مع استمرار الجمود في مسار مشاورات السلام الخاصة بالأزمة اليمنية، وتأجيل التوقيع على اتفاق سلام ينهي الحرب ويؤسس لعملية سياسية جامعة، كانت المؤشرات تفيد بأنه سيتم التوقيع عليه نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، تبدو الهجمات التي تشنها جماعة الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، عاملاً أساسياً في عرقلة المسار السياسي. وبرز في الأيام الأخيرة ربط الولايات المتحدة المفاوضات السياسية بوقف "الأعمال العدوانية" للحوثيين، وهو ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت إدارة جو بايدن وراء الدفع لتعليق مشاورات السلام حتى وقف هجمات الحوثيين.
وبرز ربط المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ هجمات الحوثيين بتقويض التقدم المحرز في عملية السلام في اليمن. وقال ليندركينغ، في إحاطة عبر الفيديو الأربعاء الماضي بعد عقد اجتماعات في السعودية وسلطنة عُمان، إنه "بينما لا يزال هناك دعم دولي واسع النطاق لعملية سلام يمنية-يمنية شاملة لإيجاد حل دائم للصراع في البلاد، فإن المفاوضات الناجحة صعبة للغاية طالما استمر الحوثيون في أعمالهم العدوانية". وأضاف أنه "في غياب تسوية سياسية، نخشى أن تتفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية في اليمن". وحضّ الحوثيين على وقف هجماتهم على السفن في البحر الأحمر، معتبراً إنهم يقوّضون عملية السلام في البلاد. واعتبر أنه "يجب على الحوثيين أن يوقفوا على الفور هجماتهم في البحر الأحمر وخليج عدن لأنها تقوض التقدّم في عملية السلام في اليمن وتعقّد إيصال المساعدات الإنسانية إلى اليمنيين وغيرهم من المحتاجين، بمن في ذلك الشعب الفلسطيني".
وكانت الإدارة الأميركية قد صنّفت الحوثيين كجماعة إرهابية، منتصف فبراير/شباط الماضي، رداً على هجمات الجماعة المستمرة على السفن التجارية في البحر الأحمر، وفق بيان للخارجية الأميركية. وشنّ الحوثيون عشرات الهجمات بصواريخ ومسيّرات ضد سفن تجارية منذ أكثر من أربعة أشهر، في البحر الأحمر وخليج عدن، في هجمات يقولون إنها تأتي للتضامن مع الفلسطينيين في قطاع غزة. وأعلن زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، في كلمة متلفزة يوم الخميس الماضي، عن وصول عدد السفن التي استهدفتها الجماعة إلى "90 بين إسرائيلية وأميركية وبريطانية"، منذ بدء عمليات الجماعة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وأمام هذه التطورات، تُطرح تساؤلات عن تأثير الموقف الأميركي من جماعة الحوثيين على تأجيل التوقيع على اتفاق السلام الخاص بالأزمة اليمنية، وسعي واشنطن لممارسة الضغط على الحوثيين للتوقف عن هجماتهم في البحر الأحمر. وفي هذا السياق، يقول الباحث اليمني في مركز واشنطن للدراسات سيف مثنى، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك عوامل عدة جعلت من الولايات المتحدة تعرقل المشاورات، منها ربط واشنطن السلام في اليمن مع إقناع السعودية بالذهاب إلى علاقات دافئة مع إسرائيل"، مضيفاً أن "السعودية لا تزال مصرّة على تقديم ضمانات أمنية لها وتقديم اتفاقية على غرار الناتو تستطيع من خلالها مقاومة حلفاء إيران وعلى رأسهم الحوثيون".
ويشير إلى عزوف السعودية عن المشاركة في التحالف الدولي لمواجهة هجمات الحوثيين في البحر، واستمرارها في التفاوض مع الحوثيين بعيداً عن الرغبة الأميركية. ويعتبر أن "توقيت إعلان خريطة الطريق التي تحدث عنها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ كان خاطئاً في ظل ما يحدث في البحر الأحمر، ولهذا نجد أن المبعوث الأميركي منذ بدء حرب غزة (7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي) زار الخليج والرياض أربع مرات حتى الآن، لفرض الرؤية الأميركية والتي تذهب إلى أن الصراع في البحر الاحمر غيّر النظرة الأميركية الاستخباراتية نحو اليمن في ظل صراع بحري وعسكرة مفرطة".
