يطرح التصنيف الأميركي لجماعة الحوثيين كياناً إرهابياً، والذي دخل حيّز التنفيذ اليوم الجمعة، تساؤلات عن انعكاساته على الملفات السياسية والعسكرية والإنسانية أيضاً في اليمن، في ظلّ استمرار الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر، ومواصلة الطيران الأميركي والبريطاني شنّ ضربات على مواقع الحوثيين.
وبدأ، الجمعة، سريان قرار تصنيف جماعة الحوثيين "كياناً إرهابياً"، بعد تأجيله لمدة شهر منذ أن أصدرته واشنطن، لتفادي التأثيرات الإنسانية المحتملة على المدنيين في اليمن، على حدّ قول مسؤولين في الإدارة الأميركية.
وكانت إدارة الرئيس جو بايدن قد أعلنت، في 17 يناير/كانون الثاني الماضي، إعادة تصنيف جماعة الحوثيين منظمة إرهابية عالمية "محددة بشكل خاص"، عقب الهجمات التي تشنها الجماعة على السفن الإسرائيلية أو المتوجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر وخليج عدن.
وصنّفت الإدارة الأميركية جماعة الحوثيين كياناً إرهابياً عالمياً، محدداً بشكل خاص، بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224 الذي يفرض عقوبات صارمة على أشخاص أجانب تبيّن أنهم ارتكبوا أعمالاً إرهابية تهدد أمن الأميركيين، أو الأمن القومي أو السياسة الخارجية أو الاقتصاد الأميركي، أو يشكلون خطراً كبيراً لارتكاب أعمال مماثلة، بحسب وزارة الخارجية الأميركية، ويختلف هذا التصنيف عن قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية.
وتهدف الإدارة الأميركية من خلال التصنيف إلى قطع تمويل جماعة الحوثيين، وتقييد وصولها إلى الأسواق المالية، ومحاسبتها على أفعالها، إذ يتيح تصنيف "كيان إرهابي عالمي محدد بشكل خاص"، للحكومة الأميركية، تجميد أصول أفراد وكيانات تقدم الدعم أو المساعدة للكيان المصنف، بالإضافة إلى فروع ترتبط بها أو منظمات صورية أو شركاء.
إعلان الإدارة الأميركية جاء بعد أن كانت قد ألغت تصنيف جماعة الحوثيين منظمةً إرهابيةً في عام 2021، بعدما وضعتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب على تلك القائمة خلال الأسابيع الأخيرة من إدارتها.
وكان مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان قد أوضح للصحافيين، في يناير الماضي، أنه إذا أوقف الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر، فإن واشنطن ستدرس رفع هذا التصنيف.
ومن المتوقع أن يؤثر هذا التصنيف على مسار المشاورات الخاصة بالأزمة اليمنية، إذ أكد المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، خلال إحاطته أمام مجلس الأمن أول من أمس الأربعاء، أن تصاعد التوترات الإقليمية المرتبطة بالحرب في غزة، وبشكل خاص التصعيد العسكري في البحر الأحمر، يؤدي إلى تباطؤ وتيرة جهود السلام في اليمن، كما وصف تصنيف الإدارة الأميركية لجماعة الحوثيين كياناً إرهابياً بالأمر المثير للقلق.
الملف الإنساني هو أكثر الملفات تأثراً بقرار الإدارة الأميركية، إذ قد يؤثر القرار على حجم تدفق المساعدات الغذائية إلى اليمن، في ظل الكارثة الإنسانية التي يعيشها هذا البلد الذي يشهد حرباً منذ تسع سنوات.
وكان تقرير النظرة العامة على الاحتياجات الإنسانية في اليمن، الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA)، أظهر أن 17.6 مليون شخص في اليمن سيعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد خلال العام الحالي، نتيجة استمرار الأزمة الاقتصادية، وزيادة مستويات البطالة، وعدم الاستقرار وارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود.
عضو الوفد المفاوض لجماعة الحوثيين حميد عاصم قال، لـ"العربي الجديد"، إن القرار الأميركي "يصنف الشعب اليمني كإرهابيين، لأنه هو من يتبنى تصحيح الموقف اليمني مما يدور في غزة من عدوان من قبل الكيان الصهيوني وبدعم مباشر من أميركا وبريطانيا ودول أخرى".
وأضاف عاصم أن "أميركا هي التي عرقلت الاتفاق الذي كنا قد توصلنا إليه نحن والسعودية في رمضان الماضي وبوساطة عمانية، ولكن الأميركيين وقفوا ضده وأعاقوا التنفيذ، ثم بعد العدوان الصهيوني، أوقفت أميركا النظام السعودي عن مواصلة أي مفاوضات، ولذلك نقول إن ما تريده الإدارة الأميركية من قرار التصنيف لن يؤثر في شيء، والتأثير السلبي قد يكون عليهم وعلى الدول التي تدور في فلكهم".
