انتقلت التوترات في منطقة البحر الأحمر إلى مستويات خطيرة، تتعلق باستهداف كابلات الاتصال، والتي يمكن أن تتدحرج إلى مراحل حرجة في الأيام المقبلة.
قبل يومين حمّلت جماعة الحوثي أمريكا مسؤولية قطع أو تلف كابلات الاتصالات في البحر الأحمر، وذلك في أول تعليق للجماعة على الإعلان عن انقطاع 4 كابلات بحرية للاتصالات. وقال عضو المجلس السياسي الأعلى للجماعة، محمد علي الحوثي، عبر منصة "إكس"، الثلاثاء، إن "أمريكا هي المسؤولة عن أي قطع لكابلات الإنترنت أو تلفها في البحر الأحمر". في ظل الاتهامات والتحذيرات، يجمع الخبراء على أن استمرار "حرب الإبادة" على غزة قد يدفع إلى استعمال ورقة الكابلات الممتدة عبر البحر الأحمر، بما يطرح تساؤلات عدة بشأن التداعيات.
وبلغ عدد مستخدمي الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نحو 220 مليون نسمة في عام 2023، مما سيجعل أكثر من 90% من هؤلاء محرومين من التواصل في حال تأثّرت الكابلات البحرية في البحر الأحمر، إضافة إلى ذلك التأثير على سوق العمل الرقمي، وتوقف العديد من العاملين عبر الإنترنت عن العمل وزيادة معدل البطالة في المنطقة.
كما تشمل الانعكاسات تأثر المعاملات المصرفية مثل التحويلات المالية ودفع الفواتير والمدفوعات عبر الإنترنت، الاستثمار في الأسواق المالية مثل تداول الأسهم والسندات والعملات الرقمية، خدمات التأمين مثل تأمين السيارات والسفر والحياة، وخدمات التمويل مثل القروض الشخصية وقروض الأعمال.
سوق الخدمات المالية
ونما حجم سوق الخدمات المالية بقوة في السنوات الأخيرة، فقد بلغ 31,138.82 مليار دولار في عام 2023، فيما تشير بعض التقديرات إلى أن حجم الخدمات المالية عبر الإنترنت قد تجاوز 500 مليار دولار في عام 2023، وبالتالي إن الخسائر ستكون بمليارات الدولارات، وقد تؤدي إلى إفلاس العديد من الشركات.
يقول الباحث الاقتصادي اللبناني الدكتور أيمن عمر، إن الغالبية العظمى من الاتصالات في العالم اليوم باستخدام الكابلات تحت الماء، من خلال 800 ألف كيلومتر من كابلات الاتصالات في قاع البحار حول العالم.
يوضح في حديثه مع "سبوتنيك"، أن تمرير الكابلات تحت الماء يعد أكثر أمانا من الكابلات البرية، وهي تتكوّن في معظمها من ألياف ضوئية تنقل المعلومات بمعدل يعادل نحو مائة وخمسين مليون مكالمة هاتفية عبر الإنترنت في وقت واحد، فهي تنقل أكثر من 95% من الاتصالات الدولية سواء الاتصالات المباشرة أو نقل البيانات.
منطقة استراتيجية
في ظل التوترات التي تشهدها منطقة البحر الأحمر، إثر استمرار الحرب على غزة، يوضح عمر أن المنطقة الممتدة من بورسعيد في مصر إلى سلطنة عُمان من أهم المناطق في حركة الاتصالات السلكية واللاسلكية.
يعد الموقف الجغرافي لليمن المطلّ على البحر الأحمر، بمثابة مناطق تحكم، إذ تمرّ الكابلات التي تربط أوروبا وأفريقيا وآسيا عبر مصر، ثم تشق البحر الأحمر إلى مضيق باب المندب بين اليمن وجيبوتي، وتنحرف الكابلات المتجهة شرقاً نحو عُمان وفي غرب العاصمة مسقط، وتحديداً في منطقة السيب. تمرّ شرايين الاتصال الرئيسية عبر قاع المحيط الهندي ومياه بحر العرب من الهند، على طول سواحل شبه الجزيرة العربية إلى البحر الأحمر وقناة السويس في طريقها إلى البحر الأبيض المتوسط وشواطئ أوروبا. باب المندب
وفق الباحث فإن نحو 20 كابلا بحريا مختلفا يمرّ في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، حيث تقوم برحلة طولها 100 ميل حتى تصل إلى البحر الأبيض المتوسط.
