسؤولين في المملكة لتخلي التحالف عن آليته السابقة بعد هذه الرحلة وأصبح الحوثيون يسيرون الرحلات من دون إذن مسبق، مشيراً إلى تلقي مكاتب السفر مذكرة من شركة الخطوط الجوية اليمنية في صنعاء، عبر الإيميل، جاء فيها: "نحيطكم علما أنه تم ايقاف طلب الكشوفات لغرض تصاريح الرحلات، لذا نرجو العمل بشكل طبيعي والعودة دائماً إلى ملف متطلبات السفر المعتمد من قبل إدارة خدمات الركاب والعودة دائما إلى إدارة خدمات الركاب لأي تحديثات بهذا الخصوص".
واختتمت المذكرة بالقول: "نشكر الجميع على تعاونكم معنا خلال الفترة السابقة، ونحمد الله على التوفيق، ونسأل المولى عز وجل أن يكون القادم أفضل لما فيه الخير لبلدنا وشركتنا الموقرة".
ولم يصدر عن التحالف بقيادة السعودية أو عن الحكومة المعترف بها أو جماعة الحوثيين أي تعليق على الأمر حتى الآن.
ومنذ بدء التحالف الذي تقوده السعودية عملياته العسكرية في اليمن أواخر مارس ٢٠١٥، حظر الطيران في الأجواء اليمنية وفرض على مطارات البلاد إجراءات من بينها رفع كشوفات بأسماء المسافرين قبل السماح لأي رحلة من وإلى تلك المطارات.
وتشمل تلك الإجراءات مطارات عدن وسيئون وغيرها، ولم يعلم المصدر إن كان تخلي التحالف عن تلك الإجراءات يشمل المطارات الأخرى أم أنه يقتصر على مطار صنعاء، كنتيجة لضغط الحوثيين.
وسيطر الحوثيون على مطار صنعاء إبان اجتياحهم للمدينة وسيطرتهم على مؤسسات الدولة أواخر ٢٠١٤، وتوقف عن العمل منذ تدخل التحالف، قبل أن يعود للعمل عقب تفاهمات سعودية حوثية في العام ٢٠٢٢.
وخلال سنوات الحرب حاولت الخطوط الجوية اليمنية، الناقل الوطني الوحيد أن تبقى على الحياد، قبل أن تحاول الميليشيا السيطرة عليها عقب عودة مطار صنعاء للعمل، ودار صراع على الشركة ومواردها بين الميليشيا والحكومة المعترف بها، بلغ ذروته حين احتجز الحوثيون ٤ طائرات للشركة قبل أكثر من شهر (أواخر يونيو)، ما تسبب في عرقلة عودة أكثر من ألف حاج إلى البلاد.
يومها اعتبر مجلس القيادة الرئاسي اختطاف الطائرات الأربع "عملية إرهابية مكتملة الأركان، تضاف إلى انتهاكاتها (الميليشيا) الجسيمة التي طالت الناقلات الوطنية والأجنبية الجوية والبحرية على مدى السنوات الماضية"، في حين اتهم الحوثيون السعودية بمحاولة إعادة الحصار، قبل أن تنجح تفاهمات في مسقط بسلطنة عمان، في السماح بتحريك الطائرات وإعادة الحجاج.
لكن الأزمة - والتي تفاقمت إثر قرار اتخذته وزارة النقل في الحكومة بحصر شراء التذاكر على مكاتب اليمنية في المناطق المحررة والخارج، في إطار حملة الحكومة لاستعادة مواردها المالية من سيطرة الجماعة المسلحة - ظلت قائمة رغم انفراجة مشكلة الحجاج.
وليست هذه المرة الأولى التي يحتجز الحوثيون فيها طائرات، إذ سبق ذلك احتجاز طائرة مطلع شهر أكتوبر الماضي، لعدة أيام، وذلك رداً على ما قال قياديون في الجماعة إنه قرار الشركة تعليق رحلتها التجارية الوحيدة من صنعاء إلى عمّان على خلفية منع الشركة من سحب أموالها في بنوك صنعاء، قبل أن تنجح ضغوط سعودية في إطلاق الطائرة وإعادة الرحلة فيما استمرت الجماعة في احتجاز الأموال.
ومؤخراً بعد احتجاز الطائرات الأربع، رفعت ميليشيا الحوثي من سقف طلباتها وطالبت قيادات حوثية بافتتاح وجهات جديدة إلى القاهرة ومومباي، وظهر زعيم الميليشيا في خطاب مهدداً السعودية باستهداف مطاراتها، وصعدت الجماعة من تهديداتها عقب ذلك، قبل أن يظهر المبعوث الأممي معلناً عن اتفاق بين الحكومة والحوثيين برعاية سعودية يشمل المطار.
