كشفت الجولة الأخيرة للمبعوث الأممي لليمن، هانس غرونبرغ، في المنطقة أن السلام الحقيقي في اليمن لا يزال بعيدا وأن التحركات ليست جديدة ولن تحقق تقدما يتخطى الوضع الراهن.
ما الذي تحققه جولات المبعوث الأممي للسلام في اليمن في ظل الأوضاع الراهنة في المنطقة عموما والعمليات العسكرية في البحر الأحمر؟
بداية يقول الدكتور عبد الستار الشميري، رئيس مركز جهود للدراسات باليمن: "إن النقاش حول عملية السلام في الوقت الراهن، أعتقد أنه غير ذي جدوى".
البيئة الملائمة
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "في الحقيقة ليس هناك مقدمات وليس هناك بيئة ملائمة وليس هناك رغبة لدى الجماعة (أنصار الله) في الذهاب إلى عملية السلام في تلك اللحظة من الصراع في البحر الأحمر والاشتباك في الجبهات والذي عاد بصورة متقطعة". وتابع الشميري: "الأوضاع الراهنة على الأرض سواء في الداخل اليمني أو المحيط الإقليمي توحي بأن لقاءات وتحركات المبعوث الأممي لليمن هانس برونبرغ هي تحصيل حاصل ومحاولة من المبعوث الأممي والأمريكان لـ"فوترة" كل هذه الشبكة الكبيرة من المندوبين والعاملين في اليمن باسم العملية السياسية والعملية الإنسانية".
وفيما يتعلق بحديث العليمي (رئيس المجلس الرئاسي) وطلبه ضمانات من الحوثيين لاستكمال مساعي السلام يقول الشميري: "حديث العليمي مكرر ودأبت الحكومة الشرعية على تكرار نفس الكلام، لكن ليس هناك أي نجاح، وكل ما يروى الآن عن مسودة تسوية نهائية هو حديث كان سبق طرحه منذ أربعة أشهر ولكن تعطل تماما".
الموقف مُعلق
ويعتقد الشميري "أن الحالة اليمنية ستبقى معلقة ولن تفضي إلا إلى هدن متقطعة وأحيانا هدن ليست منضبطة كما هو الحال في هذه الهدنة التي نرى أن فيها كثير من الاشتباك وإن كانت صواريخ الحوثي لم تذهب بعيدا إلى المملكة العربية السعودية بعد الاتفاق الإيراني السعودي".
وأشار الباحث اليمني إلى أن "حديث العليمي عن ضمانات حديث يثير أحيانا الشفقة ويثير الاستغراب والدهشة، فأي ضمانات يمكن أن تعطيها الجماعة الحوثية ومن الذي يضمن الجماعة، هناك أحاديث وأساطير في السياسة أحيانا خارج نطاق المنطق وخارج الواقعية السياسية وخارج كل الظروف الموجودة الآن، والتي تقول شيئا آخر يخالف ما يطرحه المبعوث الأممي أو الأمريكان أو حتى المبادرات الخليجية أو العمانية وغيرها من المبادرات تعتبر ساقطة تماما وخارجة عن أي عملية حقيقية حتى ولو سلام هش".
واختتم الشميري: "أعتقد أن أحاديث أو كلمة السلام تم استبدالها في اليمن من الساسة ومن الأمم المتحدة، وليس هناك أجواء أو رغبة أيضا لدى الجماعة الحوثية التي تشعر الآن أنها في حالة عسكرية متقدمة جدا ويطالبون بأشياء لن يستطيع أحد أن يفي بها و خارج نطاق الإمكانيات الشرعية وإمكانية الأمم المتحدة والتحالف العربي أيضا".
لقاءات شكلية
من جانبه يقول المحلل السياسي اليمني، أكرم الحاج: "المهم في جولة المبعوث الأممي هانس غرونبرغ هو إحياء مساعي السلام وعدم التصعيد في اليمن، و ليس اللقاء بالعليمي رئيس المجلس الرئاسي المشكل و المدعوم من الرياض أو حتى الطرف الآخر داخل المجلس نفسه المتمثل بالمجلس الانتقالي الذي يدعو إلى انفصال الجنوب عن اليمن والمدعوم هو الآخر من قبل أبو ظبي".