وبالنسبة للجانب الإنساني، قال عاصم إن "الشعب اليمني محاصر منذ 2017 حتى هذه اللحظة، وخلال العام الماضي، مُنع برنامج الغذاء العالمي من تقديم أي مساعدات للشعب اليمني، وهو قرار ظالم وخارج نطاق الجانب الإنساني، بل إنه يدخل في إطار الحرب المباشرة على الفقراء من أبناء اليمن، والجميع يعرف ذلك، فما هو التأثير الذي سيضاف إلى جانب تلك التأثيرات على الفقراء؟". وحمّل عاصم الأمم المتحدة "المسؤولية القانونية والأخلاقية في ذلك".
وأكد عاصم أن "الشعب اليمني هو من قرّر الهجمات على السفن الصهيونية، أو التي تتجه إلى الكيان الصهيوني، ثم بعد ذلك جرى استهداف السفن الأميركية والبريطانية بسبب عدوان الدولتين على اليمن، وشنّ الهجمات على الأرض اليمنية، وموقفنا مستمر في استهداف السفن، وسيستمر حتى وقف العدوان على أهلنا في فلسطين، ورفع الحصار عن غزة".
من جهته، توقع الصحافي الاقتصادي وفيق صالح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن يكون للقرار الأميركي بتصنيف جماعة الحوثيين منظمة إرهابية "الكثير من التداعيات، التي ستنعكس على إضعاف وتحجيم قدرات الجماعة في الجانب العسكري والجانب المالي".
وأضاف أن "القرار يأتي ضمن خطة مدروسة من قبل الإدارة الأميركية للتعاطي مع هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، تشمل العديد من الجوانب، ومن أهمها الجانب المالي، إذ تحاول واشنطن تجفيف مصادر تمويل أنشطة مليشيات الحوثي من خلال فرض عقوبات على شركات وأفراد يعملون في العديد من دول العالم".
ولفت صالح إلى أن "التصنيف الحالي في قائمة الإرهاب يمضي بشكل متدرج، بحيث يعطي فرصة للجماعة بمراجعة مواقفها، ووقف الهجمات في البحر الأحمر، كما صرح بذلك السفير الأميركي في اليمن ستيفن فاغن".
ولفت الصحافي اليمني إلى أن التعاطي الأميركي مع جماعة الحوثيين بعد هجمات البحر الأحمر وتصنيفها في قائمة الإرهاب، يهدف بالمجمل إلى الضغط على الجماعة في الجوانب المالية والعسكرية وإضعاف قدراتها، حتى لا تتمكن من تشكيل تهديد محتمل في المستقبل للمصالح الأميركية في المنطقة.
وتابع: "لا أعتقد أن التصنيف يمكن أن يؤثر على العمل الإنساني في مناطق الحوثيين، كون المنظمات الدولية تتولى بنفسها عملية تقديم البرامج الإنسانية، كما أن هذا التصنيف لا يفرض قيوداً على عملية توزيع المساعدات الإنسانية، ويراعي هذا الجانب بحيث تستمر العمليات الإنسانية والمساعدات الإغاثية من دون عوائق".
أما الباحث في مركز اليمن والخليج للدراسات عدنان هاشم، فقال لـ"العربي الجديد" إن "الأميركيين قرّروا مواصلة التفاوض مع الحوثيين تحت ضغط التصنيف، وسيأخذون استثناءات التفاوض مع الجماعة ضمن القرار، وسنعرف بحلول اليومين المقبلين مدى الاستثناءات الممنوحة للمفاوضين الأميركيين". وأضاف: "لا أعتقد أن قرار التصنيف سيؤثر بشكل مباشر على جماعة الحوثيين، فمعظم ما يمتلكه الحوثيون موجود داخل البلاد ولا يملكون أرصدة أو ممتلكات خارج اليمن، وتصنيفهم جماعة إرهابية بمثابة كلفة يمكن تحملها مقابل المكاسب التي يجنونها من الحرب الحالية".
ورأى هاشم أن الانعكاس الأكبر للقرار سيكون على المواطنين اليمنيين، وإذا ما تجاهلت الاستثناءات الإغاثة بشكلها الكامل وغير المشروط والواردات إلى موانئ الحوثيين، فإن الأسعار سترتفع والوضع الإنساني سيزداد سوءاً.
واستبعد أن يتغير الوضع في البحر الأحمر بسبب التصنيف، "بل على العكس، يمكن أن يشعر الحوثيون بالإهانة ويصعدوا من عملياتهم، وهو الأمر المرتبط بقواعد الاشتباك الحالية، ما يعني توسيعاً أميركياً للعمليات".
وتوقع هاشم أن "يؤثر قرار التصنيف على المشاورات والتفاهمات السعودية مع الحوثيين، فمعظم التفاهمات السابقة حول الهدنة قد تتغير مع تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، مع تدقيق أكبر لكل ما يرتبط بالجماعة، سواء في العلاقات الخارجية أو الوضع الداخلي".