وتحمل هذه الكابلات نحو 178 تيرابايت من السعة (عام 2021)، فيما تشير التقديرات الحالية إلى أن نحو 17% من حركة الإنترنت في العالم تنتقل عَبرها، وتعالج ما بين 17% إلى 30% من حركة الإنترنت في العالم أو ما يعادل بيانات 1.3 إلى 2.3 مليار شخص.
تحذيرات من استمرار الحرب
يحذر الخبراء من التداعيات واستمرار الحرب التي يصفها الخبراء بـ"الإبادة الجماعية" على غزة، حيث يقول الخبراء إن استهداف الكابلات في إطار الضغط والتصعيد على إسرائيل لوقف حربها على القطاعن يؤدي إلى تداعيات كبيرة، منها تعطّل التجارة الإلكترونية التي تعتمد على الإنترنت بنسبة 95%.
ووصلت مبيعات التجارة الإلكترونية بالتجزئة في عام 2023 إلى 5.8 تريليون، وتشير التوقعات إلى نمو هذا الرقم بنسبة 39% خلال السنوات المقبلة، مع توقّعات بأن يتجاوز 8 تريليون دولار في عام 2027.
في وقت سابق كلف انقطاع الإنترنت الحكومي في عام 2023 في 25 دولة لحوالي من 79,238 ساعة الاقتصاد العالمي 9.01 مليار دولار، منها 1.74 مليار دولار لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، و1.73 مليار دولار لآسيا.
ومن المتوقع أن تبلغ كلفة تعطّل التجارة الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في حال انقطاع الإنترنت لأي سبب كان نحو 50 مليار دولار، كما حدث في عام 2023. كما يتاثر تأثّر قطاع السياحة والرحلات الجوية، ويحتمل إلغاء بعض الرحلات الجوية إذا لم تتمكن شركات الطيران من إعادة توجيه مسار رحلاتها أو تأمين الاتصالات اللازمة.
كما تؤثر العمليات على الخدمات الحكومية، خاصة أن العديد من دول المنطقة أدخلت المعاملات الرقمية في معاملاتها الرسمية اليومية، وفي حال توقّف الإنترنت سيعيد العمل بالطريقة التقليدية.
فيما يقول الخبير الاقتصادي العماني خلفان الطوقي، إن التهديد بقطع الكابلات تعد ورقة ضغط على واشنطن وإسرائيل، وفي حال تنفيذ التهديد سيؤثر الأمر على الشركات وشبكات الإنترنت بشكل كبير.
ورقة ضغط
أضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن التهديدات قد تدفع في الوقت الراهن للتفكير في البدائل، والعمل على مسارات أخرى بعيدة عن مناطق التوتر.
ولفت إلى أن استمرار القصف الأمريكي البريطاني على اليمن، قد يدفع نحو استهدافها في إطار الضغط واستعمال الأوراق التييملكها الطرف اليمني الذي يستهدف السفن الإسرائيلية والأمريكية.
وفي وقت سابق، أعلنت شركة الاتصالات الدولية "سيكوم" عن خلل في بنيتها التحتية في البحر الأحمر، ما أثر على نظام الكابلات في أفريقيا، وتوجهت الشكوك نحو منطقة نشاط الحوثي اليمنية كمكان محتمل للعطل.
وذكرت الشركة أن جزءًا من نظام الكابلات الذي يمر عبر البحر الأحمر توقف عن العمل بشكل صحيح، ما أثر على تدفق المعلومات بين أفريقيا وأوروبا.