حذرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) من نفاد مخزون المياه الجوفية في اليمن خلال 6 أعوام، وقالت إن أغلب النزاعات تدور حول المياه في بلد هو أفقر دولة في العالم من حيث الموارد المائية.
ووفق تقرير حديث للمنظمة بعنوان «الاستفادة من المياه من أجل السلام»، فإن اليمن بحاجة ماسة إلى فهم كامل لأنظمة إدارة المياه، وكيفية استخراج الموارد واستخدامها وتقاسمها وتجديدها.
وأوضح التقرير أن تجربة المنظمة في اليمن أظهرت فجوات صارخة بين السياسة والاستخدام النهائي للسلعة الثمينة، وأن هناك فجوة أخرى تتمثل في محدودية التمويل اللازم لتكرار أفضل ممارسات إدارة المياه التي تمت تجربتها وأثبتت فاعليتها.
وأشارت المنظمة المعنية بالأغذية والزراعة إلى تهديد هذه الفجوات على الأمن الغذائي وصحة الإنسان وأمنه، وقالت إنه، وفي بعض الأحيان، تفقد أرواح بشرية عندما تتقاتل المجتمعات على الموارد، حيث إن ما بين 70 في المائة إلى 80 في المائة من النزاعات في اليمن تدور حول المياه.
وحسب التقرير، فإن اليمن لديه وضع مائي لا يُحسد عليه، وهو أفقر دولة في العالم من حيث الموارد المائية، إذ يبلغ نصيب الفرد السنوي من المياه 83 متراً مكعباً سنوياً مقارنة بالحد المطلق البالغ 500 متر مكعب.
ويستهلك القطاع الزراعي حوالي 90 في المائة من استخدامات المياه، ويذهب معظمها لزراعة نبتة «القات» في جميع أنحاء البلاد، ويتم استنزاف المياه الجوفية بمعدل ضعفي معدل تجديدها.
وأكدت «فاو» أنه يتم استخدام موارد المياه الجوفية بشكل عشوائي في اليمن، وقالت: «إذا استمر استخراج المياه الجوفية بالمعدل الحالي، فإنه وبحلول عام 2030، سيتم استنفاد أحواض المياه».
وفي حين سيكون هذا كارثياً بالنسبة لبلد، 70 في المائة من المجتمع الريفي فيه يمارس الزراعة، نبهت المنظمة إلى أن ذلك سوف يؤدي إلى ضياع أجندة التحول في مجال الغذاء والزراعة مع استنفاد الموارد المائية.
وبينت المنظمة أن تغير المناخ والنمو السكاني السريع أديا إلى فرض ضغوط إضافية على موارد المياه المحدودة في هذا البلد، إذ لا يحصل حوالي 14.5 مليون شخص من سكانه على مياه الشرب الآمنة ومرافق الصرف الصحي الموثوقة.
وأضافت أن النساء تتحمل وطأة هذا الوضع المائي الذي لا يؤثر فقط على إنتاجهن من المحاصيل والثروة الحيوانية، بل يستلزم المزيد من العمل واستخدام الوقت للسفر لجمع المياه وتخزينها وتوزيعها.
الاستجابة والتكيف وكجزء من تحسين الإدارة المتكاملة للموارد المائية، تعمل منظمة الأغذية والزراعة مع المجتمعات المحلية لإعادة تأهيل البنية التحتية للمياه، وتشارك المجتمعات من خلال برامج النقد مقابل العمل، حيث انخرط ما يقرب من 20 ألف أسرة في هذه الأنشطة منذ عام 2020.
ووفق ما ذكرته المنظمة، فإن تدخلات النقد مقابل العمل تخدم غرضاً مزدوجاً، فمن ناحية تخلق فرصاً للدخل للأسر المشاركة، بينما من ناحية أخرى، فإنها تمكن من ترميم وإعادة تأهيل وإنشاء الأصول المجتمعية مثل قنوات المياه والسدود وأنظمة الري. وبالإضافة إلى ذلك، تدعم «فاو» جمعيات مستخدمي المياه لتحقيق الإدارة المثلى للموارد الطبيعية على مستوى الحوض.
وتتكون جمعيات مستخدمي المياه من ممثلين عن المزارعين والمجتمعات المحلية وأصحاب المصلحة الآخرين المشاركين في إدارة موارد المياه. وتستخدم نهجاً تشاركياً بمشاركة النساء والشباب أيضاً.
وقالت المنظمة إنه ومنذ عام 2020، تم تشكيل 62 جمعية لمستخدمي المياه في صنعاء ولحج وحضر موت وأبين، حيث تلعب جمعيات مستخدمي المياه دوراً حيوياً في تشكيل وتكوين ومهام اللجان الإقليمية ولجان إدارة مياه الأحواض.
وتتولى جمعيات مستخدمي المياه، حسب التقرير، الإدارة اللامركزية لموارد المياه وسبل العيش الريفية المستدامة على مستوى الأحواض الفرعية، وتمثل حلقةً حيويةً في عملية استخراج المياه واستخدامها العادل، ويتولى أعضاؤها المسؤولية عن إدارة توزيع المياه، وصيانة البنية التحتية للري، وحل النزاعات بين المستخدمين، وضمان الاستخدام المستدام للموارد المائية.
آليات مساعدة أكدت المنظمة الأممية «فاو» أنه يتم تدريب قادة المجتمع في اليمن على آلية حل النزاعات للمساعدة في حل أي توترات ناشئة، كما تقوم الجمعيات بجمع الرسوم من المستخدمين لتمويل الصيانة وأنشطة التشغيل، وتتلقى الدعم والتوجيه من الوكالات الحكومية، خصوصاً الهيئة الوطنية للموارد المائية، حيث إن عملياتها تخضع لإشراف الوكالة.
وأوضحت أن جمعية مستخدمي المياه أداة مهمة لتعزيز التعايش السلمي وتقاسم الموارد المائية، مشيرة إلى أن إشراك المرأة في حل النزاعات على الموارد المائية واستدامتها أمر أساسي حتى لا تنهار تحت وطأة العبء الذي تتحمله، وقد تبين تأثير ذلك في حوض صنعاء، حيث ولأول مرة في تاريخ إحدى القرى شاركت النساء بفاعلية في الاجتماعات مع الوجهاء المحليين.
وينصب تركيز المنظمة الأممية حالياً على تقديم الدعم الفني في مجال الإدارة المتكاملة للموارد المائية، وتطوير استراتيجيات وسياسات وخطط استثمارية لإدارة المياه المستدامة، التي تعالج تحديات المياه في اليمن.
ويتمثل الدعم في التدخلات المبتكرة مثل أنظمة الري الحديثة (الري بالتنقيط والري المحوري)، وتحسين تقنيات حصاد المياه من خلال إعادة تأهيل وبناء مصاطب جديدة، وإعادة تأهيل مرافق تخزين المياه من أجل الري التكميلي للمدرجات، وجمع المياه من خلال الصهاريج الجوفية وحفر الوادي المفتوحة، والحفاظ على التربة ومنع تآكلها، وإعادة تأهيل الآبار الضحلة والينابيع.
وأكدت المنظمة فاعلية التدابير التي اتّبعت حتى الآن، حيث أصبح المزارعون قادرين على زراعة مجموعة متنوعة من المحاصيل بشكل مستدام باستخدام الأراضي الصغيرة لاستهلاكهم الخاص وبيع الفائض، وقالت إن إنهاء الحرب التي طال أمدها في اليمن سيساعد في إنهاء الحفر العشوائي والاستنزاف الجائر للمياه الجوفية.
*الشرق الأوسط