ما يزال 70 مختطفاً في سجون جماعة الحوثي مهددين بخطر أحكام الإعدام التي أصدرتها السلطات القضائية التابعة للجماعة بحقهم، و 75 آخرون نجوا منها بطرق مختلفة، وهؤلاء إضافة إلى أكثر من 400 من السياسيين والعسكريين والمشايخ والشخصيات الاجتماعية اليمنية، ابتداءً من رئيس الجمهورية السابق عبدربه منصور هادي ونائبه علي محسن صالح، مرورا برئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ورؤساء الحكومات المتعاقبة منذ الانقلاب، والوزراء والمسؤولين والقيادات العسكرية والأمنية في الحكومة المعترف بها، وكل من ترى فيه الجماعة خصماً سياسياً لها..
هذا العدد الضخم من اليمنيين استحقوا هذه الأحكام، بنظر الجماعة، بتهمة واحدة "العمالة للعدوان"، وهي التهمة التي تقول الوقائع إن لها مستقبلاً واعداً وقد تطال كل من لم ينخرط في مشروع الجماعة.
التهمة جاهزة، "التجسس والعمالة للعدوان"، تليها سلسلة من الخطوات يصفها المعنيون بغير القانونية، تبدأ بالاختطاف التعسفي المصحوب بحملة ترويع، ففترة من الإخفاء القسري والتعذيب داخل سجون "سيئة السمعة" تكون خلالها مجبراً على الاعتراف بأي تهمة، ثم إجراءات قضائية عبثية دون محامين ولا تلتزم بمعايير التقاضي، وقرار اتهام مفصل ومبني على الاعترافات المنتزعة، ثم جلسات محاكمة صورية.. تنتهي بحكم إعدام.
وسواء كنت حاضراً أم غائباً سيطالك الضرر، فحكم الإعدام هنا بمثابة "فتوى" صادرة عن "جماعة دينية متطرفة"، تستهدف المحكوم وأسرته وأقرباءه وممتلكاته، وخلال سنوات مضت استولت الجماعة وصادرت عن طريق الكيان المستحدث والمسمى بـ"الحارس القضائي" بالقوة مئات المنازل والمزارع والشركات التجارية بناءً على هذه الأحكام، كما استهدفت عمليات اغتيال، نفذت بمناطق سيطرة الحكومة، شخصيات بدت الجماعة هي المستفيد الوحيد من عمليات اغتيالهم.
لكن الخطر الأكبر يتهدد حياة العشرات من المدنيين المختطفين الذين حاكمتهم الجماعة بعد أن لفقت لهم تهماً جنائية إلى جانب تهمة العمالة التي تلوح بها في وجه كل خصومها، ووفقا لرئيس الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، رضوان مسعود، فإن عدد هؤلاء خلال السنوات الماضية بلغ 145، منهم 120، تم اختطافهم، وهم من مختلف المحافظات والمهن. و25 آخرون لم تتمكن الميليشيا من اختطافهم وحاكمتهم غيابياً.
وأوضح مسعود لـ"المصدر أونلاين" أن الميليشيا نفذت حكم الإعدام بحق 9 من هؤلاء المختطفين من أبناء محافظة الحديدة، في 18 سبتمبر 2021، فيما ما يزال 70 من المحكومين مغيبين في سجونها، من بينهم 3 أساتذة جامعات، و12 معلم وتربوي.
ونجحت الجهود المحلية والدولية في الإفراج عن 17، من بينهم الصحفيون الأربعة، عبدالخالق عمران، توفيق المنصوري، حارث حميد، أكرم الوليدي، المفرج عنهم في صفقة التبادل برعاية الأمم المتحدة والصليب الأحمر، أبريل 2023، إضافة الى الصحفي يحيى عبدالرقيب الجبيحي، والذي أفرج عنه بعد مناشدات نتيجة تدهور حالته الصحية داخل السجن.
وأشار مسعود إلى أن الميليشيا حكمت بالإعدام على شخصين بعد وفاتهما، كما أصدرت أحكام إعدام بحق 18 شخصاً بعد الإفراج عنهم في صفقات تبادل، 6 في صفقات محلية، 12 في صفقات دولية، برعاية الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي.
وما تزال جماعة الحوثي تواصل اختطاف المزيد من المدنيين، وشنت مؤخراً حملة اختطافات طالت العشرات من موظفي المنظمات الإنسانية المحلية والدولية والأممية، وأجبرت بعض من اختطفوا سابقاً على تسجيل اعترافات بالعمالة لأمريكا وبريطانيا وإسرائيل، تمهيداً لمحاكمتهم. بينما أصدرت حكم إعدام ومصادرة للممتلكات بحق مدير شركتي "برودجي سيستمز"، عدنان الحرازي، مطلع يونيو الماضي، سبقه حكم إعدام بحق الناشطة الحقوقية فاطمة العرولي، الصادر في شهر ديسمبر الماضي.