وقال في حديثه لـ"سبوتنيك": "المواقف السياسية وحتى العسكرية في اليمن تؤكد وتكشف أن فرقاء المجلس ينظر إليهم وإلى مواقفهم سواء أكانت الداخلية أو لقاءاتهم بالمبعوث الأممي وغيرهم، على أنه لقاءات شكلية لا أقل ولا أكثر، وتحصيل حاصل، لأن ما تريده الرياض وأبو ظبي هو مطروح مسبقًا على طاولة المجلس الرئاسي وأعضائه المكبلين والمنقادين لإملاءات تلك الدولتين كونهم مجردين من السيادة في اتخاذ القرارات".
الرياض وصنعاء
وأشار الحاج إلى أن "المهم في تحركات المبعوث الأممي بشأن السلام هي تلك اللقاءات والتوافقات التي تمت أو لم يستكمل البعض منها بين الرياض وصنعاء، خاصةً الملف الإنساني والبدء بتسليم المرتبات لموظفي الدولة المدنيين والعسكريين وتبادل الأسرى والمعتقلين وفتح الطرقات بين المحافظات اليمنية وفي مقدمتها الطرق من وإلى محافظة تعز ورفع الحظر الكلي على مطار صنعاء الدولي".
ومضى بقوله: "الاحتمالية بعدم جدوى الجولة الأخيرة للمبعوث الأممي بين طرفي النزاع ما زالت قائمة في حال لم تحقق السعودية والإمارات الوصول إلى مصالحها وأهدافها في إقحام اليمنيين في حرب كان من المفترض أن لا يدخلا في إشعال فتيلها، مشيرا إلى أن تحركات المبعوث الأممي هي تحركات غامضة وغير معلنة الأهداف والمساعي وما هو الجديد الذي يحمله لإحداث تحريك في الأوضاع المجمدة منذ سنوات، وفك جمود التوافق بين اليمنيين أنفسهم بعيدا عن أطراف الصراع الإقليمي والدولي والتجاذبات التي ترمي بثقلها على الملف اليمني".
ويرى المحلل السياسي أن "تحركات المبعوث الأممي لا تحمل خارطة معلنة وجديدة سوى في مخيلته ومخيلة بعض الأطراف الإقليمية، أما الفرقاء اليمنيين فيدركون أن تحركات المبعوث الأممي ماهي إلا تحركات في سبيل إحداث توافقات تتوافق مع مصالح دول الإقليم والدول العظمى التي تلعب أدوار هي الأخرى تهدف إلى استمرار الحرب في اليمن وعودة الاقتتال".
خارج الجاهزية
وأشار المحلل السياسي إلى أن صنعاء سوف تتمسك بـ "التوافقات التي تمت مع الرياض ولن تتنازل عنها لإحداث أي توافقات يخطوا بها المبعوث الأممي من خلال إلزام السعودية بالإيفاء بما تم التوافق عليه بين الرياض وصنعاء أولا، والمتمثل بتحييد الملفين الإنساني والاقتصادي والعمل على إخراجه إلى الواقع الفعلي والتنفيذي، وما دون ذلك هو احتمال ضعيف في ظل ما حملته تحركات المبعوث الأممي "غرونبرغ" مما يرجح بقاء مسار السلام في اليمن خارج الجاهزية في الوقت الراهن وعودة اشتعال الجبهات مجددا".
ويكمل الحاج: "الرياض هي عقدة الحل والربط كما يقال في أي سلام أو عودة للحرب في اليمن، ناهيك عن تصادمات أعضاء المجلس الرئاسي الداخلية وتصدعات مواقفهم، حيث أنهم لا يمتلكون القرار السيادي بفعل هيمنة السعودية والإمارات على أعضاء المجلس". واختتم قائلا: "صنعاء وصلت إلى مرحلة متقدمة من التوافق الداخلي والتوافق الملحوظ في العلاقة التي توسُّس لحلول وحلحلة للملف اليمني، وتوافقات صنعاء والرياض من المؤكد أنها لن تكون في معزل عن اشتراطات صنعاء على المبعوث الأممي في تحركاته الأخيرة لإحلال السلام في اليمن".