خلّفت عملية الانقسام النقدي والمصرفي، وحظر الفئات النقدية الجديدة من العملة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، وتفاوت أسعار الصرف، أضراراً فادحة على التعاملات المالية، والتداول النقدي في البلاد بشكل عام، تاركةَ صعوبات ومعوقات كثيرة أمام المواطن اليمني.
وبدت عملية حظر الطبعة الجديدة من قبل الحوثيين، في مناطق سيطرتهم، كأنها نوع من الحرب على أموال المواطنين، وخصوصاً شرائح الموظفين والعمال، وهم الغالبية العظمى من سكان اليمن.
وأدت عملية الحظر، إلى ارتفاع عمولة الحوالات النقدية الصادرة من مناطق سيطرة الحكومة إلى مناطق سيطرة الحوثيين، بنسبة أكثر من 31%، الأمر الذي أدى إلى معاناة الكثيرين ممن يرغبون بالتحويل من مناطق الحكومة إلى مناطق الحوثيين، ومنهم رياض الشرعبي، الذي يعمل في أحد المحلات التجارية بالعاصمة المؤقتة عدن، ويقول إنه وجد نفسه عاجزاً عن إرسال راتبه الشهري، لأسرته وأطفاله في منطقة تحت سيطرة الحوثيين، مضيفاً أن محلات الصرافة ستخصم 31% من راتبه الذي لا يتعدى 100 ألف ريال.
ويضيف الشرعبي لـ”المشاهد”: “هذا الإجراء فاقم من معاناتنا المعيشية والمادية، حيث أصبح لا حول لنا ولا قوة، ولا نستطيع حتى إرسال أُجرتنا لأولادنا، التي بالكاد نحصل عليها بعد عمل متواصل طيلة الشهر”.
ويقول أحد سكان مدينة تعز إنه لم يتمكن من إرسال حوالة نقدية، إلى صنعاء، لتوفير تكاليف عملية علاجية، لأحد أقربائه، بعد أن حجز موعداً مع أحد مستشفيات العاصمة، لإجراء عملية جراحية عاجلة، نتيجة لارتفاع تكلفة الحوالة، وعجز المريض عن توفير السيولة من العملة القديمة.
ويضيف أن استقطاع 31% من مبلغ الحوالة المقدرة بـ300 ألف ريال يمني، مبلغ كبير، مستطرداً: “لم أتمكن من توفير هذا المبلغ المرتفع ودفعه للصرافين، رغم الحاجة الماسة لإرسال الحوالة النقدية إلى صنعاء، وتوفير تكلفة العملية الجراحية”، لكنه مازال يبحث عن خيارات لتوفير المبلغ المطلوب في المستشفى تكلفة إجراء العملية من الطبعة القديمة.
تمايز الأنظمة المصرفية تفاقمت هذه المشكلة الاقتصادية في البلاد، مع اتساع الفجوة في أسعار الصرف، بين كل من المناطق التي تديرها الحكومة، والمحافظات الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، نتيجة قرار حظر التعامل بالفئات النقدية الجديدة من العملة.
توسعت أزمة العملة الوطنية، مع تراجع قيمتها في مناطق سيطرة الحكومة، مقابل استقرار نسبي في المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، حيث بلغ الفارق بين سعر الدولار في كل من صنعاء وعدن، أكثر من 200 ريال يمني . ويُهدد الانقسام النقدي والمصرفي الحاصل في البلاد، آخر ما تبقى من رمز سيادي يربط اليمن الموحد، وهو العملة اليمنية، إضافة إلى ما سيؤدي إليه من تضخم في كافة أسعار السلع والمواد الغذائية، وارتفاع كلفة الإنتاج والاستهلاك بكافة القطاعات الإنتاجية والاقتصادية، وفق اقتصاديين.
وتوسعت أزمة العملة الوطنية، مع تراجع قيمتها في مناطق سيطرة الحكومة، مقابل استقرار نسبي في المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، حيث بلغ الفارق بين سعر الدولار في كل من صنعاء وعدن، أكثر من 200 ريال يمني، إذ تجاوز سعر الدولار الواحد في عدن، حاجز الـ800 ريال يمني، في حين ظل سعره في صنعاء فوق مستوى الـ600 ريال.
هذا التفاوت في أسعار الصرف، تسبب بجدل واسع في كافة فئات المجتمع، متسائلين عن الأسباب التي أوجدت الفارق الكبير في سعر الصرف، على الرغم من عدم انعكاس ذلك على استقرار الوضع المعيشي في كافة أنحاء البلاد.
الخبير الاقتصادي، مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، أوضح أنه لا بد أولاً من التفريق بين موضوع تدهور العملة، ومسألة الرسوم أو فارق بيع العملة في المحافظات اليمنية، مؤكداً لـ”المشاهد” أن مسألة تدهور قيمة الريال حالياً، تعود إلى حالة الانسداد السياسي الراهن، وتعثر اتفاق الرياض، إضافة إلى تجدد المعارك في أكثر من جبهة، وانتهاء الوديعة السعودية، وشحة الموارد من النقد الأجنبي، والمضاربة بالعملة.