ونص الاتفاق وفق بيان لمكتب المبعوث على "استئناف طيران اليمنية للرحلات بين صنعاء والأردن وزيادة عدد رحلاتها إلى ثلاث يومياً، بالإضافة إلى تسيير رحلات يومية إلى القاهرة والهند حسب الحاجة"، مضيفاً: "سيتم عقد اجتماعات لمعالجة التحديات الإدارية والفنية والمالية التي تواجه شركة الطيران".
ورغم عودة الرحلات ما زال الحوثيون يحتجزون الطائرات الأربع، ولا يسمحون لها بالمغادرة إلا إلى الوجهات الخارجية والعودة الى مطار صنعاء. وفق المصدر.
خسائر للشركة
ويسيّر الحوثيون ثلاث رحلات يومية إلى الأردن، وهو عدد فوق الاحتياج، قال المصدر، "نحن نحتاج لرحلة واحدة أو رحلتين على أعلى تقدير من صنعاء الى عمان، لكن الحوثيين أصروا على ثلاث رحلات، والشركة تتكبد خسائر يومية، من وراء تلك الرحلات، إذ تغادر الرحلة بعدد قليل من المسافرين لا يغطي تكاليفها".
وأضاف: كما تتكبد الشركة خسائر بسبب تحركات الحوثيين واحتجازهم الطائرات، وتكاليف تعنتهم كما في رحلة الثلاثاء العائدة والتي خسرت فيها الشركة مادياً، لكن الخسارة الأكبر تمثلت في خسارة لسمعة الشركة التي ظهرت مؤخرا وكأنها لا تحترم مواعيدها وتعهداتها.
وأوضح: "معظم المسافرين على متن الرحلة العائدة من اليمنيين المسافرين الى أمريكا ودول أخرى ورحلتهم إلى الأردن ترانزيت، وقد تأخروا عن رحلاتهم التي حجزوها لهذه الدول، وتحملوا خسائر إضافية، وكل هذا من سمعة الشركة".
وبحسب المصدر فإن رحلات القاهرة ومومباي لم تبدأ حتى الآن، وذلك بسبب عدم موافقة هذه الدول على استقبال الرحلات ومنح التصاريح لها، مشيراً إلى وجود "تواصل بين السعودية والدولتين لاستصدار موافقة على تسيير الرحلات".
حكاية رحلة الثلاثاء
في صباح يوم الثلاثاء، أجبر القيادي الحوثي خليل جحاف، المعين من قبل الميليشيا قائماً بأعمال مدير شركة اليمنية بصنعاء، طائرة لليمنية على الإقلاع من المطار دون تصريح من التحالف، في خطوة تهدف لكسر ما تصفه الجماعة بالحصار المفروض على المطار.
وجحاف قيادي حوثي، كان مدير منطقة بيروت في الخطوط اليمنية، وعاد في العام 2020 تقريبا، وفي العام 2022، تم تعيينه قائماً بأعمال رئيس مجلس الإدارة في صنعاء، وهو من يقود حاليا محاولة المليشيا الاستحواذ على الشركة.
وفي شهر مايو الماضي، عين رئيس مجلس إدارة اليمنية الحالي ناصر محمود، عبدالغني المؤيد، بديلاً لجحاف، وفق ما أظهرته مذكرة اطلع عليها "المصدر أونلاين"، غير أن جحاف المسنود من قيادات وزارة النقل التابعة للميليشيا رفض تنفيذ ذلك القرار.
وبالعودة إلى قصة الثلاثاء، سمح التحالف للطائرة الأولى بالمغادرة رغم أنها لم تستكمل الإجراءات ونبه المعنيين أنه لن يسمح لطائرة أخرى بالعبور دون إذن، لكن جحاف أجبر الطائرة الأخرى على المغادرة مساءً دون الحصول على الموافقة، ليجبرها التحالف على العودة إلى المطار.
وأفضت تفاهمات إلى السماح للرحلة بالمغادرة بعد استكمال الإجراءات، وجدولت رحلتها منتصف الليل، قبل أن يبلغنا المصدر في الخطوط اليمنية بأن التحالف تخلى عن هذه الإجراءات بشكل كامل.
وتوقع المصدر أن التراجع كان نتاجاً للجزء غير المعلن من التفاهمات بين الحكومة والحوثيين برعاية سعودية، والتي أعلن نتائجها المبعوث الأممي في الـ23 من الشهر الجاري.