وكان بلاغ عن أهالي المختطفين، صدر حديثاً، قال إن الأهالي تلقوا أنباء تفيد بتسريع إجراءات محاكمة أبنائهم، معربين عن قلقهم من نية الجماعة إعدامهم دون أي مسوغ قانوني أو وجه حق.
وحذرت الأسر، جماعة الحوثي من الإقدام على ارتكاب هذه الجريمة، وحملوها المسؤولية الكاملة عن أي أذى قد يصيب أبناءهم، ودعت الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص لليمن وكل أحرار العالم للتحرك بسرعة للضغط على الجماعة والعمل على إطلاق سراح أبنائها فوراً وإعادة الاعتبار لهم لما تعرضوا له من إخفاء وتعذيب وترهيب.
وتسعى الميليشيا من وراء استعجال تلك المحاكمات، بحسب مراقبين، إلى إرهاب المجتمع واستغلال الأحكام التي ستصدرها في تشديد قبضتها الأمنية على المواطنين بمناطق سيطرتها، إضافة إلى تبرير عمليات الاختطاف التي تنفذها ضد موظفي المنظمات المحلية والدولية والأممية، وكذلك عمليات نهب المؤسسات والممتلكات الخاصة بالمحكومين.
طبيعة المحاكمات
وحول طبيعة هذه المحاكمات، قالت هيئة الأسرى والمحتجزين في إحاطة قدمها مسعود، يوم الأربعاء، بمارب: إنها محاكمات صورية "تُجرى تحت سلطة جماعة تفتقر بشكل كامل إلى الشرعية القانونية. وفي محاكم لا تملك الولاية القضائية لممارسة العدالة أو إصدار الأحكام، لأنها تعمل خارج نطاق القانون اليمني والدولي".
وورد في الإحاطة "القضاة الذين يديرون هذه المحاكم ليسوا سوى أداة في أيدي جماعة الحوثي، يستخدمونها لإضفاء طابع قانوني زائف على تصفيات سياسية منهجية، ولا يتمتعون بأي صلاحية قانونية لإصدار الأحكام، مما يجعل كل قرار إعدام صادر عنهم عديم الأثر القانوني، بل هو جريمة في حد ذاته".
وأشارت إلى أن "ما يسمى بالمحكمة الجزائية المتخصصة بأمانة العاصمة والواقعة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي المسلحة تُستخدم من قبل الجماعة للانتقام السياسي، وهي محكمة منعدمة الولاية القانونية والاختصاص بموجب قرار مجلس القضاء الأعلى الصادر بتاريخ 20 أبريل 2018م، والذي قضى بإنهاء مهامها واختصاصها ونقل ذلك إلى المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة بمأرب. كما صدر قرار مجلس القضاء الأعلى رقم (38) لسنة 2019م بعدم التعامل مع جميع الأحكام الصادرة عن المحاكم التي تقع تحت سيطرة جماعة الحوثيين".
وقالت إن "استخدام القضاء للانتقام السياسي من قبل الجماعة يشكل تهديدًا للعشرات من المحتجزين السياسيين"، مشيرة إلى محاكمة الـ9 المختطفين من أبناء الحديدة، والتي وصفتها مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بأنها عملية قضائية لم تحترم معايير المحاكمة العادلة.
وطالبت المنظمة في إحاطتها "جماعة الحوثي بإلغاء جميع قرارات الإعدام الصادرة عن محاكم الجماعة غير الشرعية فورًا"، و"الإفراج الفوري عن جميع المختطفين والمحتجزين دون قيد او شرط، وإنهاء ممارسة الاختطاف التعسفي والاحتجاز غير القانوني وفقا للقرار الأممي 2216".
كما طالبت "بإجراء تحقيق دولي مستقل في الانتهاكات المرتكبة ضد المختطفين والمحتجزين، بما في ذلك الإخفاء القسري والتعذيب وسوء المعاملة"، داعية "إلى محاسبة جميع المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان ضد المختطفين والمحتجزين، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب عبر تقديمهم للمحاكمة أمام محاكم دولية".
وناشدت المنظمة "المجتمع الدولي ومجلس الأمن والأمم المتحدة بفرض ضغوط سياسية ودبلوماسية على جماعة الحوثي لوقف مثل هذه الانتهاكات والإفراج عن المختطفين".