وفي ما يتعلق بمسألة فوارق الرسوم، أوضح نصر أنها تأتي نتيجة القرار الذي تم اتخاذه من قبل جماعة الحوثي، بمنع الفئات النقدية الجديدة، مشيراً إلى أن هذا القرار خلق تمايزاً وفصلاً بين عملتين بقيمتين مختلفتين، مما جعل سعر التحويل يرتفع، بحيث أصبحت توازي حجم الفارق بين سعر العملة في مناطق سيطرة الحكومة، ومناطق سيطرة الحوثيين.
ولفت إلى أنه من المفترض أن يتم التراجع فوراً عن هذا القرار، والبحث عن سياسة نقدية موحدة، تضمن تحقيق الاستقرار في سعر الصرف، وتنهي مشكلة ارتفاع حجم الفارق في سعر العملة المحلية.
من جانبه، أوضح الدكتور يوسف سعيد أحمد، أستاذ الاقتصاد في جامعة عدن، بطريقة إجرائية ومنهجية، أسباب هذا التباين، مشيراً إلى أن الحاصل في اليمن، وجود نظامين لسعر الصرف، استفاد أحدهما من الآخر.
وأشار، في صفحته على “فيسبوك”، إلى أن نظام الصرف المتبع في اليمن، متمايز، مشيراً إلى أن الحوثيين ضمناً، ومن خلال “لجنة المدفوعات”، يتبعون نظام مراقبة النقد، وإن لم يعلنوا ذلك صراحة، وهو شكل من أشكال نظام سعر الصرف الثابت، حيث تصبح الحكومة في ظله المشتري والبائع القانوني الوحيد للعملة الأجنبية.
وأضاف أن ذلك يظهر من خلال التشديد في التحويلات ما بين مناطق سيطرتهم ومناطق سيطرة الحكومة، أو إلى الخارج.
واعتبر أن إجراءات الحوثيين المتشددة، وممارسات القطع والتقاطع التي يتبعونها، حرب اقتصادية تجرى من طرف واحد، على حد وصفه.
حصر بيع العملات على البنوك وفي ما يتعلق بمعالجة مشكلة التدهور في سعر الريال اليمني، شدد نصر على ضرورة منع عملية تبادل العملات خارج القطاع المصرفي، والحد من عملية المضاربة بالسوق السوداء، وحصر بيع وشراء العملات على البنك المركزي، والبنوك، وتوفير احتياجات العملات الصعبة لتلبية الاحتياجات الأساسية.
وأشار إلى أن هذا يتطلب إجراءات لضبط استيراد السلع الكمالية، وضبط تسرب العملة الصعبة الشحيحة أصلاً في السوق، وإجراءات كثيرة لا بد أن تتم، مستدركاً أن هناك تقاعساً كبيراً يحدث من قبل الحكومة بسبب غيابها عن الواقع، على حد وصفه.
وعن إيجاد الحلول لمعالجة مشكلة انهيار الريال، قال نصر إنه لا بد من توحيد السياسة النقدية بحيث تعالج مسألة توفير الكمية الكافية من النقد الأجنبي، لمواجهة عملية الاستيراد، وضبط منافذ البيع، وعمل سياسات تحقق نوعاً من التوازن بين العرض والطلب.
ولفت إلى وجود العديد من السياسات التي من المفترض أن تُتبع بسحب كمية النقود من العملة المحلية لتحقيق نوع من التوازن وضبط عملية البيع والشراء في السوق.
وأكد على ضرورة أن يتحمل التحالف المسؤولية الأخلاقية والقانونية والإنسانية في هذه المرحلة، كونه المتحكم بشؤون البلد، وبالموانئ والمطارات والثروات السيادية كالنفط والغاز، وغيرها، لافتاً إلى أن هذه مصادر مهمة للعملة الصعبة، ويجب عليه، في ظل هذا التحكم الكامل، على الأقل، أن يقدم دعماً مباشراً لهذه المرحلة لتحقيق استقرار الريال وأسعار الصرف.
وعن النظام الآخر المُتبع في العاصمة المؤقتة عدن، يرى أحمد أنه نظام حُر، ومعوم، وهو النظام الذي التزمت الحكومة باعتماده أمام مؤسسات المجتمع الدولي، لأنّ الأسواق في عدن وفي كافة مناطق الحكومة مفتوحة، وبدون أي قيود.
ولهذا السبب يستفيد الحوثيون والتجار المستوردون والمؤسسات المالية والبنكية، ومقراتهم الرئيسية في صنعاء، من مزايا نظام سعر الصرف المُعوم، المعتمد في عدن، ومن المزايا التي يقدمها البنك المركزي، دون تمييز، ودون تحمل أية تكاليف، كما يقول الدكتور أحمد.
ويؤكد أن الحوثيين أكسبوا عُملتهم التي أظهروها على أنها عملة منفصلة، ثباتاً نسبياً أمام الدولار والريال السعودي، وإن كان غير حقيقي، على حد تعبيره.
ويلفت إلى أنه من الطبيعي، مع ندرة الريال المعروض من الإصدارات القديمة، أن يرتفع الطلب عليه في سوق نظام الرقابة على النقد في صنعاء.