انطلقت أمس الأحد جولة مفاوضات جديدة بين الحكومة اليمنية وميليشيا الحوثي بشأن الأسرى والمختطفين، في العاصمة العمانية مسقط، برعاية الأمم المتحدة، وسط توقعات محدودة بالنجاح نتيجة التوتر المتصاعد والخلاف العميق في عدد من الملفات.
جاءت الجولة بعد ولادة متعسرة وتأجيل لثلاث مرات، بسبب تعنت الحوثيين في قضية السياسي المختطف قسرياً محمد قحطان، المشمول بقرار مجلس الأمن الدولي 2216.
وكان الوفد الحكومي أعلن العام الماضي أنه لن يشارك في أي مفاوضات قبل الكشف عن مصير قحطان والسماح لأسرته بالتواصل معه. وشدد رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، لدى لقائه المبعوث الخاص للأمم المتحدة هانس غروندبرغ، ومساعده معين شريم، في عدن، في 9 أغسطس 2023، على ضرورة الكشف عن قحطان قبل الذهاب إلى أي مفاوضات جديدة.
ورفض الحوثيون، الذين يحتجزون قحطان ويغيبونه قسرياً منذ تسع سنوات (منذ أبريل 2015)، التجاوب مع مطالب الوفد الحكومي، مما تسبب في فشل عدة جولات تفاوض كان مقرر انعقادها خلال هذه الفترة، إضافة إلى تعثر انعقادها مرتين بسبب رفض الحوثي مكان الانعقاد المقترح من مكتب المبعوث.
مؤخراً، رتب مكتب المبعوث الأممي والصليب الأحمر لجولة تفاوض جديدة في مسقط، ورفضت الحكومة اليمنية المشاركة فيها. وأعلن وزير حقوق الإنسان أحمد عرمان، ورئيس هيئة الأسرى والمحتجزين هادي هيج، وعضو الوفد الحكومي المفاوض حسن القبيسي، يوم الثلاثاء الماضي، في تصريحات صحفية، عدم المشاركة قبل الحصول على استحقاق تواصل السياسي المختطف محمد قحطان مع أهله، ووقف ميليشيا الحوثي لعمليات الاختطاف المستمرة بمناطق سيطرتها، وآخرها اختطاف موظفي منظمات الإغاثة الأممية والدولية والمحلية.
لكن وعقب يوم من هذه التصريحات، أعلن رئيس الوفد الحكومي حالياً يحيى كزمان أنهم سيشاركون بعد تلقيهم "توجيهات عليا" من رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي، "بالحضور والعمل على إطلاق جميع المختطفين والمخفيين قسراً على قاعدة الكل مقابل الكل، وفي مقدمة ذلك محمد قحطان".
وقالت مصادر مطلعة لـ"المصدر أونلاين" إن تغير الموقف الحكومي يرجع لضغط مكتب المبعوث الساعي لتحقيق أي اختراق في الملف، وحرص سعودي على انعقاد جولة التفاوض التي تأمل المملكة أن تنتهي بإطلاق سراح سبعة أسرى من جنودها لدى الحوثيين بينهم طياران، إضافة إلى رغبتها في إحياء مسار المفاوضات الذي توقف بسبب هجمات الحوثيين على سفن التجارة الدولية.
وأثار تغير الموقف الحكومي الرأي العام، وانتقد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي وحقوقيون وسياسيون وصحفيون قبول الحكومة بالمشاركة في ظل استمرار تعنت الميليشيا في قضية قحطان، واختطاف المدنيين من منازلهم ومقار أعمالهم بمناطق سيطرتها.
وتحت هاشتاغ #قحطان_مفتاح_السلام، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالتدوينات التي تنتقد تساهل الوسطاء الدوليين مع الميليشيا، والقبول بعقد جولات جديدة من المفاوضات دون ضغط حقيقي على الحوثيين لحسم الملف وإنقاذ آلاف الأسرى والمختطفين وإعادتهم إلى أهاليهم.
وشدد الناشطون على أولوية قضية قحطان، أكبر المختطفين سناً، وأطولهم مدة، مطالبين بالضغط على الحوثيين لإنهاء تغييبه القسري والسماح له بالتواصل مع أسرته كقضية عاجلة، قبل تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2216، والذي ينص صراحة على وجوب إطلاق سراحه.
واعتبر الناشطون أن عقد أي اتفاقات على صفقات تبادل لا تشمل قحطان خيانة للرجل وللقضية الوطنية، ورضوخ للميليشيا.
ولا يقف الضغط الشعبي وحيداً، فعضو الوفد الحكومي في جولة التفاوض السابقة وممثل الجيش والمقاومة الشعبية بمارب، حسن القبيسي، لم يسافر ضمن الوفد الحكومي في مشاورات مسقط، وقال للمصدر أونلاين، في وقت سابق اليوم الأحد، إنهم اعتذروا عن المشاركة وأبلغوا مكتب المبعوث بذلك.