وفي ما يخص التصنيف الأميركي لجماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية وأثره على مسار المشاورات، يلفت مثنى إلى أن "التصريحات الأممية والأميركية وأيضاً الحوثية تؤكد أن المسار التفاوضي توقف، وتصريحات المبعوث الأميركي الأخيرة أكدت ذلك، وأن رفع التصنيف مرتبط بوقف التصعيد". ويتابع: "صحيح أن التصنيف خاص بالولايات المتحدة، لكن تمتعها بنفوذ وسطوة في المجتمع الدولي قد يجعل قرارها هذا يؤثر على موقف أعضاء المجتمع الدولي، وهذا بلا شك له عواقب سلبية على عملية التسوية السياسية في اليمن، بالنظر إلى أنه قد يدفع الحوثيين للتشدّد أكثر، ويُعرقِل جهود وساطة الأمم المتحدة".
ويتحدث الباحث اليمني عما سماه "استمرار الابتزاز الأميركي للسعودية بما يخص الحوثيين، وإعلان واشنطن انتهاء العملية السياسية في اليمن، وإمكان عودة الحرب بما سيكون تعزيزاً لوجود ونفوذ الحوثي في اليمن، وهذا ما تخشاه السعودية، لهذا هناك تسريبات تتحدث عن وجود صفقة أميركية للسعودية يتم بموجبها التمهيد للاستمرار في الذهاب للتوقيع على الاتفاق".
من جهته، يرى الكاتب الصحافي رماح الجبري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الإدارة الأميركية ارتكبت سلسلة أخطاء كبيرة في التعامل مع الملف اليمني، بعضها كانت متأثرة بالصراع الأميركي الداخلي بين الجمهوريين والديمقراطيين، وتحديداً بين إدارة دونالد ترامب السابقة وإدارة جو بايدن الحالية. ويضيف: أزالت إدارة بايدن الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية بدون مقابل، وأقحمت الملف اليمني كوسيلة ضغط على التحالف بقيادة السعودية، لوقف الحرب في اليمن مهما كان الثمن، حتى وإن كان ذلك على حساب مصالح اليمنيين ما دام ذلك يدعم وعد بايدن في برنامجه الانتخابي بالعمل على وقف الحرب في اليمن.
ويشير الجبري إلى أنه بعد أحداث البحر الأحمر تغيّر الموقف الأميركي، وتخلصت الشرعية اليمنية والتحالف من ضغوط أميركية متواصلة لإنهاء الحرب، معتبراً أن "هذه الضغوط تسببت بوقف المعركة في نهم بالقرب من العاصمة صنعاء (2016) والضغوط نفسها أوقفت معركة الحديدة (2018)". ويعتبر أن "الإدارة الأميركية أصبحت تبحث عن خيارات عسكرية لردع الحوثيين، وفي الوقت الذي كان فيه التحالف بقيادة السعودية قد توصل إلى خريطة سلام كان من المفترض التوقيع عليها مطلع العام الحالي، إلا أن الولايات المتحدة طالبت بوقف التوقيع أو إضافة بند يتضمن التزام المليشيا الحوثية بوقف هجماتها في البحر الأحمر، وهو الأمر الذي رفضه الحوثيون واستمروا في هجماتهم".
ويرى الكاتب الصحافي أن "التصنيف الأميركي للمليشيا الحوثية كمنظمة إرهابية لم يحدث فارقاً كبيراً، ولا تأثير له على مسار المشاورات كون تصريحات القادة الأميركيين أكدت أن التصنيف مرتبط بهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وإذا توقفوا عن هجماتهم يمكن أن تراجع إدارة بايدن التصنيف، وهذا يجعل من تأثير التصنيف محدوداً وغير فاعل، لاسيما أن المليشيا الحوثية تربط هجماتها في البحر الأحمر بالحرب الإسرائيلية على غزة".