وأرجع القبيسي، قرار عدم المشاركة إلى ثلاثة أسباب، وقال: "أكدنا بكل وضوح أننا لن نشارك في أي جولة قادمة، قبل أن يتم السماح بزيارة المخفيين قسرياً وعلى رأسهم الأستاذ محمد قحطان، وتتوقف أحكام الإعدام الحوثية غير الشرعية وغير القانونية، والتي ما تزال الميليشيا تصدرها بصورة مستمرة، إضافة إلى توقف الميليشيا عن حملات الاختطافات التي تشنها ضد المدنيين بمناطق سيطرتها".
وتؤكد تصريحات القبيسي، ما كان ظهر سابقاً من التصريحات المتناقضة للوفد الحكومي، وجود خلاف داخل الوفد حول المشاركة في المفاوضات من عدمها.
وأمس السبت ألمح رئيس هيئة الأسرى والمحتجزين، ورئيس الوفد الحكومي في جولات سابقة، هادي هيج، في تصريح لـ"المصدر أونلاين"، إلى أن أي اتفاق دون استحقاق زيارة السياسي المختطف محمد قحطان لن ينفذ. محذراً من أن "تقديم أي تنازلات للحوثية هو جريمة في حق الأبطال من الأسرى والمختطفين ويعمق الاختلال في هذا الملف بالبقاء في هوامش لا تنطلق من تقدير تضحيات الرجال الذين ضحوا من أجل الدولة وشرعيتها ونظامها الجمهوري"، مضيفاً أن "أي انصياع لرغبات الحوثيين وابتزازهم بأي مبرر لن يكون مقبولاً من الشعب اليمني، الذي يعرف قدر أبطاله جيداً، ويتألم لمعاناتهم ويريد إنهاءها".
وقال إن أي نقاش في ملف المحتجزين "يجب أن يتركز أولاً حول استكمال تنفيذ ملحقات واستحقاقات جولات التفاوض السابقة قبل بدء أي تفاوض جديد، وفي مقدمة ذلك زيارة القائد الوطني محمد قحطان".
وأضاف أن "الحوثي يذهب إلى التفاوض بهدف الحصول على تنازلات من جانب واحد، دون أن يكون مستعداً لتقديم أي تنازل بالمقابل من أجل إنهاء معاناة آلاف الأسر، وإنهاء هذا الملف الإنساني"، مؤكداً أنه "طالما ليس لدى الحوثي رغبة في إغلاق هذا الملف وليس هناك ضغوط ضامنة بشكل حقيقي من الأمم المتحدة، فإن الميليشيا لن تعدم اختلاق العراقيل وأساليب قوم موسى للتهرب من تنفيذ أي استحقاقات".
ومن شأن هذا الضغط الواسع، إضافة إلى توجيهات رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي للوفد، التي نصت على "عدم إبرام أي صفقة تبادل لا تشمل إطلاق سراح الأخ محمد قحطان، أو على أقل تقدير الكشف عن مصيره وتمكينه من التواصل مع أسرته، أو الرجوع إلينا قبل إبرام أي صفقة لأخذ التوجيهات"، أن يضعا الوفد الحكومي في موقف حرج، يصعب عليه التوقيع على أي صفقة لا تشمل قحطان.
وفي تصريحات سابقة لـ"المصدر أونلاين"، يوم الأربعاء، لم يبدو عضو الوفد الحكومي في مفاوضات مسقط ووكيل وزارة حقوق الإنسان ماجد فضائل متفائلاً بنتائج هذه الجولة، إذ قال مشيراً للتوجيهات الرئاسية الصارمة: "نحن موظفون حكوميون، وملتزمون بهذا التوجيه، والنتيجة معروفة مسبقاً"، مشيراً إلى تعنت الحوثيين فيما يخص قحطان.
وفيما يبدو استجابة للضغط الشعبي خرج رئيس الوفد الحالي يحيى كزمان بتصريح لوكالة الأنباء اليمنية "سبأ"، يبرر قرار المشاركة في المفاوضات والتي قال إنهم هدفوا من ورائها الى استغلال وجود الوسطاء وتحقيق اختراق في الملف، مؤكداً أن التقدم في المفاوضات يعتمد على كشف مصير قحطان.
وفيما تتجه الأنظار نحو مسقط على أمل أن تسفر هذه الجولة من المفاوضات عن صفقة تبادل تجمع مئات الأسر بأبنائها، إلا أن المعطيات السابقة والمؤشرات الأولية لا تبعث على الكثير من التفاؤل، خصوصاً إذا ما استمر الحوثيون في تعنتهم بشأن قحطان.